من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي
قصة

مرسول لفان

نورس الفقيه

من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي
من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي

كنَّا ذات مرة أما الأن فلن نكون ..

(كان من المفترض أنَّ تكون قبعة عيد ميلادك مغطاة ببعض من خيطان الزينة، إثر إحتفالي باليوم الذي خُلق فيه وتيني، أو على الأرجح أن تكون قبعة سفاري يغطيها بعضًا من حشيش الأعشاب إثر ذهابنا للتخييم، في نهار يلف خاصرته بشفق أحمر ساحر، أو تلك القبعة التنكرية التي اشتريتها من اليونان كي تفزعني بها كل ليلة كلما أُتيحت لكَ الفرصة، أو على الأقل قبعتك المعتادة التي ترتديها على الشمس لتحمي رأسك من لعقاتها الحارة ..أو العديد من القبعات الأخرى التي لم ولن ترتديها بعد الأن!

لمَ.. لمَ كانت قبعة حربٍ تغطيها شباك من العنكبوت لمَ ؟!!

قلبي كان يجزر بِحُب.. حبٍ مغروس، فكان بستان مزهر يتغازل فيه العشاق، أما الأن فبات يمدّ بحربٍ ..حربٍ ضروس، فَتحول إلى وجدٍ يقبع بالرصاصات الفارغة متناثر عليها بعضًا من الدماء، ليست حمراء قانية تسيل، إنما برقوقية متيبسة ..

ولكن دعني أخبرك بأنني من دونك كينونتي لا وجود لها

فعقلي يُذهَب، ذهني يُخسَف، فِكْري يُكسف

إذ لم تكن أنت بِقربي؛ فكيف سيكون حالي؟

حالي ليس بحال .. لن يتفوه فاهِ بربع كلمة؛ فاخشى أن يغرق من هم أمامي  بِموجة عاتية من التعاسة ..

ها أنت ذا هرولت هارباً من بالي، وخرجت من جسدك الدافيء، متخطياً بذلك سياج قلبي، لِتتركني أُعذب تحت سقف حُزني ..)

توقيع  زوجتك ماريّا : التي تعتبر نسيانك خيانة، والتي سترى طيفك يحوم أينما ذهبت موليّةً وجهها سَتراكْ، إليك ياشريكي الراحل من الدنيا، وقريني في الجنة بإذن الرَب ..

*وفي جزءٍ خفي لم يفصح عنه :

~ كانت ماريّا تكتب في مذكراتها على طاولة خشبية لطالما تكتب عليها عندما كانت في رياعيين شبابها، بدأت تقول وتنظر في صمت : “لم أكن أتصور يوما بأنني ذات يوم سأرجع للكتابة على هذه الطاولة وأنا أرملة ولي ثلاث قطع تذكرني بزوجي الراحل كيف يكون هذا كيف ..أبكي وما جدوى من الدموع!” بدأت تمسح بعنف وجنتاها الفراوليّتان، وبدأت تنظر في ألا وجود محاولة التعبير عن مشاعر بنصٍ ربعه حي والبقية ثلاث أرباعٍ هامد، تتأمل ساعة التي تدق، تحسست قلبها فوجدته يدق بخمول، ” أه أنا حية ومن دونه كيف أجرأ على تنفس حتى ..”، أخذت دفترها بلون التيفاتي وقلم الحبر 0.5 وبدأت تكتب : في اليوم الذي لا أريد ذكر اسمه، يصادف تاريخ الذي لا يستدعى ذكره، في سنة رمادية لن أكتبها، رمادية لكون أطفالنا اليافعين گلون الأبيض بقربي، رمادية لكونك رحلت فهب الإسوداد بلون أسحم على قلبي، لقد .. قرأت رسالة صابر صديقك يا حازم فذرفت عيناي رش، طلّ، نضخ، فَهطل، بل جودٌ من الدموع، ذهبت خفية من وراء أهلي، فقد جلبوا لي طبيبا نفساني، خائفين عليَّ، أملين من حضرتي نسيانك، ولكن هم حالمون، لن أنساك ولو جبرتي الظروف على زواج بغيرك، فنسيانك خيانة، الدنيا لا تقف على شخص، ولكنك لست كأي شخص ..

