حوارات

مقابلة مع الدكتور صالح السنوسي حول روايته “سيرة آخر بني هلال”

طالما بقي العرب هامشيين على خارطة العالم فهم جيدون بالنسبة للغرب

أنا أردت بأن أقول أن هذه كذبة فغير صحيح أن الإنسان الشرقي والعربي مرغوب من جانب المرأة الغربية

وهؤلاء العبيد (العرب) لا يريدون لهذا العبد (الإيراني) أن يتحرر، فنراهم يتآمرون عليه لكي يبقى في حظيرة الذل معهم!!!

 

حاوره: بشير الشاذلي و علاء بن دردف

الروائي: صالح السنوسي

“سيرة آخر بني هلال” هي من الإصدارات الحديثة التي صدرت عن دار الهلال بالقاهرة، وهي رواية مثيرة للجدل، وجريئة في الطرح، تناقش العلاقة بين الشرق والغرب، بين العالم الأول والعالم الثالث، وتطرح إشكالية حياة المثقف العربي الباحث عن الحرية في ديار الغرب، وأزمته النفسية والفكرية.

والكاتب هو: الدكتور صالح السنوسي، وهو أستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة قار يونس، وأكاديمية الدراسات العليا-فرع بنغازي-حيث يدرس القانون الدولي والعلاقات الدولية، وفي نفس الوقت هو صاحب إنتاج روائي متميز،يجمع في كتاباته بين السياسة والأدب، في أسلوب سلس جذاب، وعميق وذو مغازي هادفة.

وقام بإجراء هذا الحوار معه: بشير صمبه الشاذلي (الذي يجري أطروحة ماجستير حول الرواية السياسية في الأدب العربي). والأستاذ علاء بن دردف، وقد تم الحوار في قسم العلوم السياسية جامعة قار يونس يوم الثلاثاء الموافق 15/1/2008 الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً بمكتب الدكتور.

علاء- بدايةً، حول نظرتك للعلاقة بين الشرق والغرب من خلال روايتك “سيرة آخر بني هلال”.يلاحظ التباس، فأنت تجعل من “البطل” شخص مثقل بالأزمات وينظر للشرق على أنه تاريخ من الصراع والحروب والثارات والقيم العنيفة، إذاً كيف سيواجه الغرب بإرث وثقافة هو أول المتمردين عليها والكارهين لها؟

د.صالح- بحكم مجموعة من العوامل والظروف التي تفعل فعلها في مثل هذه العلاقة، أولاً هي علاقة ندية بالدرجة الأولى علاقة الشرق بالغرب، ولذلك في محاولتي من خلال شخصية عدنان، عدنان الذي يحاول بقدر الإمكان، إذا لاحظت في سياق الفعل الروائي، أن يتعامل مع الغرب باعتباره ندً لهم وليس باعتباره أقل منهم أي أنه لا يضع عقدة الدونية أمامه. رغم إدراكه التام بأن الغرب (الآخر) الآخرون في مقهى كونتر اسكارب أو في شوارع باريس ينظرون له نظرة دونية رغم أنه شاعر وله مكانته (بالنسبة لهم هذا لا يعني شيء) لكن مع ذلك يحاول بقدر الامكان أن يتعامل  معهم على أساس انه ند لهم وليس مجرد شخص بهذه الكيفية…

علاء- على أي أساس هذه الندية مادام هو ينظر إلى تراثه الثقافي ( وقد أشرت إليه كثيرا في الرواية)    ينظر إلى تراثه الثقافي على انه تراث مليء بالمظالم وبالحروب وبالدماء حتى قبل مجيء الأنظمة السياسية المعاصرة التي تطرقت إليها أحياناً، لكنه حتى قبل نشوء هذه الأنظمة كان ينظر إلى التاريخ على انه مظلم. ما هو الدرس الذي يستند إليه في نظرته واعتزازه بنفسه لهذه الندية؟ هل وردت إليه مسألة التثاقف مع الغرب؟

