شخصيات

ملف خاص عن القاص الراحل .. خالد شلابي

ملف خاص عن الراحل القاص “خالد شلابي”

وهو المنشور بصحيفة اللواء، العدد 76 بتاريخ 23-10-2013

أعد الملف الشاعر: محمد القذافي مسعود – مشرف الصفحة الثقافية بصحيفة اللواء

 

عن الراحل

عندما غادر الملك*

 

رامز رمضان النويصري

www.ramez-enwesri.com

 

 

1

من منطقة بعيدة في الحلم يكتب، لا يعبر عوالمنا المادية إلا ليتزود لمسيرة حلم جديدة. في كل قصة نكتشف إنه يستمتع بالقهقهة عالياً، كيف نقف عند بابه ونكتفي بالمراقبة خوف الدخول.

عواله خاصة، وكتابته للقصة مختلفة، يحدد شخوصه بعناية تامة، ولا يسرف في إحضارهم، يكتفي بالممثلين الرئيسيين فقط، أما الكومبارس فلا حاجة للمشهد بهم، سيكون أفضل بدونهم، أو ادخارهم لمشهد يتطلب بعض الصخب.

 

عرفتهُ قبل أن ألتقيه، كانت أذني قد التقطت اسمه عبر الراديو، من خلال برنامج (ما يكتبه المستمعون) الذي كان يعده، القاص “سالم العبار”، والذي يهتم بالأدباء والكتاب الجدد، كنت وقتها أتلمس خطواتي الأولى في عالم الأدب، وكان اسمه يتكرر كثيراً، حتى جاءتني منه رسالة، وكان أول اتصال.

لصوتهِ نبره خاصة، لا يمكنك نسيانها. فصوته –مثله- يأتي من آخر منطقة في الحنجرة، عميقٌ وواضح، وراسخ، وعندما يضحك، يتحول إلى طفل.

 

توقفت قليلاً عند الباب، تلفتت من حولي، ثم دخلت. سألت، فقيل لي: غادي نهاية الممر.

ها هو ذا، يجلس إلى كرسيه، يقرأ في جريدة، وعلى الطاولة مجموعة من الرسائل، والأظرف المفتوحة. لابد أن يكون هنا –قلت لنفسي-، فهو يطابق الصورة التي رسمتها من خلال قصصه، ورسائله وصوته، ودخلت المكتب.

– وأخيراً التقينا.

– أخيراً!!!!

– أنت الوحيد من ضمن المجموعة الذي لا أعرفهُ بشكل شخصي، إلا من خلال البرنامج وما تكتب. الشباب جميعهم يسألون عنك.

– …..

– هل ستذهب معنا للمهرجان هذا العام؟

– سأحاول!!!

 

من خلاله تعرفت إلى عالم الأدباء الجدد –كما تنص على ذلك مقدمة برنامج ما يكتبه المستمعون-، قائمة طويلة من الأسماء والأصدقاء، بدأت من طرابلس ووصلت أغلب مدن ليبيا الحبيبة، وتكررت اللقاءات، كنت أكتشفُ شيئاً جديداً فيه في كل مرة، قارئ، ناقد، شاعر، راوي،….، الحديث معه يتدفق في سلاسة ولا يتوقف، أذكر أني عندما زرته أول مرة في بيته، بدأنا حديثاً عن الروائي “حيدر حيدر” لم يتوقف إلا عندما اضطررت للاتصال بالبيت لأبلغهم بالمبيت عنده، لنعود للحديث من جديد وكانا قد بدأنا حواراً عن الشعر الحديث.

 

2

لا أظنه غاب.

لكني أظنه تسرب في حلمٍ تملكه، كان دائماً يأتي من حلم.

يعبر كحلم، وينزل كحلم.

 

نعم “خالد شلابي” لم يغادر، عاد للحلم الذي أحب، ولليل الذي أدمن سؤاله. لم يغادر، ترك حرفاً يافعاً، ينبض في طمأنينة، ويسكن في قلوبنا.

________________________________________________________

* العنوان مستوحىً عن قصة للراحل بعنوان (أخيراً قهقه الملك).

***

متى يقهقه الملك….؟

إهداء: إلى خالد شلابي

ام الخير الباروني

من أنار أضواء المدينة.؟

يا صديقي

حينما أوشك فينا الظلام

يا صديقي

الوقت يتسع . . والقلب يضيق

* * *

صباحاً أنسلخ عن نسيج الحزن

أكوّر الألم في قبضتي

فأبصر كفي تساقط

إصبعاً تلو الآخر

أتحير

* * *

مساءً

نمتطي متن “السياق”

تقتفينا ذكرى

من الأمس القريب

تنادينا هلموا

نحتسي رقراق الذكرايات

عند أطراف “الجزيرة”

حينما “قهقه الملك أخيراً”

* * *

يا صديقي

مهاجر أنت

أوسعه الرحيل غياباً

كسدت عكاظ

والنخاس متكئ

يحصي السبايا

والغلمان والدرر

نحن . .!