فطلبت من صديقتي أخدي إلى المقبرة الذي دفنت بها، زيارة المقابر هذا أمر غير متعارف عليه في ديننا أو مجتمعنا، لذلك لبست نقابًا كي أتخفى، فماذا عساي أنّ أفعل، فقد كنت أودُّ زيارتك بحرقة صدقني!

سبق وذكرت بأنني قرأت رسالة صابر، ففي اليوم الذي زرتك فيه كان هناك خيال رجل هزيل ملتحي يبكي گطفل صغير على قبرك فكان هو!

يهلوس بقصص يسردها عن ذكريات ماضٍ غابر، وضع هذه الرسالة على قبرك، وهب زاحفا على رجليه منتحب القلب وغربيب الوجه..

ليس زحفا بالمعني الحرفي، ولكن ثقل رجليه وحى لي بذلك..

لم أسمع دوي انتحاب قلبه ولكنه كان يبكي (وعندما تبكي العيون، يستحيل على القلب السكوت)..

أما عن غربيب وجهه فكان فعلا غربيبًا بلحيته الكثيفة و هلات عينه الفظيعة..

كان أكتعا فلم يجد يدًا تواسي يداه الأخرى.

نزلت متوشحة بالحزن ومنقبة بالسواد، رأيت قبرك البسيط فَلسنا مسيحًا لنقيم صرحا فاخر .. وضعت رسالتي وشرعت في قراءة رسالة صابر فكانت كالأتي :

(عبير الدمار، يفوح في المرسى، دماءٌ جفت، فانضمرت.. لتضمر معها القلوب ..بَلَحَت يا صاحبيَّ .. ثلثك فُقد !، فطُمرت تَحت الثَرى، ولم أُصَلِّ عليك الجنازة.

 هذه إحدى المحاولات البائسة لِكتابة مقدمة، تمهد حديثي عن مذكرات معاناتي مع الوغى من بعدك، يا رفيق الدرب المُزهر والحرب الضَروس ..أهي مقدمة جيدة في نظرك؟، رد علي أرجوك!، حسنا دعني أخبرك على الأقل بأنني قد أصبحت أكتع، حتى ولو لم أكن كذلك كنت لن أجرأ على المضي لِوضع هذه الرسالة التي أكتبها لك بقلم الحبر خاصتك، صدقني لن أجرأ على المضي ووضعها فوق قبرك .. أعلم بأنني كاتب فاشل ياحازم، ولكنني أُصِبت بحالة نفسية من بعد بعثرت «الدقمة»جسدك بالكامل، لِتجعل منك محض أشلاءٍ مسكينة، قلت لك حينها سأجلب بعض الماء، ولكنني رجعت بعد ثوانٍ لأجد بحيرة من الدماء !، دماؤك؛ فأشلاؤك؛ التقطت ذراعك المقطوعة فقد عرفتها من خلال تلك الضمادة التي كنت تلفها كل ليلة بكسل، وقفت مشدوهاً لم أبكِ، ولكن كان قلبي ينتحب، ضممتها بحرقة، بحرقة، بحرقة..)

توقيع صديقك صابر : كما اعتدت على نطقه، هو اسمي الذي تجاهلت معناه لِسنين، لِأستذكره اليوم، فأقسم بأنني لست صابرا البته على فراقك!

انتهيت من القراءة مع خلفية لأغنية جنائزية تدور داخل رأسي، وأخذت بعضًا من الثرى الذي يغطي حرمة جسدك الطاهرة، وبت أدعوا وأدعوا حتى ارتاح جزءً من كياني الممزق، ظننت بأنّ سأنهار ولكن كنت في أشد ثباتي، وأقول حمدا للرب أنه ترك لي ثلاث نسخ لطيفة منه تذكرني به(رباب، رحاب، رامي)، أو أنه لم يمت في حادث مؤلم، أو بمرض مزمن، بالرغم من أن الحرب التي أخذتك مني كانت (مؤلمةً ومزمنةً عليّ!)، ولكن كانت خاتمة خفيفة عليك وهذا ما يهمني .. حمدًا للرب.

