المقالة

لا للأدب النسوي!!

( 1 )

رغم كل التنظريات لفصل الأدب الذي تكتبه المرأة وسجنه في مصطلح “الأدب النسوي” إلا أنني استنكر هذا التمييز العنصري وهذا التعبير الظالم، وأرى أنه ينم عن عقلية ذكورية متخلفة لايروقها أن تكون المرأة شريك حقيقي وطبيعي في منظومة الإنتاج الثقافي وفي الحياة!..

 وإذا كان البعض يعزو ظهور فكرة الأدب النسوي في بلادنا العربية إلى التخلف المتمثل في مظاهر الكبت والحرمان والمعاناة التي تعيشها نساء الشرق، فما الذي يبرر ظهور مصطلح الأدب النسوي في دول تزعم أنها متطورة كالسويد والنرويج وايرلنده واميركا مثلاً؟..

ربما هو التخلف بوجه آخر، وثوب مغاير!، فالذكورية وسيطرة الرجل وديكتاتوريته واستبداده ليست حكرا على المجتمعات المتخلفة وحسب، بل ربما العكس ففي أدغال أفريقيا وغابات أسيا ستجد أكثر النساء تحررا وفاعلية على وجه الأرض، جنباً إلى جنب مع الرجل في العمل والغناء والرقص، يعيشون الحياة بلا عقد..

 وفي الجاهلية كانت الشاعرة الخنساء تصدح ببليغ الشعر وجميله مع قامات الشعر في عصرها ولم نسمع بالنابغة الذبياني مثلاً يصنف شعرها ضمن ” الأدب النسوي الحجازي “!!..

إن فصل الأدب الذي تكتبه المرأة عن الأدب العام هو استغراب رجالي مُعاصر واندهاش ذكوري أحمق، يحمل الإعجاب والكره معاً وكأنه من المفترض ألا تكتب المرأة رغم أن الفن في كيانه نزَّاع إلى اللطف والجمال والرقي والتهذيب وهن من صفات الأنثى أكثر..

 وهنا من حق المرأة أن تستغرب وتندهش وتعلن عن ولادة مصطلح ” الأدب الرجالي “!!..

… فسيولوجياً نظرا لاختلاف الخلق وبالتالي القدرة والتحمل بين جسد الرجل وجسد المرأة، أتقبل في الألعاب الاولمبية مثلا مبدأ الفصل بين سباق عدو رجال وسباق عدو سيدات، وفي كل الألعاب الرياضية الأخرى، لكن عندما يتعلق الأمر بمنتجات العقل والأداء الفني غير المرتبط بالجسد فلا ينبغي إلا ترك المسألة منصهرة في كيان واحد اسمه الإبداع الجمالي الإنساني، وربما يعتبرني البعض مبالغاً في طرحي إذا قلتُ إنني أمقت حتى الفصل بين الجنسين في المسرح والسينما والغناء فلماذا في مهرجانات المسرح والسينما يميزون فنجد جائزة أحسن ممثل وجائزة أحسن ممثلة، وأحسن مطرب وأحسن مطربة!!..

( 2 )

… ولأنني ممن يستهجنون الهروب من الواقع المحلي إلى الحالة العربية والعالمية، سأدخل مباشرةً إلى المسألة الليبية: أذكر أنني عندما بدأت غمار الكتابة في الثمانينات كانت الشاعرة فوزية شلابي من أسطع الأصوات الشعرية في البلاد وأكثرها تطقيساً للحرية على الحياة قبل البياض،… شيئا فشيئا تعرفت على نصوص فاطمة محمود وأم العز الفارسي وأسماء الطرابلسي وعائشة إدريس ثم خديجة الصادق وتهاني دربي، ولاحقاً سعاد سالم وحواء القمودي… آنذاك لم نسمع بمصطلح الشعر النسوي الليبي، كن يكتبن وكُنَّا نكتُب، كان الشعر الليبي والأدب الليبي وكانت مغامرة الحداثة جامعة الشعراء والشواعر إلى مدايات الحرية وممارسة الوطن والكتابة..

… هذا ما كان في أمس ليبيا الثقافي القريب، أما اليوم فأنني أرى أن الأرض خصبة لأن ينمو هذا المصطلح الخاطيء ” أدب نسوي ” فمع نهاية الثمانينات ومطلع التسعينيات سادت المجتمع بنسائه ورجاله مفاهيم جديدة وهي جاهلية دخيلة جعلت عجلة الحداثة تنمو فقط على الورق وتخبو وتضمر في الحياة فانتهى بنا الأمر اليوم إلى أن نرى أديبات يكتبن عن الجسد مثلاً وهن قاب قوسين أو أدنى من التنقب / النقاب الخارجي والداخلي..

