سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (19)

19- اللجنة الثورية

 
وكان الصف الأول من المعهد الخاص (نظام الأربع سنوات).
رغم تعاستي وبكائي الذي تواصل كل ليلة، عشت أجواء أن تكوني طالبة بالصف الأول معهد، طبعا لن أتذكر أي فصل مثلا (أول أ أو ب)، نسيت ما كانت التسميات حينذاك، ما أتذكره هو بروزي وخاصة في اللغة العربية، ولكن أيضا تقريبا في كافة المواد (نجحت بتقدير ممتاز في نهاية العام الدراسي).
وكان في كل مدرسة ومعهد (مثابة ثورية) وفي كل مناسبة وطنية ستكون هناك محاضرة ونشاط، ولأني أقرأ وأكتب وووو، فقد اهتمت بي رئيسة المثابة (…….). طبعا لم أنسَ اسمها ولكن ليس من حقي أن أذكره هنا، وسجلت اسمي وبدأت أحضر للمثابة وأناقش ووو، “حواء” التي تنبهت للظلم الذي يطال المرأة والتي قرأت تفاصيلا عنه في القصص والروايات التي قرأتها، و(ثورة الفاتح) والقائد (محرر المرأة الليبية).
مازلت أتذكر كيف أعطيت أخي الذي يصغرني بسنوات ثلاث (دينارا) ليشتري لي الجزء الثالث من الكتاب الأخضر من الكشك الذي يبيع الصحف والمجلات، كانت الدعايات عن صدور الجزء الثالث في التلفزيون الليبي تضخ وتلهب المشاعر، هذا الجزء الذي به (الحل الجذري لمشكلة حرية المرأة)، قرأته مرة واثنان وثلاث، بحثت عن حكاية هذه المرأة وحريتها، وهكذا كان نقاشي مع رئيسة المثابة عن هذه المسألة بالذات، ولكنها كانت مهتمة كيف نجعل كل من في المعهد (مؤمنات بالفكر الثوري).
 
ولكن متى أحسست أني لا أنتمي لهذا العالم؟!
لا أتذكر ماذا فعلت؟ هل ذهبت للمثابة الثورية وأعلنت انسحابي؟
المهم هنّا لماذا شعرت بالنفور وعرفت أنّي لا أنتمي لكل هذا.
هي صفة مازالت تلازمني: أنّي أحبّ ان أكون مع النّاس، أن لا أتميز عنهم أو أشعر أن لدي سلطة تفوقهم؟!!!
 
ذات يوم في الطابور ولأنه طابور بنات مراهقات بالصف الأول مؤكد سيحدث ارتباك ومشاكسات ويرتفع ضحك، وهكذا وجدت نفسي معاقبة أقف في الساحة بانتظار مجيء المشرفة أو المشرف لعقابي؟!! ولأني طالبة مجتهدة فقد بدأت أبكي لأن الحصة ستفوتني، حينذاك ظهرت (رئيسة المثابة)  وجاءت مسرعة باتجاهي وسألتني: خيرك تبكي؟. فأخبرتها أني معاقبة، فقالت ببساطة:
– امشي خشي لفصلك ما يقدر حد يكلمك أنت في اللجنة الثورية؟!!!
 

الفصل الثالث من الكتاب الأخضر - الركن الاجتماعي.
الفصل الثالث من الكتاب الأخضر – الركن الاجتماعي.


أما الموقف الثاني فكان حين جاءت “عايشة جلود” للقاء بمنتسبات (اللجنة الثورية) في المعهد وإلقاء محاضرة، وكان اهتمامها؛ كيف علينا أن نمدح دائما نظامنا وأن وأن، وتعجبت  كيف شعبنا (ناكر للجميل) وبدلا من أن يذكر انجازات الثورة وفضايل القايد، يقعد يتشكى، وأخبرتنا كيف أُحرجت أمام وفد نسائي من سوريا الشقيقة، حين زاروا بعض البيوت الليبية للقاء بالنساء (لا أتذكر تحديدا) وبدل من أن يمدحوا ويقولوا عن المنجزات فإنهن يشتكين من الظروف وووو، وواصلت حديثها كيف أنها مع وفد ليبي زاروا سوريا وكيف أن كلّ من ذهبن إليهن والتقين بهم يمدحون في الأسد ويدعون له بالخير، رغم أن حالتهم بائسة ولكن (شوفوا الفرق).
أتذكر أني بذاك اليوم تحديدا عرفت أني لست منهن أو منهم، هذه تطلب منّا أن نكذب أن نزيف الحقائق.. فهل ستكذبين يا “حوا” على شعبك؟
وانتهت علاقتي باللجنة الثورية، ولم أذهب إلى المثابة، وأشهد أن تلك الطالبة والتي هي رئيسة اللجنة الثورية لم تضايقني أو تسألني ظلت تحينني وتبتسم كلما تقابلنا كطالبتين ندرس في ذات المعهد.
 