توقفت عن الكتابة مسحت هدير الدموع من مقلة عينها الكبيرة في أسى، أخذت مشطا وباتت تمشط شعرها النحاسي وتنظر للمرآة، “ههه أنفي أحمر من البكاء، لطالما كنت تمسكه وتقول هذا الأنف اللطيف أنفي ولي وحدي”، لملمت الأوراق المبعثرة ودفترها تيفانُّي اللون، تنظر من الشرفة إلى سماء محزمة بالشفق الأحمر، كان الهدوء يسموا في تلك الحجرة الكلاسكية في بيت أهلها فجأة صاح الأولاد : ماما أين كنتِ، يضحكون ويركضون لها، فتحت ذراعها وابتسمت في حرقة لذيذة وممزوجة بحمدها للرب على وجودهم وأخذت تضمهم :كنت أكتب يا روح أمكم، ويا نُسخ أباكم..|

(عبير الدمار، يفوح في المرسى، دماءٌ جفت، فانضمرت.. لتضمر معها القلوب ..بَلَحَت يا صاحبيَّ .. ثلثك فُقد !، فطُمرت تَحت الثَرى، ولم أُصَلِّ عليك الجنازة.

 هذه إحدى المحاولات البائسة لِكتابة مقدمة، تمهد حديثي عن مذكرات معاناتي مع الوغى من بعدك، يا رفيق الدرب المُزهر والحرب الضَروس ..أهي مقدمة جيدة في نظرك؟، رد علي أرجوك!، حسنا دعني أخبرك على الأقل بأنني قد أصبحت أكتع، حتى ولو لم أكن كذلك كنت لن أجرأ على المضي لِوضع هذه الرسالة التي أكتبها لك بقلم الحبر خاصتك، صدقني لن أجرأ على المضي ووضعها فوق قبرك .. أعلم بأنني كاتب فاشل ياحازم، ولكنني أُصِبت بحالة نفسية من بعد بعثرت «الدقمة»جسدك بالكامل، لِتجعل منك محض أشلاءٍ مسكينة، قلت لك حينها سأجلب بعض الماء، ولكنني رجعت بعد ثوانٍ لأجد بحيرة من الدماء !، دماؤك؛ فأشلاؤك؛ التقطت ذراعك المقطوعة فقد عرفتها من خلال تلك الضمادة التي كنت تلفها كل ليلة بكسل، وقفت مشدوهاً لم أبكِ، ولكن كان قلبي ينتحب، ضممتها بحرقة، بحرقة، بحرقة..)

توقيع صديقك صابر : كما اعتدت على نطقه، هو اسمي الذي تجاهلت معناه لِسنين، لِأستذكره اليوم، فأقسم بأنني لست صابرا البته على فراقك!

انتهيت من القراءة مع خلفية لأغنية جنائزية تدور داخل رأسي، وأخذت بعضًا من الثرى الذي يغطي حرمة جسدك الطاهرة، وبت أدعوا وأدعوا حتى ارتاح جزءً من كياني الممزق، ظننت بأنّ سأنهار ولكن كنت في أشد ثباتي، وأقول حمدا للرب أنه ترك لي ثلاث نسخ لطيفة منه تذكرني به(رباب، رحاب، رامي)، أو أنه لم يمت في حادث مؤلم، أو بمرض مزمن، بالرغم من أن الحرب التي أخذتك مني كانت (مؤلمةً ومزمنةً عليّ!)، ولكن كانت خاتمة خفيفة عليك وهذا ما يهمني .. حمدًا للرب.

توقفت عن الكتابة مسحت هدير الدموع من مقلة عينها الكبيرة في أسى، أخذت مشطا وباتت تمشط شعرها النحاسي وتنظر للمرآة، “ههه أنفي أحمر من البكاء، لطالما كنت تمسكه وتقول هذا الأنف اللطيف أنفي ولي وحدي”، لملمت الأوراق المبعثرة ودفترها تيفانُّي اللون، تنظر من الشرفة إلى سماء محزمة بالشفق الأحمر، كان الهدوء يسموا في تلك الحجرة الكلاسكية في بيت أهلها فجأة صاح الأولاد : ماما أين كنتِ، يضحكون ويركضون لها، فتحت ذراعها وابتسمت في حرقة لذيذة وممزوجة بحمدها للرب على وجودهم وأخذت تضمهم :كنت أكتب يا روح أمكم، ويا نُسخ أباكم..|