لا تبتئس

فسقوطنا . .سهواً . .

من منخل حساباته..

ومن بيعه .. ومن سلعه

الركح خال

لا فعل لنرصده

ونحن لا فاعل ولا مفعول به

بل شهود

لا تزر شهادتهم

وزر الهباء

لا فضل ولا ندم

* * *

آهٍ صديقي

وحيداً تغترب

وتوصد دوننا حجبك

وأدرك أن لديك خلفها

نخلتان

وشمساً وطيوراً

وأرضاً وسماء.

____________________________

هامش:

“السياق،أخيراً قهقه الملك” عنوان قصص لخالد شلابي ،

“الجزيرة” فندق قصر الجزيرة- بنغازي

 

 

 

قصصه

قصص للراحل خالد محمد شلابي

 

 

 

سارق الليل

 

 

 

 

الليل (يتهدل) – يخيم – و الظلام يرف – الأنجم و السماء تزدان – تغرد – تفرح و تطرب …  و كأنها في لية عرس – كل شيء يوحي بالفرح رغم العتمة كان النور هافتاً جداً و النسيم رائعاً و كأنه كان يجلس معها – مع الليل … مع السحر سرق كل شيء حتى كلماته – و ملابسه الرثة البالية و لون عينيه نهب كل شيء – اللعنة – الحزن … الغباء – ساد السكون – اللهب … الضوء الأخضر – يزدري كل الأوان .

خيم الظلام – إزدانت السماء بمصابيح خافته … الضوء زغردت و فرحت – و كأنها في بداية مراسم حفل زفاف لا نهاية له تراقصت الأنجم و السحر الذي يخلب الألباب – و النسيم العليل – كان يراقبها … ها هي فرحانة … سرق كل شيء – سرق الحب – سرق الكراهية – سرق الحقد – سرق نفسه من محصلة نفسه – ذابت أنجم اليوم – تهدل العرق لفطرة الحياة – كل شيء كان مهيناً – أخرس – لا يدري في أي ركن هو – محطم القلب – و العرق –لا لون له – باهت – أقرع يخمر بخطواته المجنونة الوئيدة المتأنية دائماً إلى الأمام يظن نفسه أنه يملك ضفائر ملونة لزهرة برية .

***

غزو مر

 

 

بين ألاف الوجوه – حين تسهرين – تذوب الشمس – رائعة أتت مقلتاك – أتصفحك على وجه البحر – منتظراً الياقوت – أه من عينيك – لونهما كلون البحر – كلون السماء إنعطفنا – حال القمر – أتغزل فيك – تطربني همساتك – صفحة بيضاء ، لا للعناق – حين تبحرين في حلمي مع وصية جدتك – رانية – لا للهمس – لا للبوح – لا لكل ما يتعلق بالحب – أجدك حاضرة – تبكين على لوح مغبر – أصفر – أصفر كان لون للشعر – بياض يديك – تلهفك – نطقك بإسمي – عجوز أنا – عجول أنا – لم أكتفي بابتسامتك – تلعنني الوحدة – بدونك تعريت – يا زبالة تخترق أوداجي – حين أغفو يكون الحلم – ما أجمل أيامنا – تنهداتنا – أو يكون الحب قبلة – ماذا أقول – بعد ذهاب الوهج – هل الحقيقة لها طعم الجوز – مغبرة أنت و قاحل أنا – لا – لم يلتئم الصديد – لإنك متزوجة – تريدين كحل الليل – يبتسمون أطفالك للوردة – خضي أنا – يوم تكتبين إسمي في بتراء المدينة أغفو لإنهض – أستقبلك – وجد – وجد – خشوع – خشوع – و تحلمين و أحلم باليوم الذي نلتقي فيه ايان يوم القيامة – أحبك .

 ***

 

 كل شيء لك

غادر المكان رافعاً رأسه بعفونة الزمن – غير ملقي و لو بنظرة أخيرة إلى ما خلفه وراءه من الهشيم الضائع وسعادة كان يتمسك بها – تطلع إلى فوق ، طالعه الغروب ، يسأله عن اللقاء . حدق في أخر نجمة راوغته … لا بد أن يصل لها .

ترك أوراقه و ركض مسرعاً خلف الغيوم

بحثت عنه … لم تجده – عثرت على رسالة بين أوراقه – قرأت فيها … تحية جميلة لك ، لن تعثري على بعد قراءتك رسالتي هذه تجدين كل الأوراق الرسمية الخاصة بي ، كل ما أملكه تجدينه مسجلاً بإسمك ، خذي كل شيء حتى قلبي سلمته لك بقي لي شيء واحد – ألا و هو حريتي وداعاً .

