طيوب عربية

مراجعة رواية: سارة

إيمان محمد – مصر

تأليف: عباس محمود العقاد.
الناشر: دار قلمي للنشر والتوزيع.

تعدّ “سارة” العمل الروائي الوحيد للعقَّاد، تتحدث عن همَّام الذي يجمعه القدر بطريقة عجيبة بفتاة تدعى سارة فتنشأ بينهما علاقة دون مسمًّى واضح، تتكرر لقاءاتهما ويعمد كلٌ منهما إلى اسكتشاف الآخر، يستأنسان ببعضهما، ثم يسلِّمان بوقوعهما في الحب، يرى همام بسارة الفتاة غير القابلة للاستبدال، الفتاة الفريدة من نوعها التي تجمع الكثير النقائض دون خلل أو نشاز، فتمثل له سارة نموذج الفتاة غير النمطية القافزة فوق التقاليد والمتعدية لكل حدٍّ يمكن كسره وهو ما يعجبه فيها ويشدُّه إليها، لكن لا يهنأ همام بصفو العلاقة طويلًا وتتحول الميزات التي جذبته إليها إلى بوابات تقوده إلى حيث تساوره الشكوك وتلعب به الظنون لتضعه في دائرة الحيرة التي لا مناص منها ولا راحة، فيتشتت بين فراق لا يقدر عليه وبقاء لا يريحه.

لم يعمد العقاد إلى البناء التقليدي في روايته، بل بدأ القصة من منتصفها فجعلنا فجأة في خضم الصراع وابتدأ بذروة الأحداث دون ترتيب أو تمهيد للموقف الذي وجد القارئ نفسه مصطدمًا به في الصفحات الأولى، ثم انطلق مكملًا الأحداث حتى وصل نهايتها، ثم عاد وسرد علينا مبتدأ القصة، من هي سارة هذه وكيف نشأت بينهما تلك العلاقة مرورًا بما أدَّى إلى توترها بهذا الشكل ووصولًا إلى بعض الحقائق التي يوضحها لنا العقاد قبل ختام الرواية.

نجح العقاد في وصف دواخل نفسية البطل همام ببراعة شديدة حتى لتظن أنَّه يسرد تجربة عاشها بنفسه وعايش تفصيلاتها الصغيرة والكبيرة وهو فقط يقوم بسردها على ورق بمَلَكة الأديب التي يتمتع بها، فصوَّر لنا حيرته حتى حيَّرنا معه وأخفى عنَّا ما خفي عليه فأشركنا ظنونه وأحلَّنا محلَّه وأعارنا لواعجه وتقمصنا شتاته وتخبُّطَه وفكَّرنا مثله، دون أن نقف على هدى أو يمنحنا الكاتب دليلًا واحدًا نحكم من خلاله على سارة أو همام.

لغة العقاد لا تحتاج إلى كثير وصف أو تعريف، فجميعنا ندرك سواء قرأنا له كتابًا أو مقالًا أو اقتباسًا براعة هذا الرجل في تطويع النص ودقته في تخيُّر الكلمات وذكاءه في النظم، لكن اختصارًا فهي لغة فصحى جزلة سردًا وحوارًا لا تخلو من غريب الألفاظ في أكثر من موضع، مع أسلوبه الذي تميَّز بالتشبيهات الاحترافية، فهو يلجأ إلى التشبيهات التمثيلية وتصوير الحالة بالحالة فتكون خير دليل وشارح لمراده، ولا يخلو أسلوبه كذلك من تأثُّر بالقرآن الكريم والاقتباس منه مع احتفاظه بفلسفة خاصة يصبغ بها النص ويؤكدها في كل أجزاء الرواية.

بدا العقاد متحاملًا على المرأة وإن حاول جاهدًا مجتهدًا إخفاء ذلك وتقليل حدَّته، إلَّا إنَّ القارئ يرى بعد تمعُّن تلك النظرة والآراء التي سددها سهامًا لشخصية المرأة وكينونتها، تلك المعاني التي ضمَّنها نصوصه برويَّة حتى لو عادلها بنظرات مماثلة نحو الرجل، لكنَّه كان في كل مرة يجد الأعذار والمبررات للرجل ويتجاهل تلك النقطة عند حديثه عن المرأة. ولربما لم يكن ذلك إلَّا لأنَّه رجل يفهم دوافع الرجل ولا يستطيع فهم دوافع المرأة بالمثل، حتى لو أقام تلك الرواية برمَّتها كبحث في أعماقها.