~أما عن حال صابر فقد حلت عليه لعنة متمثله في كونه نقيض اسمه،  يمر بتخبطات إكتئابية شديدة، فهو يسمع هلاويس سمعية، كان في شارع يمشي عقب ذهابه لقبر صديقه، انبطح قليلا معلنًا استسلامه على الاسفلت الذي تغطيه بعض من الزخات مطرية، فرأى حازم بجانبه قال “حاازم ..!” مد يداه اليه فأختفى گالسراب تمامًا “يا إلهي الهلاويس باتت تتطور وتصبح بصرية ..أأنا مريض إنفصام؟!” بات يركض حتى دخل إلى المنزل الذي به والدته وحيدة فأباه متوفى، وخطيبته تركته لعدم تحملها إياه عقب الحرب، باتت تلك العجوز تضمه بحرقه وتقول” أين كنت، أنا خائفة!”، فقال” كنت لدي طبيبي النفساني يا أمي-إن فعلا لَكاذب ولكن هذه الكذبه ستريحها- اليوم السبت ما بالك لا تخافي أنا معك يا أماه” وأخذت تضمنه أكثر فأكثر، ذهب مترنحا إلى مكتبه الأصفر الصغير بجانبه سرير خشبي متواضع شرفة لطيفة ودولاب به ملابس، كان مفتوحا فقابلته سترته الحربية، أخذ مغص رهيب يطحن مصارينه، تناول قلم الحبر 0.7 وبدأ يكتب في ذات المذكره المصفرّة التي كتب فيها المرسول: ” رأيت ماريا يا حازم رأيتها، كان من المفترض بأن تراه أنت لا أنا، منقبة بالسواد كانت تظن بأنني لم أراها ولكنني عرفتها بتراقص خطواتها الشاردة، وتكبدها لِخسارتها الفادحة إياك، باتت تتمايل يمين يسار، لم تتمايل فعليا ولكن الهالة التي تطوف من حولها كانت توحي بهذا القدر الكبير من التشتت..

وكأنما تبحث عن قلبك لتتحسسه وهو هامد في باطن الثرى؛ بيديها المرتجفة، فقدت السيطرة على نفسها فلو كانت تريد حفر المزيد من الثرى سيعد بمثابة ربش لقبرك الطاهر..فتوقفت،

وكأنما تبكي ولا ترى بوضوح حتى إن شعرت بفتورها، كل ذلك لأنها أخذت رسالتي وباتت تقرأها، صدقني لم أكن أعلم بأنّ رسالتي بهذا القدر من الألم، وضعت رسالتها وذهبت هي أيضا ولكن عادت ثابته بِخلافي.. كنت وراء الشجرة أختلس النظر، متعجبا في مدى ثباتها، أمدها ربي بالقوة وإبتلاني بالمرض والضعف، كسرت ظهري لينا وتركتني، كنت بحاجة إلى يدٍ تنتشلنيفولكنها كسرت يدي وتركتني أتتخيل هذا!” أخذ يبكي ويبكي ويبكي دون حسيس يُسمع منه، ثم نهض في شيء من الحُزم وأضاف ” لقد حسدت ماريا على هذا الثبات، ولكن استفقت الأن لن أحسدها بل سأغلبها، أتعرف ذاك الطبيب النفساني «النفسية بحد ذاته» سيُعالجني، وأكون عند حسن ظنك، لِأتعرف ذاك الحلم بتأسيس لشركتنا الخاصة مذ كنّا طلابا، سأسسها، وأحقق هذا الحلم ليكون واقع، سأتخطى لينا مع الأيام .. وأغلب ماريّا فهي ليست أقوى مني، والأهم من ذلك سأكون اسما على مسمى..” انتهى من الكتابة ليقول في صدى لحن خفي : “سأكون ثق بي”.

مقالات ذات علاقة

عماهن تراب القبر!!

ناجي الحربي

بخت أسود

علي جمعة اسبيق

اخـتـلال

شكري الميدي أجي

تعليق واحد

ساجدة أنعم 28 نوفمبر, 2018 at 18:40

ما شاء الله تبارك الرحمن 💕😍
أبدعتِ نوروسه 💕💕💕

رد

اترك تعليق