سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (62)

حين جاءت جنينة…!؟

مجلة البيت خليٍة نحل فعدد جديد من المجلة يتمّ تجهيزه، ولكن صوت “سالمة للمدني”، (أمينة التحرير) يرتفع: لو كان جنينة هني، هذا عمل تهني عليه جنينة!!

هي “جنينة السوكني”، نتعارف اسما ولا نلتقي، تسأل عنّي قريبة وصديقة لي وتحمّلها سلاما لـ(دلال المغربي).

تجيء “جنينة” من سفرها، وتجهز بسرعة وإتقان العمل الذي تريده “سالمة”، ونتعارف و تبدأ رحلة عمل ولكن، جفوة ما أو ابتعاد لا أفهمه وخاصة حين دخلت يوما حييت الجميع بالاسم واستثنتني!!؟

جررت خطاي لمكتب (أمينة التحرير) متسائلة عن خطأ قد أكون ارتكبته؟ ولكن “سالمة” تهدئني وتقول لي: تقبلي الناس زي ما هم؟؟ ولكن… يتفاقم الاستغراب ويزعجني ذلك، وذات يوم تدخل “جنينة”، ولن تجلب ذاكرتي الموقف كاملا، هل كنت في مكتبي بالمجلة جالسة أو تلاقينا في الصالة الصغيرة التي تتوسط ثلاث حجرات مفصولة؟ حجرة للتنفيذ والإخراج، حجرة للتحرير بها ثلاث مكاتب، وحجرة أمينة التحرير، فقط الذي لا أنساه، تحيتها ثم كلامها: تعرفي يا “دلال المغربي” أو “حواء القمودي” أنا نغير منك، ولما تقولك “جنينة السوكني” إنها تغير منك؛ معناها إنتي حاجة كبيرة لان “جنينة” ما تغيرش إلا من حاجة كبيرة…

واظنني ضحكت بصوت مرتفع وعانقتها ومن ذاك اليوم صرنا صديقتين. أن تكتشفي يا “حواء” أن “جنينة” هي الصديقة التي تنقصك، شخصيتها القوية، ترتيبها ونظامها وشدّتها الناعمة، عقلانيتها ونظرتها للأمور ونصائحها الصادقة، واحترامها لخصوصيتك لفروق الشخصية بيننا، وربما اعجبتها قدرتي على امتصاص (صدمة ما) بتجاهلها، أقول ربما فحينذاك كنت غارقة في فيوض نشوة واندهاش، أن أغدو صحافية حقا في مجلة أسستها السيدة (خديجة الجهمي)، نعم أسستها هي من فكرت واهتمت و عرضت الفكرة على الاستاذ المبدع “خليفة التليسي”، وكان وزيرا للإعلام آنذاك في الستينات في (المملكة الليبية المتحدة )، لم تُؤسس المجلة ثم طلب منها أن تتولى رئاسة التحرير، بل هي من فكرت واقترحت و اقتحمت، لأن الوزير خشى من هذه الجرأة مجلة للمرأة، ولكن هي من فعلتها ( ماما خديجة الجهمي).

والصحافية (دلال المغربي/ حواء القمودي) في رحاب هذا الصرح الذي أسسته هذه الأيقونة الليبية، نعم هي الآن اسمها (مجلة البيت)، بعد أن أصبح اسمها (المرأة الجديدة) وبعد أن جاء الاقتراح بهذا الاسم (البيت) باعتبار البيت وطنا مصغرا وان هذه المجلة لكل من في هذا الوطن المصغر امرأة ورجلا وأطفالا. ولكن هي من فكرت واقترحت وأسست.

وها انا مع “جنينة السوكني” في رحاب هذه المجلة، أتعلم من قامة هو “يوسف الشريف”، ومن مبدع كبير هو “منصور بوشناف”، وأواصل الأمل، و التعرف على عالم مكتظ، أركض في أرضه الفسيحة، وأواصل التعرف على المحيطين بي وزوار مجلة البيت والأمل، وكيف تحتفي “سالمة المدني” بهم وتخجل أن تجلس على كرسي إداراتها حين يكون ضيوفها كما تقول (قامات) مثل: الأمين مازن، يوسف القويري، مرضية النعاس، شريفة القيادي، محمود البوسيفي، محمد الفقيه صالح، ادريس بن الطيب، أحمد الفيتوري، علي العباني، وغيرهم الكثير والكثيرات الذين يعبرون إلى البيت فيجدون الحفاوة والترحاب.