د. صالح – يبدو لي وهو يجسد هذه الشخصية.  لماذا أسميت هذه الرواية سيرة آخر بنى هلال باعتباره وكأنه ذلك الرجل القادم من ذلك الزمن البعيد من بنى هلال، في زمن تبدو فيه العلاقات بين الشرق والغرب  أو ما يعادلها في ذلك الوقت. تبدو ندية وليس فيها ذلك الاختلال وعدم التوازن، فهو ما يزال يفكر بتلك الطريقة، أما مسالة مالا يجعله يفتخر بنفسه ويرى في الغرب ذلك، اعتقد انه هناك مسالتان: الأولى :أن تنظر إلى إرثك باعتباره موروث  ثقافي لك وله خصوصيته في مقابل ارث الآخرين وخصوصيته. إذا نظرت إليه من هذه الناحية. فالعيوب التي تراها فيه خاصة بك لا يعنى أنها تجعلك تشعر بالدونية في مواجهة الآخر الذي تحس انك في حالة تحدى معه .لان العلاقة بين الغرب والشرق وبين الغرب والعرب بشكل خاص، هي علاقة بدأت منذ عدة قرون،على الأقل نقول منذ خمسة قرون. علاقة تحدى(صدام) وبالتالي هذا الصدام  يخفى في نفسية كل من يحمل هذه العقلية، عقلية التحدي،يخفى عليه مثالب العيب التي تؤخذ في ثقافته لأنه في حالة صدام مع الآخر. وربما كل العقليات تخفى معايبها وتحاول أن تشهد كل ما هو تحدى فيها. وتحاول أن تصرف النظر عن عيوبها الموروثة، ويريد أن يثبت انه ند للآخر، فالأخر مستفز له بشكل مباشر،في شخصه،وعن طريق ثقافته، وبالتالي فهو يعتز بهذا الموروث رغم إدراكه بان هذا الموروث فيه مثالب كثيرة إذا ما قورن بالموروث الثقافي للطرف الآخر الذي هو في حالة تحدى معه.

علاء- لدى ملاحظة أخرى (لن اترك هذا الموضوع بسهولة). نلاحظ أثناء السياق الروائي.ولدى من النصوص  ما يؤيد ذلك. التي تقول :إن عدنان حاول الاندماج في الغرب من دافع ضعفه، هو حاول أن ينسجم مع الآخرين وبذل قصارى جهده في أن يندمج داخل مجتمعات أوروبا من خلال. وذلك يتضح من خلال حديثه مع رفقائه في المقهى، حيث لم يرتاد المقهى عربيا غيره، وفى مقابل هذا الضعف أو عقدة النقص،ألاحظ انه يستأسد على الأنظمة العربية ويستأسد على العرب الموجودين في فرنسا،وينظر إلى كل الوطن العربي وكل العرب المقيمين في الخارج نظرة سوداوية، لم يذكر محسنة واحدة لهم.في مقابل تقربه من الغربيين،ومن نسائهم، لازالت الروية ملتبسة. هناك جانب من ضعف شديد، يكاد يقترب من عقدة النقص(عقدة الخواجة) أحياناً في رؤيته.

د. صالح – أنا حقيقةً لا أستطيع أن أقول وأنا أكنب هذه الرواية أنه لم يتبادر إلى ذهني هذا الشعور بالعقدة. لماذا؟ لأنني أرى عدنان في حالة تحدي، بدليل أن علاقته لا تنشأ إلا مع الذين يقتربون منه (مثل العجوز جان كلود) فهو لم يستجدي علاقته معهم، ولا أستطيع إخفاء الجانب الإنساني فيه، فهو إنسان ووجد مع بشر ويتمنى أن يكون جزءاً منهم وهم جزء منه، مع الاحتفاظ بشخصيته، ويتمنى أن يقبلوه كإنسان له ثقافته وخصوصيته، ومن ناحيةً أخرى: فهو لاجئ سياسي ومحكوم عليه بالإعدام أو السجن في مكان آخر ينتظره، فهو في موقع ضعف، فلا تتوقع منه أن يرفع سيفاً ويقاتل الغرب.

