طيوب البراح

عندما كنتُ وحيداً

 

محمد عياد العرفي

تستدير بحضنها.. باحثة عن شيء ناقص بداخل منزلٍ قديم يسكنه الفراغ.. ممتلئ بذكريات العائلة..يتكون من عناق.. ودموع.. ووداع. يمسح الأحزان بكف الصبر.. ويبتلع مرارة السؤال.. كلما تكررت لماذا ؟ أيتها العجوز ( الحيــــاة ).. تفضي مرددة ببكاءٍ لا يسمعه الأحياء.. لا تشتكي سيدتي العجوز من شيء.. فقط تبحث عن رسامٍ أعمى يداعبها على ضلال الشمس.. فتتشكل لوحة امرأة عارية الصدر.. مكبلة اليدين.. لا يراها إلا مجنون” يحتضر.. فيتقدم نحوها بقبلة تلتمس الماضي والحاضر.. تنطق نعم !! أخذت الحكمة.. رغم جهل الجميع.. وترحل في الطريق..تقف.. تصافح.. تبتسم للضباب الأبيض.. تسأله:- أمازلت وحيدا ؟ يحتفظ بالإجابة.. كثيراً.. كثيراً.. فَيُطْرّح أرضاً بدموع المطر..تهطل إلى أن يدفن مع بدء التأبين في الصباح الباكر..على التلال..بين الجبال..أراه ُ.. أشاهده.

تغمرني الفرحة وهو يطل على أسقف المدينة.. يقول:- أنا قوس قزح..لقد قبلتُ الدعوة..ويختفي موارياً بضعة أسرار تكتم تحت أجفان البراءة.

تُطل سحابة خجولة.. تحمل على ظهرها كلمة حب.. وفجأةً تهاجمها غيمة سوداء.. تلاحقها فتعترف أخيراً – سأهجر حبيبي.. سأهجر المكان.

 تركته والغمامة تفرش الأرض ومن عليها. يئن جالساً يمد وجهه نحو نهر الذنوب.. يرى حقيقة الألم والشحوب.. يبكي متسائلا:- كم كنتُ عاشقاً أحمق ؟.. ويسمع همساتٍ تردد على طول الساعاتِ والأيام والسنين.. تقول:- لست وحيداً..نحن كذلك..نحن كذلك.. يقفز راكباً على ظهر النسيان.. وينطلق نحو الغد المجهول.. ويردد كم كنتُ ضعيفاً ؟ كم كنتُ وحيداً ؟ فيطوي الصفحة.. لكنه لا يصفح عن ما بدر منه يوما كان مقداره ألف لقاء..ألف وداع..ألف بكاء.. ويخاطبها:- ليتكِ لم تخترقي مشاعري..ليتكِ خرجتِ ذليلة..فأنتِ لم تقدرِ على تعذيبهم..ترد قائلةً:- من تقصد ؟ الزمن !! لا هؤلاء..الخونة بائعين الهوى..الحق علي..الحق على القلب التافه يفتح بابه لكل من دق وقال بشغف.. استأذنك حبيبي لو سمحت !!.. أن تعطيني مكاناً أضع فيه الكذب والخداع.. تفضلي مزقي الأوردة والعروق..واسحبي أخر قطرات الهواء اليتيم..وأغلقي باب العبرات جيداً..آه..آه ,,, يا ويلتاه مِن الأتي ؟ ماذا وراء هذا البرق ؟ الذي يجعلني أتنفس , أتحرك من جديد!!.. بعد طول الانتظار.. اهو الأمل ؟ اهو النجاة ؟ اهو الرحيل ؟.. وبعد لحظاتٍ عصيبة.. تفتح نافذة الحاضر , متكدرة , كئيبة.. تعاتب كعادتها.. لا تثق بالمستقبل.. تراهُ داكنٍ معتم الرؤية.. كتوم غير قادر على كشف النوايا.. وكأنه بقايا رجل لا يتمثل إلا في صورة التوقع.. فيخدع مرةً أخرى.

هو يتوقع , وأنت تتوقع ,..والــــواقع لا يتوقع.. بل يفــرض نفــسه.

____________________________

*نشر سابقا في صحيفة قورينا

مقالات ذات علاقة

هــــرج

المشرف العام

توقف أيها الإنذار اللعين

المشرف العام

مَدَّ

المشرف العام

اترك تعليق