اسقط في يدها – رضخت للأمر الواقع – استسلمت حتى تلد الصورة صورة أخرى هاجت في أعماق الوجدان القاسي و المرير ، تذكرت كل الصور التي هو فيها ، كيف يخفي هذا الوجه ، لم تحلم انه على مثل ما تراه الأن .

هل هو سعيد بهذا أم أنه شقي ؟ … فلماذا يبتعد عني طوال هذا الوقت يا له من مسكين … لا بد أن يفيق من غيبوبته – ربما لم أكن له منذ البداية – ربما كنت فتاة عابرة في حياته حتى لو كنت حبيبته – فلماذا يختفي و يترك لي كل شيء . استرجعت ذاكراتها …

ليس بطلاً كما يظن – إنه جبان – لم يستطيع الاستسلام لي ففضل النجاة و الهرب ، انطلقت منها ضحكة مجلجلة و مضت في طريقها تواكب رحلة الغد – أحبت أن تراه – متى ؟ … و أحب هو أن يراها … تحت ضوء الشمس بجانب العتبة .

اهتزت الأرض – لأنها لم تحتمل لقاءهما – باعدت ما بينهما – و صار كل واحد منهما يسأل .

           هل رأيته ؟ ..   هل رأيتها؟؟

البرك القذرة جفت رغم تهاطل المطر – و اصطادت العصافير بعضها – اختفت سحابة كانت تغطي آخر نجمة – وانطلق الرهبان لينظفوا القلوب الميتة .

 ***

 

 

نزق حواء

في ظل هذه الشجرة الوحيدة التي أسعفها الحظ لكي تبقى مزهوة بنفسها بعد مضي قرن من الزمان – تشابكت الخيوط – جرت معها نسائم عذرية من الشمال – مضت تلوح عن إبتداء يوم غير عادي بالنسبة لها …

لقد رأته ليلة البارحة جاء إليها مبتسماً – يحملق في جسدها أشاحت له بوجهها … طبع لها قبلة في الهواء … ظلت طوال هذا اليوم – وضعت رأسها بين يديها – لما تتحمل كل هذا العذاب ؟ في أول يوم أبتسم لها – خفق جناح قلبها البريء أنا ذاك – لا أحد يحبها لذاتها – يحبونها لجمالها فقط ينتظرون منها أن تعطيهم رشفة من عصير أبيض يتركون لها أين ذالك الفتى ؟

كان الزمن كله يعوي

ترى كيف حاله ؟ هل مازال معجباً بي أم أنه قد نسيني ؟

 آه لقد ولي زمن الحب – ماتت الصهباء في آخرى كأس لها تمنت لو مزقت ثيابها – بقيت عارية لا يسترها شيء حين كان يحبها كان كل شيء مكشوفاً له حتى وهي ترتدي أثقل الملابس – كشف روحها فلم يبق للجسد مكاناً .

لمن أشكو – لربي – أم لحبيبي – أم لأناس – بلغت بهم الجرأة – أن يبتلعوا صوتي – صوتي – هل كان جميلاً حين يسمعه – لست أدري .

لماذا أتى لزيارتي – هل ليزيد من عذابي – لماذا يطرق بابي مرة أخرى ؟

يريدني أن أضمه – لن يرتقي جسدي سلما – فلست أنا بطلت قصته – بل هذه الشجرة الملعونة – إقتلعوا هذه الشجرة .

بكت – ثم بكت وتعالى بكاؤها – همست لقلبها قائلة الحب يأتي منك أنت – فمن تكون أنت يا قلبي – هل أنت أنا ؟

أم أنا أنت ؟ هل أطاوعك ؟ أم أطاوع نفسي ؟ إنني مشتتة… فلتقتلعوا أنفسنا من ظهيرة الحياة

لكن هذه الشجرة ماتت منذ زمن – نعم فهي ليست هذه الشجرة

صدقوني – أنا إنسانة عادية – لها ثمار و أزهار و اغصان – و براعم يجب أن تقطفوا ثماري كل صباح .

هامت على وجهها – أطل يبحث عنها – يناديها و هي تجري هاربة – لقد أنصت لحديثها – وفهمت هي أنه جاء ليقتلع الشجرة و يقطف الثمار …

 

 

 

 

صوره

صورة حديثة للراحلصورة في بدايته

 

الملف كما نشر

الصفحة الثقافية بصحيفة اللواء عدد هذا الاسبوع العدد 76_23-10-2013

مقالات ذات علاقة

علاقة محمد القمودي بالمسرح *

المشرف العام

خليل قزح..  رجل من زمن الأساطير

المشرف العام

حدث في مثل هذا اليوم: رحيل السيدة حميدة محمد بن عامر

المشرف العام

اترك تعليق