علاء- لكنه لم يحاول الاندماج في مؤسسات غربية ولا أن يدير حوار ثقافي معهم، بل هو أنظم إلى منظمات عربية تقارع أنظمتها ولديه تجربة سيئة معها، وحتى تعامله مع منظمات الغرب كان في ظل منظمة حقوق الإنسان، أقصد هنا أن الندية ليست واضحة عنده!!

د.صالح- لا.. شوف..إنه حاول أن يتعاون من خلال منظمات ولكنه اكتشف أنها صدى لمؤسسات الأنظمة التي هو معارض لها، وبتالي لم يستمر فيها، كذلك أن مؤسسات الغرب وخصوصاً التي أستطاع أن ينشط معها اتهمها بأنها مؤسسات تابعة للمخابرات الغربية والأمنية، بمعنى.. إذا أراد أن ينشط سياسياً مع هذه المؤسسات الغربية فعليه أن يوظف نشاطه هذا لإغراض سياسية تتلاءم مع الغرب بل ومع اللوبي الصهيوني!!!

علاء – إن ما فهمته من عدنان أن الشرقي (الذات) ينظر بأحادية إلى الغرب (الآخر). وهذا يؤيد وجهة النظر القائلة بأزمة العقل العربي، (يا أبيض يا أسود) لا حلول وسط، ولا تحليل للواقع وإنما أحكام تعميمية، بمعنى قوله.. هؤلاء صهاينة كلهم.. هذه الأنظمة كلها فاسدة.. أي أن نظرته تسودها هذه المطلقيات!!

د.صالح- أنا لا أستطيع أن أتهمه بأنه أحادي النظرة.. أعتقد أن الواقع فرض عليه ذلك.. فهو عاش في الغرب.. وتجربته أثبتت بأن الأنظمة سيئة.. وتجربته مع مؤسسات الغرب أثارت شكوكه حولها.. وربما تقول لي ليست كل الأنظمة سيئة.. لكن خبرته أثبتت سوءها، وحدث لديه نوع من الحدية، وهذه بتأثير العقلية العربية، وأنا لا أدافع عن عدنان الذي تقمص الشخصية، لكني أصف الواقع كما هو.

علاء- ماذا عن الشخصية(جان كلود).. هل كان القنطرة التي أريد لها أن تمارس الحوار بين الشرق والغرب؟ هل تؤيد هذه النظرة؟

د.صالح- يبدو لي أن شخصية جان كلود وكأنه رمز الحوار الغربي الحقيقي مع الأنا، فكما أن هذه الشخصية هامشية رغم أصالتها في المجتمع الغربي، فكذلك الحوار الحضاري بين الشرق والغرب، فهو يشكل هذه الهامشية في ثقافة الغرب، كما كان جان كلود!! (علاء- كما أنه أبن بلد حقيقي حسب سياق الرواية.. فهو ليس مثل الآخرين.. هذا من أصول يهودية.. وتلك أباها حارب ضد الجزائر..الخ!!)

هو هكذا بمعنى فرنسي صحيح الأصل ويبدو وكأنه رمز للحوار المفقود بين الشرق والغرب، وهو يشير إلى مدى هامشية وأقلية التوجه الغربي للحوار مع الشرق، فهو ينظر إليك من علوية ويريدك في مثل قامته ليتحاور معك!!!

بشير- هذه الهامشية في الحوار من قبل الغرب تجاهنا. هل تزيد أو تنقص؟ ما هو رأيك الشخصي؟

د. صالح – نعم.. هي تزيد وتنقص بقدر ما يستطيع الشرق أن يثبت نديته للغرب. هذه علاقة اقتصادية وسياسية وثقافية ممتدة منذ بضعة قرون، فالغرب لن يتعامل معك إلا إذا كنت في نفس مستواه، وهذه تمثل قاعدة لديه، أما مجرد أنك جيد ولطيف وعقلاني فهذا لا يعني شيئاً.

بشير- هل المحرك لهذه النظرة هو الفكر القومي العرقي الأوروبي، أم انه الفكر الرأسمالي الذي يستغل الآخر؟

د. صالح. أعتقد أنه عندما تقول الفكر الرأسمالي والعقلية القومية الغربية، فأنت تتكلم عن مصطلح واحد. لماذا؟.. لأن العرقية وجهة نظر وفلسفة وجدت في الغرب ومن ثم تبناها.. والرأسمالية لم تولد بشكله الحقيقي إلا في الغرب، فهما نتاج حضارة واحدة، فهذه جزء من مكونات الثقافة الغربية.

