قراءات

‘ماريش مرة أخرى’ .. شكل تقني واع

يوسف إبراهيم تمكن عبر فصول روايته بشكل تقني وواع ونجح في جعل ‘ماريش’ نقطة مكانية تلفها الأساطير الغامضة مستنداً على خبرته الثقافية.

عن موقع ميديل إيست أون لاين
عن موقع ميديل إيست أون لاين

ماريش مرة أخرى. هذا العلم الأسطوري الجميل، عين الماء الواقعة مكانيا في قرية المغاربة جنوب غريان الجبلية في الشمال الغربي لليبيا، بعد ان احتفى بها الشاعر عمر الكدي في ديوانه الشعري الشهير “أغاني ماريش”. يختارها الشاعر والكاتب يوسف إبراهيم على ليقدمها للقاري، ولكنها (ماريشه) الخاصة به التي ربما تتناص مع ماريش الكدي مكانيا وزمنيا، كونهما من الزمن الغابر، يقدمها للقاري كباكورة لنتاجه الروائي بعد أن صدر له ديوان الشعر “درويش” في 2001 وديوان “أسفار القلم المختون” في 2004.

في رواية “ماريش في الزمن الغابر” الصادرة عن مجلس الثقافة العام في 2008. لم يتوقف كاتبها يوسف عن شد انتباه القاري، بحفاوة وبذخ، فيرتب فصول روايته إلى أحد عشر فصلاً وينسق فقراتها بأرقام جميلة مستنداً على لغته العربية الراقية السهلة القريبة جداً من الشعر، “في شبه ظلام داخل كهفك المنزوي، تعتني بتمثالك العاري، الذي بدأت نحته منذ سنوات ولم يكتمل” ورغم استخدامه أحيانا لمفردات صعبة، ولكن أجزم أن القاري المجتهد لن يجد حرجا في أن يتوقف عن القراءة ويبحث في القاموس أو في متصفح القوقل عن معنى كلمة أو عبارات وردت بالرواية ليفك شفراتها ورموزها ويشبع فضوله معه وعن طيب خاطر.

في الرواية ستقرأ “رجل أشمط الفودين”، “صاغ المتفيهقون للسرد، وتكفل الأفاقون بالحبكة”، “لتصطاد شيهما”، “لم يحفل بسقوط الأتفية الأولى”، “الأفق الفتق المرتوق”، “وتضخمت الندفة النازلة”.

وقد تمكن يوسف عبر فصول روايته بشكل تقني وواع ونجح في جعل “ماريش” نقطة مكانية تلفها الأساطير الغامضة مستنداً على خبرته الثقافية في محيط البيئة القروية التي يعيش فيها، موظفا بعض المحكيات الخرافية في السير الشعبية وما تحمله من طقوس وخيالات تتسم بالغرابة والتهويل والتعقيد أيضا، والتي تميز محطات الفكر الإنساني القديم الذي تسيطر عليه الأساطير والخرافات والاعتقادات منذ الإنسان البدائي، وكذا عاداته وأعرافه ومحرماته وأنماط عيشه بالضرورة، ليستفيد المؤلف من هذا كله ويستخدمه ليضفي على النص الروائي رونقاً جماليّاً في الخيال ليفسح المجال أمام القاري ليتوقف أكثر من مرة عند سطور يضع تحتها خطا جميلأ جمال العبارات التي صيغت بها لإنها شكلت عنده مزيجا من الأفكار والعبارات والحكم الجديدة في قالب إبداعي لم يعهده من قبل.

كما برع المؤلف وأجاد في استخدام الرمز ليطوعه في العمل الفني للرواية فتتحول “ماريش” المكان إلى بطل حقيقي، وبعد تاريخي مهم لتكون رواية توثيقية لتاريخ غير رسمي، ربما لا تحفل به كتب التاريخ، ليؤرخ يوسف إبراهيم لمكان وزمان أوسع وأشمل من “عين ماريش” التي في المغاربة جنوب غريان، والتي نقل بواسطتها الراوي إرهاصاته الفكرية لكل شخصية من شخصيات الرواية التي حملت كلها أسماء الزمن الغابر فنجد كائنات إنسانية حقيقية تأكل وتتنفس وتحب وتكره وتخون وتكيد للآخر وتضحي من أجله. تعيش في جغرافية الزمن الغابر في أماكن أسمها “قبيلة ماغربي، سهل عزابن، تبولات، صماغرين، الاجباب ، لاغلة”.

اختيار يوسف إبراهيم لهذه الأسماء للشخصيات والأمكنة واعتماده على الموروث أتاح له التحرر من السرد التقليدي وساعده في محاولته لتوصيل معنى متكاملاً عن التجربة الإنسانية في تاريخها الغابر البعيد والقريب والحالي وأظنه نجح.

_____________

نشر بموقع ميديل إيست أون لاين

مقالات ذات علاقة

الدكتور عبد الرحمن بدوي: “سيرة حياتي” .. أيام الدكتور في ليبيا

إيناس المنصوري

إطلالة على كتاب التأويل الحداثي للتراث لإبراهيم السكران

المشرف العام

ظمأ الروح في قافلة العطش قصة “تحقيق صحفي” أنموذجاً

المشرف العام

اترك تعليق