قراءات

ليبيا بعد الثورة.. قراءة جديدة لـ«بن شتوان»

صدر مؤخرًا كتاب «ليبيا في القرن الواحد والعشرين – من الرؤية إلى تحقيق الأهداف – رؤية تنموية لليبيا بعد الثورة».مؤلف الكتاب هو د. فتحي بن شتوان الأكاديمي والمهندس وصاحب السيرة الذاتية الثرية جدًا من مناصب وزارية تقلدها وكتب علمية ألفها وجامعات وكليات ترأسها وندوات ومؤتمرات حضرها وساهم فيها بفاعلية وبحوث علمية كتبها وأشرف عليها وتخصصات نادرة كان من أوائل الليبيين الذين تعاطوا معها، بالإضافة إلى موقفه المشرف من ثورة فبراير وانحيازه لصالح الشعب من أيامها الأولى ومساهمته في بناء مؤسساتها العلمية التي كانت مدمرة ومنتهية الصلاحية.

يقول دكتور فتحي في مقدمة كتابه: «عبر التاريخ الإنساني الطويل ما انفكت المجتمعات الإنسانية عن التفكير في إقامة المجتمع الإنساني السعيد والمترابط، مجتمع الرفاهية والرخاء، ومجتمع الحرية والديمقراطية من خلال رؤية استرشادية تجسر الطريق بين واقعه الراهن ومستقبله المرغوب. فالرؤية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية تقوم على تقصي وتقويم لواقعها المعاش بتقويم الأداء الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي والبيئي والعناية والحماية الاجتماعية ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف فيه. وكذلك رسم ملامح التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية. كما أنها تقوم على قراءة المشهد العالمي ومعرفة الفجوة التي تفصلنا عنه. واستعراض التحديات التي تواجهنا والفرص التي يمكن اقتناصها لتحقيق أهداف الرؤية والتقليل من اتساع الهوة».

غلاف كتاب ليبيا في مطلع القرن الواحد والعشرين
غلاف كتاب ليبيا في مطلع القرن الواحد والعشرين

ويرى بن شتوان من خلال كتابه أن ليبيا يجب أن تطور تجربة اقتصادية ومشروعًا نهضويًا خاصًا بها من خلال رؤية تبني الجسور من واقعها المعاش إلى مستقبلها المرغوب من خلال مجموعة من المبادئ الأساسية التي تقوم على توجيه الرؤية لتحقيق طموحاتنا وتطلعاتنا، وقد رسمت هذه المبادئ لتحقيق التوازن الصحيح بين الحرية والعدالة، بين النمو والتنمية بين الجيل الحالي والأجيال القادمة بين التجديد والأصالة.

