من أعمال التشكيلية سعاد اللبة
طيوب النص

لو إني

من أعمال التشكيلية سعاد اللبة
من أعمال التشكيلية سعاد اللبة

 

أفكّر لو أنّي في ذلك اليوم الّذي تعثّرتُ فيه بك مصادفةً، أغلقتُ صدري على قلبي، واستبدلتك بقطعة موسيقيّة ساحرة مثلك، ما هو الإختلاف الّذي كان سيحصل؟

أباشر في الطقطقة على جدارٍ أزرق، محكوم بالخرس، كانت شغلته الوحيدة هي إعادة تدوير ما يدور في أذهاننا وتحويلها إلى ما يدور على الواقع.. هكذا بمنتهى البساطة وبهذا العنف، كان يحاكي داخلي كأمٍّ تستدرج طفلتها لتعترف لها رغمًا عنها بما يحدث داخل دورة المياه، بما يحدث داخل العزلة والإلتفاف حول النفس واكتشافها والسرّ الّذي يجتاح الشخصَ قبل أن يفكّر في أيّ صندوق في رأسه يمكنه أن يدفنه.. ما أقسى أمومة الحياة، كيف أنّها لا تبالي بالإجابات المقتضبة والتلميح واحمرارنا وسخونتنا، وأنّها متسلّطة للحدّ الّذي تريد فيه الكشف عن كلّ شيء، حتى عن نيّة قتلنا.

تدور في ذهني أسئلة كبيرة، عن شكل الحياة بدونك، وشكل الحياة قبلك، وشكل الحياة بعدك، ولم يكن عليَّ أبدًا أن أسأل ولو مرّةً عن شكل الحياة معك. ربّما هو يشبه الشعور بالفضول لما يحدث في الموت والمقرون بالريبة والخوف من الخلود هناك، ربّما سأسأل هذا السؤال حين أتأكّد من أنّي إذا جرّبتُك سيكون لي حقّ العودة إلى ما كنتُ عليه، إذا لم أجد مساحةً كافية أتعرّى فيها هناك دون ان تتربّصني حكمٌ تافهة عن ستر الحبّ.

أفكّر لو أنّي في ذلك اليوم، كنتُ مشغولاً للحدّ الّذي لا أكترث فيه لأشياء متغطرسَة كعينيْك، وكان عليَّ بدل محاولاتي التفاهم مع جنيّاتك التي تسطوا على خلوتي بمنتهى المكاشفة، أنّي سخرتُ منك ووضعتك في ورقة هشّة، وقدّمتك قربانًا للشعر المتعطّش للخفّة، أو لأيّ قصّة أدفنها في أذان أصدقائي في المقهى أو في أيّ جدارٍ أرسم عليه لوحاتي السيّئة دون الشعور بالخجل.

أفكّر أحيانًا لو أنّي في ذلك اليوم مرضت، وأصبت بالحمّى الشديدة، ممّا دعاني لعدم إجهاد نفسي في التفكير، مالّذي كان سيحصل؟ هل سأتفاجئ بإكتشاف علاقة قديمة بين الحبّ والحمّى؟ هل سيكون عليَّ أن أقدّم للعالم دراسةً موضوعيّة على مرضٍ اسمه الحب؟ وحين يسألني الطبيب، عن أيّ شيءٍ فعلته لأصاب بالحمّى ، فهل سأخبره: لأنّي كنتُ ولازلت أسبح في عين جميلة وباردة؟

مقالات ذات علاقة

بوح لا يخصك

المشرف العام

بوحُ القاع

عبدالسلام سنان

أفكار في سجون الكم

المشرف العام

3 تعليقات

مفتاح العمّاري 22 أكتوبر, 2015 at 14:54

بارع هذا الفتي
حقيقي وأصيل .
يلزمنا أن نصغي ….

رد
محمد الناصر 22 فبراير, 2020 at 21:40

عندما انتهيت من كتابة النص لفت انتباهي إسم الكاتب أنيس فوزي خطر على بالي إسم أنيس منصور و الأستاذ مفيد فوزي . و عندما اطلعت على بقية كتابات الأستاذ أنيس فوزي وصلت لقناعة شبه تامة بأني أمام شخصية تجسدت في شخصين أو شخص تجسد في شخصيتين . دمت مبدعا أستاذ أنيس . تحياتي

رد
المشرف العام 23 فبراير, 2020 at 06:11

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق