من أعمال التشكيلي مصباح الكبير
سرد

مسلسل ليبي

 Mosbah_Alkbier_01

مسلسل تركي عن المستشفيات.

تيار بارد يتسلل عبر النوافذ المفتوحة. ليلة نادرة خلال صيف بنغازي. إلا إن هذا لم يمنع من أن يلقي بملاحظة مستقبلية-

” سيكون رمضان هذا العام في الصيف “.

لم يعقب صديقه. تابعا معاً ركض الأطباء في المسلسل. كانا يعرفان بأنهم ليسوا باطباء. هذا لم يوقف متابعتهما للمسلسل. الأحداث متوالية بشكل موسيقي. حتى إن دباً هاجم عائلة تتنزه في الغابة. أصاب ثلاثة الأب والأبنين بجروح خطيرة. الإبن يهذي فيما خرجت أمعاء الأب للخارج بفضول مضحك. لا مأساة في الأمر فقط كوميديا رومانسية وخليفة موسيقية أنيقية تبعث على الإسترخاء. الأم كانت مرتبكة في ممر المستشفى. طبيبة متدربة تعمل على تهدأتها-

” سيكونون بخير، إهدئي “.

لكنها لا تهدأ.

عندها لاحظت المتدربة أثر دم نحيل على صدغ الفتاة. أرادت أن تستفسر عن الأمر.

لكن الأم الشابة قالت-

” الأمر لا يهم، مجرد جرح بسيط لأني إصطدمت بجذع وأنا أهرب “.

المتدربة أصرت أن تعاين الجرح بنفسها. فإضطرت المرأة أن تنزع القبعة. عندها كان هناك تحت القبعة جرح عميق وجزء من الرأس مفتوح بشكل بشع.

لم يكن الأمر جرحاً بسيطاً.

” أرأيت هذا؟ لهذا لا يريدون الأتراك في الإتحاد الأوروبي! “.

” ماذا تعني؟ “.

” المرأة نزعت عن رأسها قبعة سليمة وتحت القبعة جرح غائر كان لابد للقبعة أن تتمزق بسبب الأداة التي سببت الجرح “.

ضحك.

” إنهم لا يقدمون مسلسلات كأوراق تقيمية لدخول الإتحاد الأوروبي “.

” لكن المسلسلات جزء تركي سيغدو اوروبياً. بهكذا أخطاء لا يمكن أن تغدو أوروبية. المنتج السيء ليس أوروبياً “.

” الأتراك مهانون “.

قال هذا وشرع يتابع المسلسل بصمت. كانت الموسيقى هادئة جداً. والأصوات المدبلجة مدهشة الوقع في الأذن المحرومة. كيف يمكننا أن نعتبر فناً كهذا أمر مدمراً للأخلاق؟ ألأنه صمم لكي ينتزع المجتمع التركي من تركيته؟ ربما لجعله متصلاً بالعالم الخارجي.

هل يمكن أبداً عزل تركيا عن العالم؟

بطريقة ما كلاهما كانا يفكران بشكل متداخل. التفكير الباطني بالنسبة لهما نوع من السينمفونية النادرة.

” لن نفهم أبداً هذه المسلسلات “.

” كيف؟ “.

” أعني هذه الحياة، أنت ترى الرغد المعيشي والألوان وسهولة العيش والإنضباط الرأسمالي. الملاعين. ليبيا مطلقاً لن تعرف هكذا إنضباط “.

” لا تستعجل كثيراً. قريباً ستنمو الأحزاب وستظهر تلك العائلات الغنية المدفونة في فوضى السوق. الأحزاب سيجعلون من ليبيا عصرية “.

” الأحزاب! “.

” تمنحنا الأسلوب الأمثل للعمل. أنظر أنا اقسم لك بأن كل الحروب التي تجتاح البلاد ورائها أحزاب معينة “.

” أنت تمزح بلا شك. إنها أحزاب معروفة. يمكن أن تتسبب بإطلاق شائعة يستفيد منها الأزلام “.

” أنت لا ترى جيداً، لا أحد يفعل مؤخراً “.

” نعم أنت الوحيد الذي يرى كل ما هو مهم “.

” أغرق في سخريتك أكثر “.

” أنت من يسخر لست أنا “.

كانا يتابعان المسلسل بإهتمام.

” حتى لو أصلحنا سكان ليبيا. يظل الأمر ناقصاً. فمن سيصلح الطقس الليبي اللعين؟ ليبيا مخترقة حتى في طقسها “.

” أنت تقول هذا لأنك تكره ليبيا “.

” وأنت؟ “.

” لست أكرهها “.

” صحيح. أنت القرد الذي يعشق قفصه الأصفر لحبه الموز “.

” القرد!! لك الشكر الجزيل “.

” أرأيت؟ كيف ستكون رأسمالياً أو حزبياً وأنت لا تعترف بأن الإنسان ليس سوى قرد يمشي بإعتدال؟ “.

” ويتذمر كما تفعل، أليس كذلك؟ “.

” أجل، هكذا. أقسم بأن الأتراك تركوا لنا هذه الخصلة المقيتة. أعني سخريتك بالذات ترى أم هم الطليان؟ ربما السفارات الفرنسية هي التي فعلت! أترى حتى تاريخنا مخترق لا نعرف من أين تنبع خصالنا السيئة؟! الأوروبيون أرجعوا خصالهم السيئة للقرد المنتصب. عالجوها كما يفعلون مع الحيوانات أما نحن فنجعل من أنفسنا مكرمين من الله “.