… صرنا نرى شعراء “كبار” ونقاد قدامى وجدد يلتقفون أي ” صوت نسوي ” جديد ليكتبون عليه ويغررون به لمجرد غايات رخيصة أو في سبيل تهميش والغاء أصوات ” رجالية ” يرون أنه قد وجب طردها من الطريق لتخلوا الساحة لهم!..

… شكوت لصديق نزيه يشتغل في النقد عن تذمري من ظاهرة أو حمى كتابات الشعراء، عن الأديبات الجدد مهما على أو صغر شأن نصوصهن، خاصة عن ذاك الشاعر الذي نُحِب عندما في مطبوعة ليبية ” مرموقة ” أشاد بتجربة شاعرة واعِدة ومُجيدة مُصنِّفاً قصيدتها ضمن مصاف الشعر العالمي المُعاصِر!!.. فما كان من ذاك الصديق الناقد النزيه إلا أن انفعل في وجه دهشتي: ” يا أخي متى ستدركون معي أن (جماعتنا) عندما يتعلق الأمر بالبنات لا يكتبون بعقولهم بل من أماكن أخرى نعرفها جميعاً!!! “..

… وأعرِفُ شاعراً يشعر بأنه (كبير) ومتمرد وثلاثة أرباع قصائده عن الجسد والحرية وانطلاق المرأة وتحليقها!، كتب مقالات (نقدية) متفرقة عن شاعرة عربية وثلاث شواعر من ليبيا مسلطاً الضوء على روح التمرد -” التي بالكاد تُسمع “- في نصوصهن، ذات الشاعر منذ سنوات فاجأني في مهرجان المسرح يجلس جوار ابنته المراهقة المتلفلفة في الجلابيب والحجب، والمفارقة / الذروة عندما أمسك بيدها مغادراً قاعة المسرح لمجرد ظهور مشهد غنج خفيف وغزل لطيف بين بطلة المسرحية والبطل!!..

 إن أجواء خاوية مرتبكة كهذه صالحة لخروج أكثر عدد ممكن من التسميات ” الغلط ” في تاريخ ثقافتنا: شعر نسوي – أدب نسائي – أدب رجالي – شعر كليب – قصة كليب – شعر محكي – شعر عامي – شعر محشي – شعر شعبي – شعر رقمي – شعر عاري – شعر لابس! – نص مفتوح – نص مشفر – ووووووو… إلى آخر القائمة “الغلبانة” التي تنم عن بؤس الذائقة وتقهقر الجمال والرقي.

( 3 )

مع حركة المجتمع الذي ترك الثقافة – أو جعلوه يترك الثقافة والقراءة!! – في طريقه إلى الخبز واللهاث اليومي خلف المادة تغيرت أحوال الرجال والنساء على حد سواء فقلة هم اليوم الشعراء والشاعرات من يكتب كما يعيش ويعيش ليس بعيداً عما يكتب فأصبحنا نشهد كل صباح على صفحات الجرائد والمجلات، وعبر أثير النيت ميلاد عشرات المدعين ومثلهم من الزاعمات يكتبون في كل شيء إلا حقيقتهم وأوجاع محيطهم ويخوضون غمار كل الأجناس الأدبية والمحاور الصحفية فصرنا نعرف وجوه وأصوات، أسماء ونجوم، مشاهير وأعلام! دون أن نتذكر كلمة مما كتبوا هكذا مجرد واجهات، فترينات بشرية متنقلة، رغبات تافهة وغايات غرائبية خفية غالباً وواضحة أحياناً… (طلب مني أحد “نجوم الشعر” مؤخراً أن أسافر إليه في طرابلس لأشارك في برنامج “ثقافي” مُتلفز، وعندما اعتذرت استغرب: “كيف تضيع فرصة ثمينة تخرج فيها على الناس عبر التلفزيون!!”).. أي ناس؟!!…. يا لها من فرصة، يا لهُ من دأب، ويا له من أدبٍ ” رفيع ” يسعى إلى نجومية الميديا تُطلِقُهُ فقاعة صابون.

مقالات ذات علاقة

كيف تؤسس لمكتبة منزليّة

مصطفى بديوي

العلاقات حاجة

عائشة الأصفر

الصالونات الأدبية بين “الفيسبوك” وجدلية الواقع

سعاد الورفلي

اترك تعليق