بشير- بالنسبة إلى فتاة (كوبنهاجن).. ما هي حكايتها؟ ما المقصود بهذه الزيارة الخاطفة التي قامت بها، وأنارت بها ليل عدنان، هل هناك شي مخصوص؟ أم هي عبارة عن تسلية لعدنان؟

د.صالح- عندما ابحث أيضاً، ألاحظ أن هناك لا وعي موجود خلف قصتها، حيث ان علاقتها معه دامت لعدة ساعات فقط وكانت مؤقتة، وهذا يشير إلى أن نظرة الغرب للشرق هامشية وعابرة مثل عبور هذه الفتاة في حياة عدنان. ومثل هذه الهامشية يمثلها عدنان في الرواية، فهو بالنسبة للآخر أكويس وجيد لكن لما (إيحنش) ويحاول أن يخرج من دائرة الهامشية المرسومة حوله. عند إذ يصبح مش أكويس ويجب تحجيمه. فعدنان أكويس طالما بقى وضعه هامشي في المقهى لا يغير شيء، هذه النوعية من الهامشية التي ترضي الآخر نجدها في الواقع العملي على العرب فطالما بقي العرب هامشيين على خارطة العالم فهم جيدون بالنسبة للغرب.

علاء- نبقى في نفس الموضوع، لماذا هذه المحاولة من جانب عدنان للتقرب من الآخر وليست هناك محاولة جدية للتقرب من الذات؟ فلانبهار يكاد يعشي عيني عدنان فهو دائما يظهر دماثة خلقه ولطفه مع الآخر ويسالمه ويهادنه، ولا يظهر هذه التنازلات مع بني قومه!!

د.صالح- أعتقد أن عدنان لم يصل إلى هذا القرار ضد بني جلدته إلا بعد تجربة.. فقد كان لعدة السنوات في باريس وهو يتنقل من تجمع عربي إلى آخر..من احتفال إلى احتفال..من تنظيم إلى تنظيم ( يتدخل علاء.. لكن هذا ظل في ظل معارضته وليس في ظل العمل المشترك) طبعاً فعدنان له وجهة نظر هو لا يريد في حال انظم إلى أين كان أن ينصهر فيهم. هو يريد في حال انضمامه أن يظل محتفظاً بجدية وجهة نظره. وتلاحظ عدنان وهو يتحدث في منولوج عن العرب وعن عروبته وعن هويته تجد أنه وبرغم الموقف الذي أتخذه نهائياً من بني قومه فكان هذا ليس كراهةً فيهم وإنما دفاعاً عنهم. لأنه يرى أن وجهة نظره هي الصحيحة. وإن كل الآخرين ما هم إلا عملاء في المخابرات الأوروبية والأمنية والإسرائيلية. ويجد من الصعب عليه أن يضع نفسه في مقابل هذا كله في خدمة مشاريع الغرب ومؤسساته السياسية والثقافية والأمنية من أجل أن يكون لقاءه بأعدائه على طريقة السلطة العراقية.

علاء- ندخل في مسألة أخرى لا تقل عن المسألة الأولى سخونةً… حضرتك عبت على الروائيين الآخرين مثل الطيب صالح وسهيل إدريس.. أو ألمحت إلى شيء من هذا في بعض اللقاءات التي أجريت معك أنهم نظروا للعلاقة مع الغرب علاقة جنس وإنهم سيثأرون من الغرب من خلال الجنس.. وإنهم ولغو وبشكل سافر في مسالة الجنس.. وفي روايتك وظفت مسألة الجنس بشكل واضح ولا يخلو أيضاً من السفور.. ما أريد أن أقوله أن نظرة عدنان للمرأة الغربية كانت خالية من الرومانسية.. فكانت نظرة جنسية محضة، كما أن الرواية قد حدت كغيرها من الروايات وهمشت المرأة الغربية وجعلتها مجرد سلعة… هل كان لديك رمز معين بإثارة مسألة الجنس أم تكرار لما قاله الطيب صالح؟

