حوارات

علي جمعة اسبيق: الرواية حياة أخرى أصنعها بنفسي

حوار/ حنان على كابو

الكاتب علي جمعة اسبيق: ”الرواية حياة أخرى أصنعها بنفسي“.. ”يمكن للكاتب أن يقول الحقيقة، فقط ليحافظ عليها“.. ”كل شيء يدعوني لكتابة قمر“.. ”أكتب لأضع رأسي دون تأنيب“.. ”النشر الالكتروني متنفس ولو للصراخ المؤقت“.. ”الكاتب مرآة تسرق لب المجتمع وتزينه لتبيعه على أرفف المكتبات.. ”أكتب للطغاة والمستضعفين على حد سواء“…

القاص والروائي علي جمعة اسبيق

يهيم الكاﺗﺐ ﻭالشاعر ﻭالقاص والباﺣﺚ علي جمعة اسبيق في فضاءات الحكاية، يقدم نصه حياديا، يسرد من باطن الأرض، من البطوم والشماري والوادي من عيون السهل والجبل والحيوانات، يعتني كثيرا بالأمكنة في كتاباته…

ولد في (الابرق) ليبيا.. وهو حاليا طالب الدراسات العليا بقسم اللغة العربية (أدبيات) بجامعة (محمد بن علي السنوسي). تخرج من قسم اللغة العربية (جامعة عمر المختار – القبة). يعمل معلم لغة عربية…

بدأت علاقته بالكتب منذ الصف الثالث من المرحلة الأساسية بكتاب اشتراه من أحد الأسواق العامة.. عشق الكتب حتى اصبحت لديه مكتبته الخاصة…

نشر ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﺻﺤﻒ.. ﻟﻪ ﻋﺪﺓ ﻃﺮﻭﺡ ﻟﺤﻞ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻭﻗﻀﺎﻳﺎ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻛﻄﺮﺣﻪ ﻟﺤﻞ ﺇﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ.. صدر له (إلداد) مجموعة قصصية عن (دار أفتار) بمصر عام 2018، (روح قمر) رواية عن دار إرفاء بجدة…

ﻟﻪ ﻋﺪﺓ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎﺕ: (ﻛﺸﻚ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ ﺷﻌﺒﻴة، (ﻧﻴﺮﻭﻥ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺼﺼﻴﺔ، (ﺍﻟﻜﻨﺰ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺼﺼﻴﺔ، (بوزقراب) مجموعة قصصية، (ﺍﻟحشاشين) ﺭﻭﺍﻳﺔ…

الرواية مرثون كبير

الكتابة لدى علي اسبيق هاجس، رغبة، شهوة، كأي شهوة يجب أن تشبع، فهو يكتب لنفسه، لمجتمعه، لبيئته، وللطغاة والمستضعفين على حد سواء “أكتب لأنني لم أكتب وأريد حقا أن أكتب“. جاء لعالم القصة من باب وصف المحيط الذي يدور حوله “كنت مولع بالسرد فقط، لم أكتب القصة الهادفة إلا بعد فترة من سرد التراث، تطور الأمر لأولع بالقصة، أهيم في فضاءات الحكاية، ربما لأني كنت أستمع لأمي وأبي وعمي وخالي، لقد ولدت في مجتمع يتقن السرد، يتلق الحكاية ويلقمها للجيل الذي بعده، لطالما ركزت جيدا وأنا اغمض عيوني واستمعت أكثر مما أتساءل، لذا اولعت بالقص أولا، ثم بالرواية ثانيا، الرواية أعطتني مرثون كبير أجري فيه تدريباتي واحماءاتي وأركض لأسابق نفسي أتحدي لغتي، أختبر صبري وقدرتي، الرواية حياة أخرى أصنعها بنفسي“.