سارة رواية إذا أردت تصنيفها لا يمكنك القول أنَّها رواية رومانسية ببساطة، قصة عاشقين تتخبط بهما الظروف وتنغص عليهما الظنون وانتهى الأمر، “سارة” رواية جدلية بامتياز توظِّف تجربة محيِّرة تحمل من الصدق والنفاذ ما يخرجها من كونها تجربة خاصة بشخصين إلى حالة عامة ودراسة قوية تغوص في أعماق المرأة ونظرة الرجل لها لتخرج بفلسفة خاصة عن العلاقات. يؤكد ذلك -من وجهة نظري- أنَّ العقاد بدأ الرواية دون تحديد أسماء للأبطال وذكرهم كفلان وفلانة حتى قرر التخصيص واقترح اسمين لهما.


اقتباسات من الرواية:

1- “ومن عجائب العاطفة الإنسانية أنَّها أبدًا مولعة بالمراسم والشعائر، فلا تستولي على النفس حتى ترسم لها (طقوسًا) وعادات تُذكِّر الإنسان بطقوس العقائد والعبادات.”

2- “مواجهة الحقيقة من أصعب المصاعب في هذه الدنيا.

أولًا: لأننا في الغالب لا نعرف ما هي الحقيقة.

وثانيًا؛ لأننا في الغالب لا نحب أن نعرفها إلًَا مضطرين، حين نيأس من قدرتنا على جهلها ونشك ثم نشك ثم نرى آخر الأمر أن الشك أصعب وأقسى من مواجهة الحقيقة والصبر عليها.”

3- “ليس أصعب على النفس من تغيير ما اعتادت.. فالموت نفسه لا صعوبة فيه لولا أنَّه يغيِّر ما تعودناه، وفراق الموتى لا يحزننا لولا أنه تغيير عادة أو عادات كثيرة.”

4- ” الدقائق المعدودات لا بدَّ أن تُترجم في لغة الانتظار والهواجس بالملايين بعد الملايين التي لا يجمعها الحصر والإحصاء.”

5- “كان اهتمامي بك حتى بالغضب عليك يفرِّج شيئًا من الضيق الذي يسدُّ عليك منافذ الأمل، لأنه يعطيك فكرة عالية في نفسك، فيعزيك ويقويك ويرفع عنك ذلك الصَّغار الذي يُسمِّم كل شعور وينغِّص كل نعيم.”

6- “وهل يكون اجتماع الحوادث بمثابة الفاجعة تضيفها الفاجعة فلا تقوى النفس على احتمالها؟ أو تكون بمثابة الشيء يلغيه ما بعده فيُطفئ بردَها حرُّها، ويذهب قيظُها بشتائها؟”

7- “إذا ميَّز الرجل المرأة بين جميت النساء، فذلك هو الحب.

إذا أصبح النساء جميعًا لا يغنين الرجل ما تغنيه امرأة واحدة، فذلك هو الحب.

إذا ميَّز الرجل المرأة لا لأنها أجمل النساء، ولا لأنها أذكى النساء، ولا لأنها أوفى النساء، ولا لأنها أولى النساء بالحب، ولكن لأنها هي بمحاسنها وعيوبها، فذلك هو الحب.”

8- “خير له أن يفارقها بغير جريرة قادرًا على آلام فراقها، صائمًا عن مسراتها، من أن يعاشرها عاجزًا عن فراقها، باذلًا كل ما عنده من اهتمام، مستحِقًّا كل ما عندها من احتقار واستغفال.

لقد سلبته الطمأنينة وكفى!”

9- “لا فرق بين خيانة الضمير وخيانة الواقع إلا التنفيذ.”

10- “طال الصمت.. لا لأنه كان يريده، أو لأنه كان يأبى الكلام، ولكن لأنه كان يفتش عن كل كلام في الدنيا فإذا هو يهرب.. أو يستعصي ولا ينقاد.”

مقالات ذات علاقة

الساعات الأولى من الميدان! *

إشبيليا الجبوري (العراق)

الجذور الاجتماعية للنقد الثقافي

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

“التنّور” الثّقافيّ في صدد نشر المنجز النّقديّ عن أدب سناء الشعلان (بنت نعيمة)

المشرف العام

اترك تعليق