د.صالح- أنا لم أكرر ما قله الطيب صالح على أية حال، ولن أستطيع أن أنفي بأن روايتي خالية من بعض الإشارات الجنسية.. وأنا أقول بان الجنس جزء من حياة الإنسان بل هو الجزء الأكبر الذي يتحكم في سلوكياته إذا أخدنا بنظرية (فرويد). ولكن توظيف المرأة في “سيرة آخر بني هلال” يبدو لي يختلف عن توظيف الطيب صالح وسهيل إدريس..وغيرهم. كيف؟ إن هؤلاء حاولوا أن يظهروا شخوصهم أبطال في مجال الجنس وفي مجال العشق.. وإن الغربيات يعشقنهم وأنهم يقومون بما لا يصدق من الغزوات في هذا المجال.. وهذا غير صحيح.. أنا أردت بأن أقول أن هذه كذبة فغير صحيح أن الإنسان الشرقي والعربي مرغوب من جانب المرأة الغربية، صحيح هناك رغبة ولكنها تظل محدودة.. وليس إلى الحد الذي يصوره الطيب صالح وتوفيق الحكيم وغيرهم، وأنه بمجرد أن يصل العربي إلى أوروبا تتقاطر عليه النساء، ولذلك حاولت أن أصور العربي من خلال شخصية عدنان بأنه شخص مكبوت وهذا يمثل حوالي 90% من الشرقيين بطبيعة الحال.. ولكثرة حرمانه بدأ ينظر للمرأة الغربية على أنها مجرد قضية جسدية تتحرك أمامه. وانه يريد أن يشبع ظمأه منها ليس إلا باعتبار أن العلاقة.. ليست كما يصورها الطيب صالح وغيره الذين حاولوا أن ينتقموا من الغرب جنسياً.. فصوروا أبطالاً كاذبين وغير حقيقيين لأنهم لا يستطيعون أن ينتقموا من الغرب بطريقة أخرى غير نسائهم… وأنا لا أرى بان الانتصار في مجال المرأة لا أريد أن يكون معادل للهزيمة في قضية أخرى.. وبتالي فالانتصار في قضية المرأة حباً وعشقاً..هذا لا يخفي حقيقة أنه مهزوم في كل شئ.. وبما انه مهزوم في كل شئ ينبغي أن يكون مهزوم في قضية المرأة، فهو محقر. وينظر إليه (علاء.. نظرة دونية) والمرأة جزء من المجتمع الغربي ومهما كانت فهي حيوان أنثوي لديه رغبة ويريد إشباع، لكن في النهاية هذا الحيوان ابن ثقافة (الثقافة الغربية)وهي ترى بأنه عندما يجد الجد تضعه في وضعه الصحيح وتقول له أنت وأنت…ولا يمكن أن ينتصر في مجال المرأة وهو مهزوم في كل شيئ كما أسلفت..وأنه لا يوجد أبطال فاتحين في مجال المرأة فهذا كذب.. وليذهب الجميع ويرى..!!!!

وعدنان بحكم إنسانيته بحكم قيمته (فهو شاعر) وليس هامشي إلى ذلك الحد البعيد.. ومع ذلك كان يتعامل على انه مهمل… والخلاف بيني وبين هؤلاء(الطيب صالح وتوفيق الحكيم…وغيرهم) هؤلاء صنعوا انتصارات في فراش المرأة وأنا لم أصنعه.. حاولوا أن يصوروا المرأة الغربية على أنها متهاوية وتبحث عن الرجل الشرقي وهذا غير صحيح ونسبته بسيطة… وأنا حاولت أن أصحح أشياء لم تكن موجودة من قبل (يتدخل بشير وهذا الحجم الطبيعي المدفون في أعماق المرأة الغربية للشرقي حصل بالضبط مع بطل رواية الطيب صالح “مصطفى سعيد” عندما جد الجد عندها فقالت له بالنص.. أنت بشع وأنت وأنت ولم أرى في حياتي وجهاً بشعاً مثلك)… نعم  نعم فالرجل الشرقي بالنسبة للمراة الأوروبية قد يكون مجرد (عضو ذكر) لا ترى في شيء منه ( يتدخل علاء.. لا أعتقد أن المرأة الغربية بهذه الصورة البشعة، هل هي حقيقةً كذلك؟) لا لا فهذا جزء من تصورها انه هو في أغلب الأحيان ذكر.. لأنه هناك فرق بين رجل وذكر.  والمرأة الأوروبية لها تكوينها الثقافي المترسخ لديها منذ صغرها…فلديها رصيد من الإرث الاستعماري بأن هؤلاء(الشرقيين) كانوا مستعمرين ومستعمرين قبل ذلك وكلا الحالتين تعطي نفس التأثير.فالنظرة الغربية للشرق تبقى دائماً فوقية.

