قصة

مـاذا لـو؟

من أعمال التشكيلي العراقي علاء بشير (الصورة: عن الشبكة)


حينما تكون وحيدا في خلوة مع نفسك هل يراودك سؤال مثل؛ ماذا لو لم أكن إنسانا؟!

هل حقا شعرت بإلحاح هذا السؤال يطوقك وتتملص منه في كل خلوة دون إشباع أو إرضاء له حتى؟!

كثيرا ما يواجهني بوجهه الصادم الصارم. صارخا في أعماقي؛ مـاذا لـو لست بآدمي؟ لا أجيب كعادتي وأهرب بعقلي إلى مواقف وصور مسلية. وفي حركة منتفض أبعد كل الوساوس الموصلة إليه، أو قد اقطع خلوتي كلية حتى لا تنغص حياتي.

الهروب ليس حلا حقيقياُ، كنت أعرف ذلك جيدا وأجدني أكرره كلما جثم السؤال على نفسي.. لعل الخوف من المواجهة يجعلني أفضل الفرار. أو عدم امتلاكي لإجابة شافية ومقنعة يتركني أنطوي على نفسي. أكتفي بالنظر إلى ما يحيط بي كالمستيقظ من إغماءه، ثم ابتسم تاركة المكان والغيظ يأكل لـو واستفهامها!

لم أصدق غرابة ذاك السؤال في مطاردته لي، إلا حين قررت التصدي له ومعرفة كنهه في خلوة هي الأجمل على الإطلاق. ربما لأنني تغلبت على مخاوفي. أو وجدت قيمتي كإنسان، أو لأن هناك أشياء كثيرة لم أعرها اهتماما وسط زحام الحياة.

كنت مستلقية لحظتها أتأمل سقف غرفتي، عقلي مسترخي تماما كأنما أفكاره شيعت لمقبرة بعيدة. لا أفعل شيئا سوى البحلقة في السقف، إذ ياغتني السؤال: مـاذا لــو …؟ جاهدت في إغلاق فمه وسد كل منفذ يتنفس منه، لكني لم أفلح وتكرر التساؤل، ووجدت نفسي أتساءل أنا أيضا وأحدثه.

مــاذا لــو كنت نهرا جاريا بين الأشجار في جنة فيحاء، تنبت على جانبيه الأزاهير بألوان حمراء و زرقاء و صفراء و بنفسج، يسقي العصافير و الأنعام من عذوبته، يمتد أميالا، يزين وجه المكان، يعطي خريره أنسا و طربا، ثم بعد زمن يسد منبعه ويغيض برقرقته، تاركا أحجاره وزائريه كالحون ويموت كل شيء، و كأن شيئا لم يكن؟!

مــاذا لــو كنت بحرا شاسعا، يملؤك الموج بهديره، لا حدود لأفقك، تطل في شموخ على مرتاديك، حين تغضب لا ترحم وحين تحتضن لا تعرف مقياسا للحنين الذي تخبئه، كأم رؤوم تقدم طعاما دسما لحيتانك ومقابر رمالك، أنت العطوف لكن في دهاء، صخورك تشهد أنات العشاق وزفير الراحلين، تكسر السفن، صبر الصيادين، أشلاء الجثت، لوعة الفاقدين، تكتب في الذاكرة بأنك مسجل خطر وينعتونك بالغادر، فترحل أمواجك بين المد والجزر وكأنك لم تكن؟!

مــاذا لــو كنت غزالا رشيقا، جميلا، لا يجاريه أحد في جماله. يعتلي جبلا ويهبط سفحا في خفة، مستمدا قوته من معجبيه، معتمدا على رفاقه في تنبيهه حال أي اعتداء، هنا لا يجدي الجمال ولا المظهر شيئا حين ينقض سبع كاسر عليه ويظل رهينة بين فكيه لفترة يسد رمقه ثم يبقي بعضه جيف لجوارح أخرى، وقتها لا ينفع نحيب ولا عويل، ذاهبا بالرشاقة والدلال في بطون أولي القوة ثم تصرف فيما بعد روث تحت جذوع الأشجار؟!

مــاذا لــو كنت نملة! أجل ذلك المخلوق الصغير، تراها لا تمل المسير، لا تعرف كم تقطع من المسافات لتجد بغيتها وقد تلاحظها تدور في حلقة مفرغة دون نيل مرادها، حركية دؤوبة، تعمل في صمت، تدخل القرية بحبة تخزنها وتخرج، لا تدري متى العودة؟ وربما لا تعود البتة! أحدهم يبترها أجزاء عن غير قصد فقط لأنها عبرت طريق أقدامه وظل مخزونها للتراب؟!

ابتسمت ردا لابتسامة هجعت داخلي قد ملت تساؤلاتي وأدركت قيمة كوني إنسان سخر له كل الكون لإسعاده رغم نهايته كنهاية الأشياء من حوله. مسلمة طبيعية لا خيار، ومات السؤال من وقتها!

مقالات ذات علاقة

قصص قصيرة جداً

غالية الذرعاني

ليلة

عاشور الأطرش

واحة كبيرة تضج بالغناء

إبراهيم الكوني

اترك تعليق