ولكن من الذكريات المميزة في هذا العام هو صراعي مع أستاذ اللغة العربية “أسامة السيد” في أول موضوع (تعبير)، حيث طلب في رأس الموضوع أن نقف أمام طابور الطالبات ونتحدث عن اليوم الدراسي الأول، ورفضت كتابة هذا الموضوع ومن أسباب اعتراضي أنه يصلح لتلميذات الابتدائي والإعدادي وليس موضوعا لطالبات معهد، وحين هددني في الأسبوع الثالث كتبت في ورقة واحدة فقط هذا الموضوع وسلمت الكراسة نهاية الحصة، في اليوم التالي سألني: هل أنت من كتب هذا التعبير؟
وحين تأكد صرخ: هو أنت بتتريقي عليَّ؟؟
تحصل موضوع التعبير والذي فقط من صفحة واحدة على الدرجة الكاملة تعبيرا وإملاء وخطا، حيث جمعت في تلك الصفحة الواحدة ثلاث استشهادات من القرآن والحديث والشعر، واعتبرني مثالا يحتذى في كتابة موضوع يجمع كل المواصفات في أقل المفردات.

أوقفي في طابور العلمي يا “حوا”..
ونجحت بتقدير (ممتاز)، وجاء العام التالي حيث اخترت قسم اللغة العربية والتربية الإسلامية، فهو ما ينسجم معي، ولكن كان ثمة نظام تعليمي يقتضي أن من يتحصلن على تقدير امتياز يدخلن القسم العلمي، ومن يتحصلن على تقدير (جيد جدا) أو (جيد مرتفع) يدخلن قسم الاجتماعيات، ومن يتحصلن على تقدير (جيد أو مقبول) يدخلن (قسم اللغة العربية والتربية الإسلامية)؟!!
ولكن حين بدأ النداء على الأسماء وجدت أني في القسم العلمي، ورفضت الوقوف هناك واخترت الوقوف في طابور القسم الذي أحب وأريد، ولكن مدير المعهد (والذي كان مدير مدرسة الثانوي ثم انتقل للمعهد) قال لي:
– اوقفي في طابور العلمي يا حوا.. ولكنّي  رفضت وبدأت أبكي.
فقال لي:
– لو توقفي على راسك، أنت في العلمي تقديرك ممتاز …
وحاولت محاولة واثنتان، ولكن كان يقنع من يكلمه، وبدأنا العام الدراسي وووو بعد شهر تحديدا جاءني مدير المعهد ليقول لي
– لو تبي  قسم العربي حاضر؟؟!!
كنت حينذاك تعودت على فصلي وصادقت ووو (هذه من عيوبي  الألفة السريعة). وسأتورط مع الهندسة والجبر الميكانيكا والديناميكا والإحصاء والكيمياء وووو، وكل تلك القائمة الطويلة من المواد، ولكن ما لا أنساه هو الدرجة المتميزة التي تحصلت عليها في أول العام الدراسي بمادة الفيزياء، والتي كان معلمها (لا يحبني) وكنت لا أشارك في الحصة بإيجابية. ولكن في أول تطبيق بكتاب (الصوت)، وفي الحصة التالية بدأ يبحث عن هذه التي اسمها “حواء ……” واندهش حين وقفت ونطق الدرجة التي تحصلت عليها (ستين من ستين)، وكانت تلك الدرجة آخر علاقتي بالدرجات النهائية في مادة الفيزياء؟!

مقالات ذات علاقة

الكاتب ممثلاً مسرحياً

أحمد إبراهيم الفقيه

من قامات ليبيا الابداعية : محمد حقيق عاشق التراث

رامز رمضان النويصري

علي مصطفى المصراتي

المشرف العام

اترك تعليق