علاء- هذا الالتباس وهذا الجدل في العلاقة بين الشرق والغرب.. هل ثمة من رتق؟ هل ثمة من جسر؟ هل ثمة من مخرج؟

د.صالح- هذا السؤال لا تسأله أنت فقط ولكن يسأله كل من يهتم بهذا الموضوع.. وما زال السؤال مطروح والاجتهادات كثيرة والحلول التي يقترحها البعض كثيرة..من ضمنها حوار الثقافات، لكن هل هذا الحوار يمكن أن يكون البوابة الحقيقية التي تؤدي إلى وجود أو بناء علاقة صحية سليمة متوازية بين الطرفين.. أعتقد أن علينا أن نشجع كل رأي، ولكن أبقى أنا أقول… ليس هناك ثمة رتق إلا بتغير علاقة القوة بين الأطراف هذا مؤكد وأنا لأرى وسيلة أخرى.. وأنا لا أقفل الباب أمام المحاولات..كالحوار الثقافي والتلاقح..الخ. ولكني أرى أن تعديل موازين القوى بين الأطراف هو أهم بوابة تؤدي إلى تعديل هذه العلاقة وإن جاء حوار سواءٍ كان (الحوار الثقافي أو التلاقح أو الشراكة أو غيرها).. وأنا لا أصدق أن يكون هناك حوار حقيقي وندي بين الأطراف هم في الواقع العملي ليسوا أنداد أو بالاحرى لسوا قريبين من بعض لأنه ليس بالضرورة أن تكون ند.. ولكن أن تكون قريباً منه أي أن تخشاه ويخشاك.. يحس بأن جزء من مصالحه عندك وتستطيع أن تمنعها عنه ولا يستطيع هو أن يفعل لك شيء. وعندها يضطر الجميع للتحاور والاعتراف.. والاعتراف يخلق جو أخر هو جو ثقافي.. الذي يؤدي إلى وجود نظرة الندية.. وأنا أعتقد أنه في كتابي (العولمة أفق مفتوح وإرث يثير المخاوف) وفي أخره بالتحديد إشارة إلى هذا الرأي.

ولكن أرجع وأقول بأنني لست متشاءماً في أننا نحن (العرب) لن يتغير وضعنا.. وسوف يتغير هذا الحال بتغير علاقات القوة بين الأطراف.. وبما أن علاقات القوة بين الطرفين ممكنة لنا أن نغيرها إذا أنا متفائل ولكن قد تطول تأخذ وقت.. ومن غير هذا التغير في موازين القوة بين الأطراف ستظل هذه المحاولات مشكورة وأشك في نتائجها كثيراً.

بشير- هذا الآخر ألا تحس بأنه يعرف ويضع يده على مواطن التغيير التي من الممكن (وهذا مؤكد) أن تجعل (الأنا) يرتقي ويكون موازياً للآخر. وهذا الآخر يحاول دائماً أن يضرب هذه المواطن..