” أنت تجدف “.

” خصلة سيئة اخرى. لاحظ، حين تأتي الأحزاب الحقيقية، سنفكر دون خوف. الدستور سيحفظ حقوقنا وسيكون هناك محامين أكفاء لحماية حقوقنا بمال الآحزاب. الخوف لا مكان له بوجود الأحزاب “.

” الأفضل أن تكف عن هذا. تبدو كأنك في دعاية رخيصة “.

” على الأقل أتدرب على الحياة الآتية. أنت ماذا ستفعل؟ “.

” لن أكون بوقاً “.

” قلت لك إنها مشكلة عوالمنا المتشظية. الأتراك ايضاً لا يريدون قصة الأبواق إنهم يريدون أن يبارزوا الرجل الأوروبي. الأمر أكثر من مضحك. لا يريدون أن يكون أوروبيين بل يريدون أن يكونوا أتراكاً أوروبيين. تماماً مثل المهاجرين الأفارقة والعرب والصينيون. تركيا تريد أن تكون أول دولة تقدم على اللجوء السياسي في العالم “.

” أنت ترجعني دوماً للأتراك. أنا ليبي ولست تركياً “.

” لا تهتم كثيراً للأمر. هل سمعت بقصة الطبيب المتأسف؟ “.

” سمعت “.

” حقاً؟ “.

” أنت حكيته لي ثلاثين مرة وزيادة “.

” تخيل هذا – مريض يسأل الطبيب- هل أنت ليبي ، دكتور؟! فيجيب الطبيب بحزن مسرحي: للأسف أنا ليبي “.

” طبيب وغد “.

” بل فهم ما يحدث. أن تولد ليبياً فالأمر مصيبة تستحق عليها التأسف والتعزية في خيمة فخمة في وسط الطريق الرئيسي “.

” ههههه. أنت الوغد “.

” لا تهتم كثيراً الأمر مشترك وجماعي. الكل يعرف. لا شيء يمكن إخفاءه. أولى هذه الأشياء أن العالم سوق ضخم. لكي تبيع عليك أن تكون مشابها لهم بنفس البضاعة. لا للمختلفين. كل شيء لا يشابه طريقة حياتك يختفي في لمح البصر. لكي تظل تركيا موجودة عليها أن تغدو أوروبا “.

” أليست هذه فاشية كما عرفت يومها؟ “.

” لتكن لكنها براقة والدعايات كفيلة بجعلها مقبولة. ستعرف ذات يوم حين يتم تأسيس الأحزاب القوية في البلاد حتى تصبح الحياة مستحيلة من دون بطاقة حزبية، عندها القوة والمال سيكونان الفاصل في الأخلاق، الدعايات والإقناع “.

” أنت تكره الأحزاب، أليس كذلك؟ “.

” مطلقاً. أتمنى أن تتحكم الأحزاب الليبرالية بكل شيء- الأخلاق، السوق، الفتاوى، العمل، العائلات والدراما. عندها لن أضطر لوضع خدماتي مجاناً بل سأخدم نفسي على الدوام كل ما أفعله سيكون لسبب أرضي بلا تأجيلات. اقبض المال مباشرة “.

” أمر تراه من زاويتك الخاصة لكني لا أتصور بأن الأحزاب ستفعل الكثير للبلاد. ليس أكثر مما فعلته في الدول الآخرى “.

” لأنك تريد أن تظل في القاع “.

” القاع! “.

” لكي تؤمن جياة جيدة عليك أن تفعل تلك الأمور. الأخلاق للجم الأكثرية. لن تفكر أن تكون من الأكثرية وإلا ستعيش في العدم “.

” أنت تقول هذا “.

” لست أنا الواقع من يقول هذا “.

” سئمت من تعريفك للواقع على أنه تقبل الأمور السيئة “.

” لا تتقبل الفقر إذن “.

” ولما ترى بأنه لا يمكن الخلاص منه إلا بإسلوبك الغريب “.

” أسلوبي؟ “.

” أسلوب أغنياء الحرب. الإستغلال البشع والصعود السريع من بيع دماء الآخرين “.

” لا أحد يبع دماء الآخرين. أنت لا تريد إتهامي بذلك. أليس كذلك؟ “.

” ليس الآن على كل حال. ألن تفعل غداً؟ “.

” على كل إنها لا تساوي أكثر من دم في مسلسل “.

ضحك بأعلى صوته وإلتفت بإنتباه أكثر ناحية المسلسل. كان الأطباء يركضون لإنقاذ مريض عند المدخل. كان الأمر مبالغاً فيه بشدة. مايكل كرايتون هو من خلق هذه الفوضى في المستشفيات. غرفة الطواريء. صندوق الطواريء. حالة طواريء دائمة. كانا يشعران بأنهما في حالة طواريء.

” كأننا في مسلسل تركي “.

انتهت.

مقالات ذات علاقة

مقاطع سردية

محمد الترهوني

الحلاج.. كلمة في الذات

سعد الأريل

مقطع من رواية “فرسان السعال”

وفاء البوعيسي

اترك تعليق