النقد

قراءة لنص (إغتيال شمعة) الشاعرة: سهام الدغاري

أفاق حرة

أيوب عمرو قاسم

ما اروع البيان وأصدق المشاعر

(أتمت أختناقها الثلاثين، تلك الشمعة التي أسلمت عنقها لليل) كلمات نازفة منذ البدء، بل من العنوان، مرثية للحظة كان ينبغي أن تكون أجمل ليالي العمر، وأحلى إيامه، إلا أن طغيان مجتمع ذكوري الثقافة، أبوي السلطة جعل تلك الليلة ليلة سرقة طفولة – وردة عذراء أنتزعت من حلمها (كان الأمر أشبه بانتزاع محارة من قوقعتها) لتزرع في أرض غريبة لا تشعر فيها بدفء ولا تجد حباً، ولا نصير الكل تحالف ضدها  (على مرأى من كل الأصداف الجاحدة)، كانت طقوس إجتماعية قبلية لكأنها طقوس مجتمعات بدائية عند تقديم القرابين إرضاء لأرباب وثنية (أفرغوا فوق رأسها سلال من تهاليل، زغاريد النوارس السوداء تصمُ نداء قلبها البكر) والبراءة تنتحب، تستنجد  (خرت دموعها ساجدة في محراب توسلاتها،حفرت أخاديد على وجه زينتها)، ترتجي غوثاً، من اقرب الناس إليها، من معارفها، من فارس ربما يأتي به القدر على صهوة الريح، ولكن لا غوث ولا مغيث.. (مدت كفها لظلها ،عله يقودها إلى حيث تهب قلبها  للريح)، هل لأهات وأنّات البراءة من صوت؟! هل لفتاة طفلة من رأي؟ وسيد القبيلة قال كلمته، وفارس من فرسانها ينتظر وقد أتي على صهوة جواده الاسود ليأخذ طليبته، وحليلته بعدما إنعقد مجلس القبيلة وشرعنوا له حق إمتلاكها، تحركت طواحين التقاليد للجم عنادها وكبريائها، وخنق صراخها الذي قد يفضح سوأتهم، ويلوث الشرف الرفيع بالعار إن هم تماهوا مع غوايها (وتصرخ بملء أشداقها فتلتهم طواحين الهواء صوتها، فلا عاصم اليوم ، ولاشيء يسد رمق طوفان الهلع الفاغر فاه)، مشهد عبثي ذاك الذي حدث يوماً حينما كانت طفلة عذراء سيقت بلا إرادة منها إلى جلادها، وفي سفر القبيلة كان عرساً، ومهرجاناً للفرح، كان بيعاً رخيصاً لكرامتها وأدميتها وحقها في إخيتار فارسها، ودون في سفر القبيلة عروساً، وزوجة مصونة تزف إلى عريسها زوجها النبيل، وتمت واقعة إغتيال الحلم، وإنتهاك البراءة، وسط دفء الطقوس، وحرارة الإحتفال ومهرجان باذخ الموائد والضجيج، وذات الشأن المتوجة (البراءة المستباحة) قربانا لفارس أحلام القببلة تئن بصمت، وجرحها يزداد غوراً وإلاما، مستسلمة صاغرة لجموع تزفها بلا هوادة دونما إرادة منها، يتيمة الحلم بلا إحساس غير آحساس القهر، باردة العواطف، مترفة الحزن (حضنت يُتْمها ،لفحها دفء بارد، أرتجفت ،أدركت أن هذا اليوم مترف الحزن)، إنها بحق مرثية (يوم تأبين طفولتها ،وإقامة سرادق حُلمها)

كلمات قاسية قسوة الحدث وصنّاعه، صرخة غضب وإدانة لمجتمع أبوي تباع فيه براءة الأنوثة دونما رقابة، ويغتال فيه حلم الطفولة دونما حماية، والجميع شارك  في طقوس إتمام البيع وحضور الإغتيال، وتبقى الضحية (الفتاة) لوحدها تبكي براءة انتزعت، وطفولة تبددت، وحلم أغتيل، وتمضي بها السنون وقد كبلت بأعباء عائلة وأطفال، وبداخلها حزن قار ودموع حرّة، وحلم مخنوق يقظ مضاجع أيام عمرها يريد التحرر والإنطلاق، ولكن حوله طوق من العادات والتقاليد والعيب والحرام ووو وحراس من اهلها وأهله والمجتمع والقانون فهيهات له أن يخرج إلا بخروج روح صاحبته إنه بحق (إغتيال شمعة)..


أغتيال شمعة

أتمت أختناقها الثلاثين، تلك الشمعة التي أسلمت عنقها لليل،كان الأمر أشبه بانتزاع محارة من قوقعتها على مرأى من كل الأصداف الجاحدة ،أفرغوا فوق رأسها سلال من تهاليل، زغاريد النوارس السوداء تصمُ نداء قلبها البكر،خرت دموعها ساجدة في محراب توسلاتها،حفرت أخاديد على وجه زينتها، مدت كفها لظلها ،عله يقودها إلى حيث تهب قلبها للريح،وتصرخ بملء أشداقها فتلتهم طواحين الهواء صوتها، فلا عاصم اليوم ، ولاشيء يسد رمق طوفان الهلع الفاغر فاه، حضنت يُتْمها ،لفحها دفء بارد، أرتجفت ،أدركت أن هذا اليوم مترف الحزن ، يوم تأبين طفولتها ،وإقامة سرادق حُلمها •

سهام الدغاري

مقالات ذات علاقة

البناء النصّي في شعر عبدالمنعم المحجوب (8) .. فاعلية بناء الإيقاع الداخلي

المشرف العام

جَدَل المكانِ والذاكرة عند أحمد يوسف عقيلة

سالم العوكلي

محاور تحليلية لدلالة الذات

عائشة بازامة

اترك تعليق