د.صالح- مؤكد أنه يحس كما قلت..بأنك تملك عناصر القوة وهو يمنعك قدر الامكان أن توظفها.. وهو لا يسمح لك بذلك لأن مصالحه وإستراتيجياته كما يفهمها هو تجعله لا يسمح لأن توظف وتستغل.. لأنه يرى أنه ليس من مصلحته ذلك.. ومعرفته لمكامن القوة لديك تجعله دائما حريص على ضربها.. ولذلك نراهم في تشجيع دائماً إلى كل ما هو تشردم إلى كل ما فيه فرقة لنا.. ويتدخلون عسكرياً إذا ما دعت الضرورة وجد الجد كما في العراق.هذا العراق الذي حاول أن يوظف مكامن القوة لديه وسيكون بطبيعة الحال بهذا التوظيف كيان وهذا الكيان يكون موطن جذب لإنه سيصبح أنموذجاً.. وسيتوسع ويتعدى على التقسيم لهذا العالم الذي وضع منذ (سايكس بيكو). وهو (الآخر) حريص على أن يبقيك غير قادر على أن تواجهه (علاء. وهذا من حقه) طبعاً يراها حق مكتسب ما فيه شك.. والمثال الآخر هو إيران ورغم أنها غير عربية فلمجرد أنه يحس بأنها من الممكن أن تمتلك موطن من مواطن القوة وأنها من يمكن أن (يتدخل علاء. وتغرد خارج السرب) من الممكن لهذا العبد (ايران) أن يتحرر.. لابد أن يضرب وإلا سيصبح نموذج.. ويحرض بقية العبيد الآخرين (العرب). والأدهى في الأمر أن هذا الآخر يحرض هؤلاء العبيد على بعضهم.. فيزرع ويأجج نار الخوف في العرب من (إيران) كونهم فرس.. لأنه يعلم بأن عداء العبد للعبد أكثر من عداء السيد للعبد..وهؤلاء العبيد (العرب) لا يريدون لهذا العبد (الإيراني) أن يتحرر.. فنراهم يتآمرون عليه لكي يبقى في حظيرة الذل معهم!!!

بشير- هل من الممكن أن تعدد لنا مكامن القوة الحقيقية التي من الممكن أن يوظفها العرب ليصبحوا أنداد.. والتي يضربنا فيها هذا الآخر؟ حسب وجهة نظرك..

د.صالح- مكامن القوة هي بالدرجة الأولى اقتصادية وديموغرافية وثقافية وتاريخية.. لماذا؟ لأن هذه العناصر الأربع هي مكونات كيان ممكن أن يكون قادر على البقاء بقوة.. بمعنى.. أن المنطقة العربية من شرقها إلى غربها تمتلك مقومات اقتصادية هائلة لو وظفت فإنها قادرة على أن تنهض بكيان سياسي اجتماعي له وزنه.. أيضاً بشرياً فهذا الكم الهائل من البشر حوالي 300 مليون قادر على أن يشكل كيان حقيقي. وثقافياً نجدهم يملكون مقومات كيان ثقافي متين وما يساعدهم وييسر عليهم لغتهم الواحدة وثقافتهم الواحدة… وهذه القوة بالذات غير عادية..فالجانب الثقافي يعتبر الاسمنت الذي يستطيع أن يمسك هذا الكيان.

وأدراك هذا الآخر لخطورة هذا الجانب (الثقافي) تراهم يضربون اللغة العربية، بخلق اللهجات، وبخلق الهويات القطرية، وبتحريك الأقليات، والأثنيات.. أيضاً تاريخياً يمتلك هذا الكيان قوة، لأن تاريخهم ممتد من نفس المرجعية، فكلهم مرجعيتهم أبو بكر وعثمان وعمر وعلى رضي الله عنهم.. وسعد وخالد وبن خلدون. لدرجة أن يحسدهم الآخرون على هذه المرجعية الواحدة.. بمعنى أن كل عوامل بناء كيان كبير وفاعل موجودة لدى العرب ثقافياً واقتصادياً وتاريخياً وديموغرافياً، وهو (الآخر) يعمل بتركيز على ضرب هذه المقومات.. اقتصاديا يحاول أن يستنزفهم، ثقافياً يحاول أن يمزقهم بتشجيع الأقليات مثلاً، تاريخياً يحاولوا أن يخلقوا حقائق أخرى وتواريخ أخرى.. قبل الفرعونية..قبل الفينيقية.. وقبل كذا.وبعد كذا.. بل نجد الغرب يحاول أن يطري هذه الحضارات على حساب الحضارة العربية. فالغرب يضع في الصدارة الحضارة الفرعونية مثلاً.يمجدها يعظمها ويدرسها ويتخصصون فيها. كذا الأمر يفعلونه مع الحضارة الآشورية..وغيرها من الحضارات القديمة. وتراهم يشجعون كل بحث في العرقيات والحضارات التي يعتبرونها اندثرت وقضى عليها العرب والإسلام كالامآزيغية وغيرها.. حتى الأدب الذي يتجه نحو هذه الحضارات الغير عربية يشجع وبسخاء.. فمن يكتب عن الطوارق يصبح كاتب الصحراء العظيم رغم أنهم لا يعرفون شيئاً عن الصحراء..لكن ما يهم هو الطوارق ولو كان الطوارق في البحر لكتب عنهم..فالصحراء يبدو أنها أتت بالصدفة..وخذ على هذا.. وأنا أرى أن هناك مشروع خطير للقضاء على عوامل قوة هذه الأمة وتفتيتها نهائياً لتصبح أمة غير موجودة.!!