الأمكنة تتحدث كثيرا

يرى اسبيق أن المكان عامل مهم ومن أهم العوامل على الاطلاق فالروائي يتأثر جدا بمكان ميلاده ومكان عيشه وكل مكان يمر عليه سواء مكث فيه أو عبر سبيله من خلاله “لذا أقول من الإنصاف أن أعتني بالأمكنة في كتاباتي، الأمكنة تتحدث كثيرا، وتقول الكثير، الأمكنة تعني لحظات كانت هنا وأشخاص مروا من هنا، أمم وأناس وحضارات، الأمكنة إرث، يجب أن يدون كل كلمة تخرج منه“.

نص حيادي

ابتعد اسبيق عن التحيلات التي قد تربك الحبكة،ولم يستعمل أي من أساليب السرد المعتادة، وفي هذا الصدد يقول: “لا يمكن أن أفرض علي إسبيق على القاريء، علي إسبيق نكرة، مزاجي، قد لا يروق لأي شخص، لذلك يجب أن افصله ورأيه عن القاريء، وأقدم نصا حياديا قدر الإمكان، أنا أسرد من باطن الأرض التي تدور فيها الرواية، من البطوم والشماري والوادي من عيون السهل والجبل والحيوانات، لأنها شاهد عدل، ولا تفق إلا في صف الحقيقة السردية للموقف الحال، ولا استخدم سلطة الكاتب، فقط لا أتدخل في سير الحكاية هذا كل مافي الأمر“.

جسد الحقيقة

تطرق اسبيق إلى الصراع الأزلي الداخلي والخارجي للإنسان جعل من قلمه آداة للمواجهة وحول ذلك يقول “يمكن للكاتب أن يقول الحقيقة، فقط ليحافظ عليها، دون انتظار أي انتصار، ستبقى الحقيقة صامدة، تواجه أي محاولة للالتفاف عليها وفي الكتاب ستفرض نفسها ولو بعد حين، عندنا مثل شعبي يقول: (كلام الحق وجاع)، أنت دائما في مواجهة عند قول الحقيقة، ربما سيكسر قلمك لكنه كما النحلة تموت بعد أن تغرس آخر دفاعاتها في جسد الحقيقة“.

روح قمر

وعند سؤالي عن بطلة روايته “قمر” التي لم تنطق بحرف واحد، وهي نقطة تحسب للكاتب ولامكانيته السردية والتي تدل على تحكم كبير في حوصلته اللغوية وامكاناته اللفظية؟ يقول: “قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29)}.. لم تتكلم مريم عليها السلام ولم تبرر لهم، لأن الحدث فوق مستوى التبرير، فمهما قالت لن تصدق، كذلك قمر وحالها لاجدوى من نطقها، في مجتمع لا يصدق الإناث فقط لأنهن إناث، كل قمر مهما كانت محقة مخطئة عندهم مهما تحدثت وأقسمت ودللت، لذلك لم أرهق بطلتي في الحديث يكفيها مالقته من مجتمعها“.

رواية روح قمر لعلي جمعة اسبيق

ليبيا حدث معين

وعن سؤالي عن وجود حدث معين حفزه لكتابة “روح قمر“ أجابني قائلا: ” ليبيا، حدث معين، الحرب حدث معين، النساء حدث معين، كل مؤنث حدث معين، الانقسام، العوز، العادات، كل شيء يدعوني لكتابة قمر“.

هل يمكن تصور أن الكتابة هاجس لدى اسبيق؟

”الكتابة لدي مسؤولية، ثقل، رسالة يجب أن تصل، معاناة علي نقلها بشكل لا يمس جوهرها، أنا ملزم بصياغة قصة أو مقال، أو مقولة، او نقد ساخر يمس قضية أرملة، أو جندي، أو مدينة، أو سلوك، لا يمكن أن أقف متفرجا، مسؤولياتي ككاتب تحتم علي سرعة الكتابة لأضع يدي على الجرح، ليصرخ أهله، أو لأصفع احدهم لعله يستفيق، أكتب لأضع رأسي دون تأنيب“.

