المقالة

ليبيا لم تكن 3 دول.. أبداً

المُطلع على مصادر التاريخ الليبي المنشورة يُدرك أن ليبيا ما كانت إمارات ولا دولاً ثلاث، كما يردّد الجهلة بتاريخ ليبيا، وما طَبَّقت الفيدرالية في حياتها إلا بعد إعلان الاستقلال في 1951، وفقط لمدة 12 سنة، حيث ألغاها الذي أسسها ذاته! أي الملك إدريس رحمه الله في 1963، مُستبدلاً إياها بنظام 10 محافظات، الذي بقي حتى 1969، فبقيت بلادنا طوال مئات السنين قبل الفيدرالية وبعدها مجرد أرض واحدة يعيش فيها شعب واحد يحكمه حاكم واحد من مصر إلى تونس والجزائر.

فقبل الاستقلال كنا تحت احتلال جيوش الحلفاء الذي عُرف خطأ باسم عهد الإدارة البريطانية، إذ يُفترض أن يُسمى عهد الاحتلال البريطاني/الفرنسي، فقد كان كل شمال ليبيا ومنطقة الكفرة (برقة وطرابلس كما يرغب البعض) تحت احتلال الجيش البريطاني الذي دخلها من حدودنا الشرقية، أي من مصر التي كانت مستعمرة بريطانية آنذاك، أما جنوب غرب ليبيا (فزان) فقد كان تحت احتلال الجيش الفرنسي، الذي دخله من الغرب والجنوب، حيث كانت الدول المجاورة (تونس والجزائر والنيجر وتشاد) مستعمرات فرنسية آنذاك، وامتدت هذه المرحلة 8 سنوات، بين نهاية الاحتلال الإيطالي لبلادنا وإعلان الاستقلال، بقيت فيها بلادنا مقسومة على إقليميْن، الشمال والجنوب الشرقي لبريطانيا، والجنوب الغربي (غدامس وفزان) لفرنسا.

قبل هذا الاحتلال المزدوج كانت كل بلادنا من مصر شرقاً إلى تونس والجزائر غرباً إلى تشاد والنيجر والسودان جنوباً تحت احتلال إيطاليا لمدة 32 سنة، من 1911 إلى 1943، حيث رُسمت في هذا العهد حدودنا الحالية من مصر إلى تونس والجزائر والنيجر وتشاد والسودان جنوباً، وبعد مجرد سنة واحدة من هذا الاحتلال صارت كل ليبيا محافظة استعمارية واحدة تعرف رسمياً باسم: شمال أفريقيا الإيطالية.

بعد 15 سنة (1927) قُسِّمت إلى محافظتيْن فقط: النصف الشرقي عُرف باسم محافظة سيرينايكا الإيطالية، والنصف الغربي عرف باسم محافظة تريبوليتانيا الإيطالية.

بعد 7 سنوات (1934) اعتُمد اسم ليبيا لأول مرة، أي منذ 83 سنة فقط! كما قُسِّمت في هذه السنة محافظة طرابلس إلى محافظتيْ طرابلس وفزان، فصارت ليبيا 3 محافظات (لا فيدراليات)، هي سيرينايكا وتريبوليتانيا وفزان، لكن فقط لـ 3 سنوات، حيث أعاد الإيطاليون تقسيم بلادنا في 1937 إلى 5 محافظات: طرابلس ومصراته وبنغازي ودرنة والصحراء الليبية، وبقيت هذه المحافظات إلى آخر العهد الإيطالي في 1943، أي أن هذا كان حال بلادنا حينما دخلتها جيوش الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية.

إذا عدنا إلى حياتنا قبل الاحتلال الإيطالي، أي قبل 1911، نجد أن بلادنا كانت ولاية عثمانية مباشرة طوال 67 سنة، أي الفترة التي تُسمى بالعهد العثماني الثاني، وبعد أن استمر النظام الإداري القرمانلي فيها (الذي سأذكره بعد قليل) دون تغيير في النصف الأول من هذا العهد (أي من 1835 إلى 1868)، قُسِّمت بلادنا في 1869 إلى 5 محافظات: 1. بنغازي، 2. طرابلس، 3. الخمس، 4. الجبل (وعاصمته يفرن)، 5. فزان (وعاصمته مرزق)، وانقسمت هذه المحافظات بدورها إلى وحدات إدارية أصغر عرفت بالأقضية والقائمقاميات، في تقسيم شبيه بتقسيم البلديات والمحلات المعاصر، وبقي هذا التقسيم إلى سنة الاحتلال الإيطالي في 1911، غير أن بلادنا بقيت أرضاً واحدة يعيش فيها شعب واحد يحكمه حاكم واحد من مصر إلى تونس والجزائر.

قبل بداية العهد العثماني الثاني في 1835 عشنا 124 سنة تحت الحكم الذاتي شبه المستقل للأسرة القرمانلية الليبية، لا التركية كما يردد الجهلة، حيث وُلد جميع أمراؤها وعاشوا وماتوا طوال حياتهم في طرابلس من أمهات وزوجات ليبيات منذ قدوم جدهم الأول إلى طرابلس في 1551، ارتدوا اللباس الليبي وأكلوا الطعام الليبي وكانت لغتهم هي اللهجة الليبية، التي اعتمدوها كلغة رسمية لقراراتهم ومراسلاتهم الرسمية بدل التركية التي كانت اللغة الرسمية فيما يُعرف بالعهد العثماني الأول (1511-1711)، في عهد القرمانليين انقسمت ليبيا إلى 3 محافظات، لكنها ليست التي تعتقد! إنها: 1. محافظة برقة وعاصمتها درنة، 2. محافظة مصراته، 3. محافظة طرابلس وتشمل فزان، وبقيت بلادنا أرض واحدة يعيش فيها شعب واحد يحكمه حاكم واحد من مصر إلى تونس والجزائر.

قبل بداية الدولة القرمانلية في 1711 عشنا العهد العثماني الأول لـ 160 سنة، بدأت بانضمام ليبيا إلى السلطنة العثمانية في 1551، حيث شهدت هذه السنة بداية نشوء الحدود الليبية الحالية، ورغم أنه ينقصنا الكثير من المصادر لتاريخ الحكم المحلي في هذه المرحلة، يبدو أن الدولة القرمانلية التالية لهذا العهد قد ورثت التقسيمات الإدارية لهذا العهد السابق لها، أي أن بلادنا كانت آنذاك تنقسم إدارياً إلى محافظة برقة وعاصمتها درنة، ومحافظة مصراته، ومحافظة طرابلس وتشمل فزان، غير أن بلادنا بقيت طوال هذا العهد أرض واحدة يعيش فيها شعب واحد يحكمه حاكم واحد من مصر إلى تونس والجزائر باسم ولاية طرابلس الغرب العثمانية.

إذاً منذ 466 سنة، أي منذ نشوء الحدود الليبية الحالية في 1551 بقيت بلادنا أرضاً واحدة يعيش فيها شعب واحد ويحكمها حاكم واحد من مصر شرقاً إلى تونس والجزائر غرباً بشكل مستمر بلا انقطاع طوال أكثر من 4 قرون متواصلة، وصل نفوذها يوماً إلى شمال تشاد والنيجر، وتغيرت فيها حدودها الإدارية عدة مرات كباقي العالم.

___________

نشر بموقع المستقل

مقالات ذات علاقة

إصلاح ديني، أم مماحكات ايديولوجية؟ (1)

علي عبدالله

1968 وطليعياته الثلاث!

نورالدين خليفة النمر

مَملُوكٌ مُمْتَحن في صفة مالِك مُتصرِّف

المشرف العام

اترك تعليق