بشير- وماذا عن العامل الديني؟ 

د. صالح – أيضاً العامل الديني مهم، لكن العامل الديني وأنا لا أفضل التعرض له لأنه سلاح ذو حدين، في الإمكان أن يكون عامل موحد (يتدخل علاء تقدمي أو رجعي) وفي نفس الوقت يحارب باعتباره في النهاية العرب والإسلام تقريباً واحد..ولتأكيد على هذه الوحدة فإن العرب الغير مسلمين ثقافياً هم مسلمين (كما في مصر).. يبدو لي أننا خرجنا عن الموضوع..(علاء هذا يثري الحوار.) نرجع إلى نصف القرن الماضي فقد كان عدوه المستهدف هو القومية العربية.. وهذه إحدى مكامن القوة التي كان يضربها الغرب حتى دمرها..دمرها عبر ضرب الأنظمة التي كانت تدعي ورموز لها.. أيضاً دمرتها سياساتهم وطبيعتها السياسية وغيرها.. من تعصب ودكتاتورية، فالغرب كان ينظر إلى هؤلاء.. دعاة القومية بغض النظر عن نواياهم الحقيقية أنهم يمثلون رمز لتيار معين والفكرة نفسها خطيرة وستمر يحاربه لمدة خمسين سنة وعموماً الآن أنتهي منها…الآن جاء الدور على الإسلام لأن هذا يمثل المرجعية الأخرى ولابد أن يقضي عليها..والغرب كما أسلفنا يعرف عوامل التوحيد جيداً.ولهذا يعمل على ضربها..عوامل توحيد هذا الكيان يجب ضربها (يتدخل علاء.يعني الخلاف ليس أيديولوجياً إنما هو عربياً) لا لا هو خلاف عربي برغماتي مصلحي إستراتيجي بالدرجة الأولى، فالإسلام ليس العدو ففي أفغانستان استغله الغرب لضرب الروس.. لكن هنا  NOفي هذه الحالة الغرب لا يقبل الإسلام. فالغرب لا يريد لهذا الكيان أن يكون قوياً تحت أي مسمى لا إسلامي ولا ديمقراطي ولا علماني ولا غير ذلك من المسميات، إذا كنت ديمقراطي يجب أن تهتم بالهويات بالحفريات وهذا قومي ديمقراطي وهذا وسط وهذا معتدل…آه هذه ديمقراطية..!!!!

علاء- شكراً شكراً لك، لقد اثريتنا يا دكتور صالح.

د.صالح- الله أيخليكم.

علاء- الآن تحول  بشير  إلى شخص ثري في موضوع رسالته!!!

عن ليبيا اليوم: 05/02/2008

مقالات ذات علاقة

حـوار صـريح .. مع الدكتور محمد محمد المفـتي

المشرف العام

هبة شلابي مصورة ترصد بعدستها تخريب وتشويه «قوس ماركوس»

نهلة العربي

القاص: أحمد يوسف عقيلة: القصة في ليبيا لا تقل شأناً عن القصة في أي مكان من العالم

المشرف العام

اترك تعليق