في ظل الانشغالات اليومية وصعوبة النشر الورقى من قبل الدولة نظرا لتوقف دعم حركة النشر، هل أصبح السبيل الوحيد لدى المبدع النشر الالكتروني؟

”يظل النشر الالكتروني متنفس ولو للصراخ المؤقت، للتجربة، لعرض بعض هواجسنا، لكنه ليس حقيقيا، على الإطلاق ليس كذلك، هو افتراضي بكل مقاييسه، من مدح وذم، لايغني عن النشر الورقي، الذي نام أهله نومة أهل الكهف غير أنهم لن يستفيقوا ابدا“.

ماذا تفعل الآن كروائي وقاص، أين يقف مشروعك الإبداعي، هل بدأت بتحقيق أولى خطواته؟

”الحقيقة أنجز بعض الروايات والمجموعات القصصية، كما اني أصارع الحياة كأي ليبي، أعمل معلما وبعد انتهاء دوامي أعمل في التجارة كمدير مبيعات أتجول بين المدن والقرى ألتقط الحكايات وأرى العلل والمصائب التي تلاحق افراد الشعب في كل شارع وزقاق، لأعود مساء وأسب سلسفيل الحكومة“.

القصة القصيرة فن مراوغ، هل يمكن القول أنه أحاط بكل قضايا العصر؟

”القصة القصيرة فن جمع شتات محبيه، أحاط ببعض قضايا العصر، لكنه لم يحط بها كلها، قضايانا وحدها تحتاج للقصة والرواية والشعر والنثر من خطب وامثال وحكم لتعالج جزء من هذه القضايا، لايمكن لأن تنفرد القصة بالاحاطة وحدها“.

قلت في حوار سابق بأن الكتابة جنون.. ألم تشعر بالخوف من هذا الجنون؟

”الحقيقة كنت أخاف من أن أكون مجنونا، لكن بعد دخولي في مرحلة الجنون تيقنت أن كل كذب العاقلين عنه ليس صحيحا“.

غلاف رواية إلداد.
غلاف المجموعة القصصية إلداد.

عندما تكتب هل تتلبس بالتناوب أدوار أبطالك أن جمهورك بصيحات اعجابه،ألا ترى أن الكتابة تثقل كاهل الروح والعقل؟

”جدا، بالأخص عندما اكتب الرواية، أشعر بأني تحولت لشخوصها، فاضطرب نفسيا، وأتوه، وأغرق في التخميم والحزن، واصبح شخصا لايطاق“.

في روايتك ”روح قمر“ لازال المعتقدات السائدة الخاطئة، لازال الخوف من اعين الناس، لازالت الخطيئة تمارس قذارتها.. متى يمكن للكاتب أن يتعدى دوره من كشف المستور إلى معالجته؟

”الكاتب ليس مسؤولا في وظيفة في الدولة، وليس صاحب دين، يعالج الأمور، الكاتب مجرد واش، يشي بالسلبيات والكوارث والأحاسيس، وليس من مهمته إصلاح شيء منها، وإلا فقد حاد عن وصفه بالكاتب وصار مسؤولا في وظيفة أو متملق متطفل“.

قرية الحشاشين إحدى مخطوطاتك حدثني عنها؟

قرية الحشاشين هي سيرة شاب صادقته بعد أن رجع لجادة الصواب، كان يسرد علي في تجربته، لأجد نفسي قد صغتها، لأن شبابنا على شفى حرف هار، ونحن نراقب، وندعي أننا لا نتدخل في خطيئتهم، بينما نحن سبب بشكل ما في وجود قرى للحشاشين.

هل حقا يمارس الكاتب نوعا من اللصوصية على المجتمع؟

”الكاتب مرآة تسرق لب المجتمع وتزينه لتبيعه على ارفف“.


السقيفة الليبية، الإربعاء 5 فيراير 2020

مقالات ذات علاقة

الباحث عبد الله السباعي : التسيس ساهم في اختفاء خصوصية الأغنية الليبية

مهنّد سليمان

الكاتب منصور أبو شناف/ بين النقد وترحاله مع القلم

المشرف العام

شاعرالمحكية الصيد الرقيعي.. الشعر الشعبي: وصل إلى طريق مسدود

المشرف العام

اترك تعليق