هذه المبادئ اختصرها الكتاب في هذه النقاط:
• اتفاق وإجماع كل شرائح المجتمع الليبي على الرؤية؛ وهذا يؤدي إلى توحيد المجتمع والتعبير عن إجماع واتفاق أفراده على الاتجاه الذي يرغبون السير فيه لتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم وأهدافهم.
• قيمة الإنسان وأمنه؛ فالإنسان هو مركز هذه الرؤية وهو أداتها وغايتها، ولذلك فهو القيمة العليا التي لا تطالها ولا تساويها أي قيمة أخرى للأشياء. ويتم المحافظة على هذه القيمة بضمان أمنه بمفهومه الواسع. والذي يشمل الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والصحي والبيئي والعسكري.
• شمولية وتكامل الرؤية، والرؤية التنموية يجب أن تكون شاملة ومتكاملة بين التنمية البشرية التي تعمل على تنمية قدرات وإمكانيات ومواهب ومهارات الناس والمحافظة عليهم أصحاء بشكل يجعلهم قادرين على المشاركة الفعالة والكفاءة في الاقتصاد من خلال قوة العمل الماهرة والمحفزة للإنتاج، والتنمية الاقتصادية التي تسعى لتنمية اقتصاد مستدام ومتنوع ومنافس قادر على سد احتياجات المجتمع وضمان جودة حياة راقية ومستوى معيشة عال لكل سكانه حاليًا ومستقبليًا.
• اعتماد العلم والمعرفة أساسًا للتنمية وبناء المجتمع؛ المعرفة هي أحد المصادر الرئيسية للتنمية والنمو في الاقتصاد العالمي وأغلب الدول المتخلفة هي تلك التي تفشل في اقتناص المعرفة العالمية وتوليدها وتطبيقها وتطويعها لاحتياجاتها، وتحرم نفسها من هذه الأداة الحيوية للتنمية والنمو. الأقطار العربية ومنها ليبيا على سبيل المثال تستطيع الاستفادة من ثورة المعرفة بالاستخدام والتوليد المستدام للمعرفة وجعلها في مركز عملية التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية والبيئية ليصبح اقتصادها اقتصادًا معرفيًا؛ حيث المعرفة تكتسب وتولد وتنشر وتستخدم بفاعلية لتعزيز التنمية والنمو.
ويركز د. فتحي في كتابه على أهمية الاستعانة بالوقود الرخيص ويقصد به استخدام تقنية المعلومات والمعرفة والحاسوب، والإلكترونيات، والبرمجيات، والاتصالات، والتقنية الحيوية، وتقنية النانو، والخدمات المعتمدة على المعرفة وغيرها.

كما أوصى دكتور فتحي بالاهتمام بعناصر الاستدامة والتنافسية والعدالة لتحفيز الاقتصاد وتشجيع المكون البشري للشعب الليبي على منح أقصى ما لديه من جهد لصالح الوطن، فيقول: «أدت النشاطات البشرية والتنموية الى إحداث تقدم كبير في جميع مجالات الحياة وصاحبها تدمير كبير للبيئة ومواردها المختلفة وضربت البيئة في أهم خصائصها وهي مقدرتها على إحداث التوازن الطبيعي بين متغيراتها المختلفة ونتج عن ذلك جملة من المخاطر والمشاكل التي بدأت تهدد البشرية؛ لذلك تم الاتجاه للتنمية المستدامة والتي تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والمحافظة على البيئة من ناحية وحق الأجيال الحالية والأجيال القادمة في الموارد من الناحية الأخرى. والجانب الآخر من الاستدامة هو استدامة التنمية والتطور مع الزمن».

أما التنافسية فيفسرها بقوله: «إن المفهوم الوحيد الذي له معنى للتنافسية عند مستوى الدولة هو الإنتاجية، فالهدف الرئيسي للدولة هو إنتاج مستوى معيشة عال ومتزايد لمواطنيه، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بمستوى معقول ومتزايد من الإنتاجية التي تقاس بقيمة السلع والخدمات المنتجة لكل مواطن، وقد أدى هذا إلى التحول من الاهتمام بالميزان التجاري للدولة وعوامل الإنتاج إلى دراسة عوامل الاقتصاد الكلي والجزئي المؤثرة على الإنتاجية والتي تعد المحرك الرئيسي للتنافسية والنمو على المدى الطويل.

ولا تنجح الاستدامة والتنافسية إلا بمواكبة العدالة لهما والعدالة هنا تعني معاملة الجميع بالتساوي بموجب القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتعني إعطاء فرص متكافئة لأفراد المجتمع للحصول على التعليم والعناية الصحية وفرص العمل وتقديم الدعم للمحتاجين من خلال توفير التعليم والتدريب المناسب على الوظائف وتوفير رأس المال (عن طريق الإقراض) وتوفير الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والعناية والحماية الاجتماعية بشكل عام».

______________________

نشر بموقع بوابة الوسط

مقالات ذات علاقة

الكلب الذهبي يستنطق أبعاد التاريخ

مهند سليمان

قصائد الشاعر (أحمد قنابة) كما أعدها (الصيد أبوديب)

يونس شعبان الفنادي

القاص سعيد خيرالله وفتات من خراب الذاكرة

حسين نصيب المالكي

اترك تعليق