من أعمال التشكيلي محمد بن لامين
قصة

قصص قصيرة جداً

لا خيار…

أزحتُ غبار السنين الماضية عن قلبي، دخلتُ القاعة مزهواً بميلادي الجديد. كان الجميع قدْ سبقني وأخذ مكانه. استقبلني اثنان، عرضَ عليَّ كلٌّ منهما أن أجلس بجانبه، مع ابتسامة عريضة ترفع شدقيه، مُعريةً  أسنانه الصفراء. غمرتني سعادة لا متناهية، فأنا ولأول مرَّة يحقُّ لي الاختيار: فإمَّا أن أكون غزالاً أو أكون غزالاً.

– أأنت من شيعتي؟

اعترضني السؤال، فأجبت:

– لا.

– إذن، أنت من عدوي؟

– لا.

أجبت بحزم، وأنا أتمسك بتلابيب حلمي في صلابة غير معهودةٍ فيَّ. ارتدى الرجلان ملامحَ معلمي منذُ الصفِّ الأول الابتدائي، وقالا بكثير من السُّخرية: إذن اجلس هناك، في ذاك الصفّ القصي، وابدأ النهيق.

*

سيرة الشوق

تستيقظُ مع كلِّ فجر، تفتحُ النافذة، تهمسُ للنور  المتسلل من خلف الجبل، وللأطيار والندى، ولشذا ياسمينة عجوز تتشبث بسور المأوى منذ سنين:

– أشتاقه.

تتوضأ وتُصلى وتدعو له، ثمَّ تذرفُ دمعاً يتوسل قربه. ينتفضُ قلبها فرحاً لطرقات الباب، تتغلبُ على ألم المفاصل وتعبِ السنين، تنهضُ مسرعةً، تستقبلها الممرضة بوجهها الملائكي:

– صباح الخير يا (حاجَّة)، هذا إفطارك.

– ألم يأتِ؟

– يا سيدتي.. ابنك مات منذ سنين، مات، مات.

تضع السيدة العجوز يدها على قلبها، قلبها يحدثها عكس ذلك، تنظر إلى الممرضة الشريرة:

– إذن خذي الإفطار، لن أنتظره، بل سأذهب إليه؛ لنفطر معاً.

*

أهل الكهف

اتخذَ مكانه عند مُدخل الكهف. حجبَ – بجسده الضخم الشمس والهواء، فتعطَّن المكان، حتَّى صارَ التنفس فيه مستحيلاً. ظلَّ يفرقعُ بسوطه في الهواء، فتهربُ العقول إلى النَّوم، وإذا تجرأ وتثاءبَ أحدهم، يقتلعُ لسانه، ويرميه لكلبهِ القائم عند قدميه. تبلعُ البقية ألسنتها، ويعودون إلى السُّبات الطويل. ماتَ الكثيرون من الاختناق. أمَّا الحالمون، فقد تسللوا تحتَ جنح فجرٍ صادق بعد أن تأكدوا أن العَظَمَةَ أسكرته. سرقوا سوطهُ وعلى أول شجرة مورقة شنقوه به.

مقالات ذات علاقة

خَـلـفـيّـات

أحمد يوسف عقيلة

بوك عمر

يوسف الغزال

المثلث

جلال عثمان

اترك تعليق