وحواء تواصل التعرف على “جنينة” و”جنينة” تواصل انهماكها في نصح “حواء” التي ترى إنها (متسرعة) في منحها الثقة لكل المحيطين، قالت لي ذات حديث: (مشكلتك يا حوا أنك كتاب مفتوح) فضحكت وقلت: مش حتصدقي إن صديقا قال لي ذات مصارحة؛ أنتي تخوفي مهما نحاول نفهمك نلقى تاني يوم شخصية تانية.

ضحكنا و واصلنا تجهيز العمل الذي كلفتنا به (مديرتنا الصعبة) التي ربما بعد أن تأخذك بالحضن تقلب الطاولة غاضبة لأنكِ لم تنجزي عملك. وأشهد أن شخصية “حواء” قد ارهقت “سالمة” واغضبتها وكانت دائما تردد: (الله يوحد على صحافيات بنغازي (ليلى وخلود) نطلب الموضوع من هني في اسبوع يجي كامل بصوره، وأنتم لين ادهشوني وتخلوا شلاتيت بنادم تتككلم!!؟؟

وتحتج “جنينة”، لكن سالمة تطمئنها: (الدوة مش عليك يا “جنينة” …!)

أن تكوني صحافية بحجم سالمة المدني …

لا أستطيع مبارحة هذه التجربة الثرية التي تعلمت في رحابها الكثير. هذه التجربة التي كانت معتركا حقيقيا واقترابا من الجمرة المشتعلة لهذه (السلطة الرابعة)، معني أن تكون رئيسة التحرير صحافية شابة مفعمة بطاقة تريد أن تخترق أشعتها كل المحيطين والمحيطات بها، هكذا هي “سالمة” تقف على كل صغيرة وكبيرة تغضب ولكنها سرعان ما (تطبطب)، هي أمٌ لمجلتين أسستهما الأم (خديجة الجهمي)، إذا لنحاول مطاولة هذه الأم، تذهب بالعدد إلى المطبعة التي في مدينة الزاوية تهتم بأن تظهر التقدير الذي يليق بالعاملين لأنهم هم من سيهتمون بولادة هاتين المجلتين، نعود من رحلتنا مفعمتين بذاك الشعور باكتمال منجزنا وانتظار ميلاده الذي يليق به الاحتفاء، وحين نعود إلى رحابهما (البيت والأمل)، سنجد  أصدقاء وصديقات تحتفي هي بهم و”جنينة” تجهز أسئلتها، فما أروع اقتناص مبدع أو مبدعة واستغلال هذا الوجود البهيج.

الفرحة بظهور العدد، الجلسة التي يتم فيها الانتباه لبعض الهنّات واقتراح مواد جديدة لعدد قيد الإعداد، واقتراح نشاط تقترب مناسبته، ..

هكذا عشت في هذا الجو المفعم، صاهلة بضحكتي وشساعة بياض ابتسامتي، حتى يفاجئني خبر حزين أظل شهرا أناوره لا أريد أن أصدق أنه حدث فعلا؛ ولكن ثمة ندوة ستقام وعمل مهم ولقاءات، هي (ندوة عن الصادق النيهوم) في ذكرى رحيله في شهر نوفمبر، لذا انهمكت في لحظة بهجة واندفعت تلك الروح الصحفية لتقترب من عالم هذا الأيقونة (النيهوم)، ورغم هذا الانهماك وانشغالي، لكن الذي سمعته حدث فعلا.. رحيل صديقي (عادل عبد الواحد)، و كتب صاحب (الوقت المستقطع) عن هذا الرحيل، وكأن على “رامز النويصري” أن يحمل عبء هذا الخبر، رغم أني تأكدت عن طريق اتصال بجهة العمل التي كان بها مهندس الكمبيوتر والشاعر والصحفي الذي جعل اسم زاويته الثقافية في صحيفة (الطالب) (آفاق ثقافية)، منذ ذاك الوقت ظللت أبحث عنه (رامز) كأني أريد أن أحدثه عن لوعةٍ سكنت القلب ولم تغادره.

مقالات ذات علاقة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (57)

حواء القمودي

للتاريخ فقط (7)

عبدالحميد بطاو

للتاريخ فقط (15)

عبدالحميد بطاو

اترك تعليق