شعر

كطفل يتعلم الكلام

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
من أعمال التشكيلي عادل الفورتية

 
كنت أبحث عن الضوء الذي سرقوه من وجه المدينة
مثل المغفلين الذين يحبون أوطانهم ويشتمونها
فوقعت في الحب وهربت حبيبتي كما تهرب الغيوم
وقعت’
كما تقع الذئاب الحذرة في فخاخ البشر
وكما يقع الذباب في صحون العسل
كنت أرى الرؤوس تقطف في محراب الله
أنهار الدم تجري في الشوارع وبين الحواري
والبنادق كانت مثل أعمدة إنارة مشوهة تحرس ليل الجبناء
كنت أبحث عن الوردة المكسورة الخاطر التي نمت بين شعب يغرق في الحروب العديمة
كنت أبحث عنك أنت
خلف الميادين
وعند باعة الذرة وأمام المستشفيات الآهلة بالجرحى والموتى
سألت عنك الفجيعة والدار الخالية
سألت الجنازة المهيبة
سألت عنك أمام المصارف
وسألت العصافير المذعورة
والمآذن الحزينة
ومراكب العابرين
لأخبرك قصة أخرى عن يوسف وأخوته
وكيف قتل قابيل نفسه
تعاقبت الفصول ونهشت الغربان والكلاب أكباد البشر
كنت أجهز لك خلف الحديقة
سلما إلى السماء
أبانا هناك الذي ليس الله يرسم لوحة للربة أثينا مشنوقة في سرداب
قلت لنقتل الحرب
ونمدح الركام
لنبن بيتا أوهن من بيت العنكبوت
لنقترب أكثر ونزرع في العراء يقطينا ونرش ملحا على هوامش الأيام
لنبن برجا من جماجم الأحبة كشاهدة على قبر فسيح
كنت أبحث عنك لأخبرك عن دم الأولياء كيف هو أبيض ونظيف
البخور زاد الملائكة
والماء
ماء الله وسره المكنون الماء كالروح
كالأنبياء الذين نسيء إليهم كل يوم
تعالي وقبليني أمام القتلة الذين يصبغون الألوان بالأحمر
أمام ساحات الإعدام الكثيرة
أمام السجون
أنا لا أجدك حقا
كنت أريد أن أخبرك عن رؤاي
رأيت الفاتحين العظام يبكون في حضرة الروح
ودم الأبرياء يسيل على وجوههم
والحسين يسقي كربلاء حديقة في الجنة
وزينب تصفح عمن خذلوه
والمسيح متجسدا في الخبز والنبيذ يعانق صليبه
والحلاج الذي راح فداء لنار الحقيقة
يغسل وجوه قاتليه
كنت أريد أن أقف على حقائق الأشياء
أقرأ الكون كما يقرأه الأطفال والمجانين
وأطلق عنان الأسئلة
لتعانق سماء الله دون خوف
مادام الله هو الله
وما دمنا نتجرع كل يوم ذل الوقوف والانتظار المهين
ونصمد أمام ارتال الليل بالسجود
ولما كان الجنود يؤدون أغنية بلا معنى والسماء كسفها الله
والجنرال يلعب مع الصغار بالأسلحة الثقيلة
والمدينة تبكي مثل الأشباح الهائمة
جماعات تسير نحو حتفها
ومصيرها الملعون
وتتسع رقعة الخوف
كانت أمي في هذا الوقت تعد خبز التنور في الجنة لأبي السكير في النار!!
ماذا تقول؟
أقول من يسأل الله
أين نجد قبرا لندفن هذه حرب؟
من يسأل الفلاسفة عن ضغائن نيتشه ومدينة أفلاطون الطبقية؟
يليق بهذه الأيام نعير الحرب
النفير أيها الناس
أرسلوا أولادكم إلى ساحات المجد والوغى
الله هناك بانتظاركم
هو بانتظاركم على أية حال
خذوا حذركم من كل صاحب فن وبدعة
تعالوا
هنا الله
يقول آخرون
هل يحب الله الحروب والدماء؟
ماذا يحب الشيطان؟
يحب الجنس والخيانة ويلعب في القذارة مثل خنزير وردي!!
وأنا أحب المدينة المنكوبة مساء
أجوب شوارعها كالدرويش أمسد على حيطانها وأسلم على عرصاتها
أربت على خوفها المكتظ
أحضن من بعيد أطفالها المشغولون بألعاب الحرب ودردشة الفيس
أحب امرأة واحدة ماكرة ومخادعة
اختفت كما تختفي الريح
وتفتنني العاهرات كلما عدن في الفجر يروعن من في القبور
أحب الرجال الذين مثل أبي
سكيرون وسمحون وخفيفون كالظل
اذهبوا للحرب
اقتلوا الآخرين واقتلوا أنفسكم إن كنتم على حق
أو جربوا مرة واحدة الانتقام في أنفسكم
ضعوا أحمالكم الكريهة
خوضوا التجربة المريرة ببسالة
اتركوا خبزكم وحليب أطفالكم وحقولكم وموتاكم
أنت مدع ومتزلف قال صديقي
قلت أنا مريض وأعد العمر جريرة وآثام
أنا الذي لم ير نفسه إلا في المرآة ويشتمها
يتهجى الحب
كطفل يتعلم الكلام
_____________________
من مجموعة (ما يتمناه المرء لغريمه).
 

مقالات ذات علاقة

تكبيرة

المشرف العام

شُــمُــوسٌ

جمعة الفاخري

شتائم

سميرة البوزيدي

اترك تعليق