حوارات

علي الطويل: المدونات الليبية في السابق كان لها وزن وتأثير ومتابعين كثر!!!

حاوره: رامز النويصري

المدون علي عامر الطويل

ترجع علاقتي به إلى بدايات علاقتي بالإنترنت، بالتالي كنت من متابعيه خاصة بعدما أنشأ مدونته الخاصة (طرابلسي)، التي تنوعت موضوعاتها بين الاجتماعي والثقافي والتقني، ومع دخولي عالم التدوين وعلاقتي بأخيه المهندس “عبدالحكيم الطويل” توطدت العلاقة، وصرت ألجأ إليه عند تعرضي لأي مشكلة تقنية.

هذا ليس الحوار الأول لي معه، ولن يكون الأخير بإذن الله تعالى!

لكني في هذا الحوار، أحاول استدراك ما تبقى من عالم التدوين في ليبيا.. لذا أعاود اللقاء بالصديق “علي عامر الطويل” من جديد..

مرحبا أخي علي، اسمح لي بداية أن أسألك: أين ذهبت المدونات الليبية؟

المدونات لاتزال موجودة، هي هناك، خارج الفيسبوك وتويتر وغيرها، أنت فقط تحتاج لأن تستعمل محرك بحث قوقل وتكتب اسمها لتظهر وتتصفحها، ولكن أغلب أصحابها توقفوا عن الكتابة فيها، وهناك من نسيها تماماً، ولا استثني نفسي من هذا، فقد أبقيت فقط على المواضيع المهمة جداً وصار معظم تفاعلي على منصة الفيسبوك خصوصاً، وعلى مر السنوات، عند قراءة إحصائيات مدونتي أرى نسبة القراءات تنخفض باستمرار، وقد فسرتها في البداية على أنه سوء جودة عملي، ولكن بعدها اكتشفت السبب الرئيس لانخفاض ونزوح القراء.

في رأيك، ما هي الأسباب؟

الفيسبوك بعد سنة 2011 خصوصاً صار هو الوجهة لكل الليبيين، حتى أن هناك فئة كبيرة من الناس لا تعرف الإنترنت خارج الفيسبوك، وتعرف فقط أن الإنترنت هي الفيسبوك، والإيميل هو حسابك على منصة الفيسبوك، ومنهم الكثيرين من يفزع عند رؤية أي رابط يقود لخارج المنصة مهما كان لونه ونوعه، أحياناً خوفاً من اختراق “ايميلها” وسرقته، وفي أحيان أخرى هو مجرد كسل لأن منصة الفيسبوك مكان واحد فيه كل شيء، فهو لليبي كالإنترنت المصغر لا تحتاج الخروج منه، ففيه الفكاهة والخبر والتواصل والسياسة وبيانات الحكومة والعطلات وعروض العمل ومجموعات التصليح والطب والكهرباء والإشاعة والفضيحة والطبخ وكل ما يخطر ولا يخطر على البال.

دعنا نعود للمدونات، أين ترى هي أهمية المدونات؟

حرية التعبير فيها وتنوعها وأسلوبها وطريقة تركيبتها من ناحية ارشفتها وسهولة تصفحها والوصول إليها من مختلف انحاء الإنترنت خلافا لباقي منصات التواصل الأخرى التي بنيت للتواصل بين الأصدقاء وبين الماركات والمنظمات ومعجبيها فقط.

المدونات هي مساحة خاصة مختلفة عن صفحة المعجبين أو الصفحات الشخصية والتي تتبع سياسة المنصة التي تحتويها والتي فيها ما قد يتنافى مع قيم ومعايير مجتمعنا الليبي.

وما الذي يمكن أن تضيفه المدونات للمشهد؟

يمكن للمدونات أن تقوم بوظيفتها في نشر المعلومة والفكر والخبر، الشيء الذي تحاول منصات التواصل الاجتماعي أن تكونه بلا جدوى، فالمدونات يتم ارشفة مواضيعها بسهولة عن طريق وسوم وتواريخ وتصنيفات، فيسهل الوصول إليها والبحث فيها وتصفحها، كما أن المدونة يمكن أن تحتوي على عدة كتاب ضمن فريقها، فيتم سرد الكتابات فيها عبر فقرات مزينة بالصور كمقالات الصحف خلافاً لمنشورات منصات التواصل الاجتماعي التي تظهر وتختفي وعند محاولة البحث عنها تضيع وسط الزحام وتحت ركام المنشورات الأخرى التي يقترحها عليك الذكاء الاصطناعي لمنصة التواصل الاجتماعي مخفياً كذلك منشورات أخرى يعتقد هذا الذكاء أنك لن تهتم لها.

بالإضافة لتنسيق المدونات وتركيبتها البرمجية، يمكن للمدونات أن تتجاوز مقص الرقيب ومعايير مجتمعات تلك المنصات، فالمدونة الخاصة لديها معاييرها الخاصة كذلك والتي لا تحكمها ثقافات ومعايير مجتمعات أخرى التي قد تسمح بالطالح والصالح حسب تقييمها الخاص الذي عادة يخالف معاييرك حول ما هو الطالح وما هو الصالح بحجة حرية التعبير واحترام أفكار الغير، فما تراه أنت رذيلة تراه تلك المعايير حرية تعبير، وما تراه أنت حرية تعبير، تعتبره تلك المعايير حوار كراهية يجب قمعه.

سؤالي هنا: هل حققت المدونات الليبية أو أحدثت أي تأثير؟

في نظري، المدونة لازال لها وزن وقيمة لممن يعرفون ما يعني أن تكون كاتباً على الإنترنت، فالمدون يوماً ما كان شخصاً مهتم لنشر معلومة أو قيمة أو فكرة ما، خلافاً لما صارت عليه منصات التواصل الاجتماعي التي يستميت فيها الكثيرين للأسف لنشر ما يحلوا لهم من محتوى في بحث محموم لمعجبين أكثر، الشيء الذي لم يكن موجوداً قبل عشر سنوات على الأقل، وهؤلاء يغطون على صانع المحتوى ممن يبحثون عن الجودة لا الكم، فاختفوا تحت ركام الناشرين الآخرين.

المدونات الليبية في السابق كان لها وزن وتأثير ومتابعين كثر، ولها تأثير على ارض الواقع، لكن اليوم لا أرى لها دور فعال، وذلك لأنها بلا جمهور فعال يرد ويضيف وينتقد ويدعم.

طالع أيضاً: التدوين الليبي كإعلام بديل – 1 (المدون علي الطويل)

سؤالي الآن: هل سحبت منصات التواصل البساط من تحت المدونات؟

المواطن الليبي اليوم لا يجد في نفسه الوقت والجدوى من قراءة مقالات طويلة، هذه نتيجة وصلتها بنفسي من خلال تفاعل حقيقي مع منشورات طويلة قمت بكتابتها كتجارب مجتمعية، عدا تلك المواضيع القليلة المهمة لحياة المواطن الليبي والتي تتعلق بالكهرباء والمولدات، فتجد التفاعل حتى وإن كانت طويلة ومملة، لأنها تجد اهتمام جوهري في عمق حياة المواطن الليبي، ولكن للأسف القارئ يجد أيضاً محتوى غزير أكثر من محتوى مدونة واحدة على منصات التواصل ومن أشخاص كثر، فينجرف وراء منشور تلو الآخر وفيديو تلو الآخر مضحياً بقيقات باقة الإنترنت لديه وراء تمضية وقت قد ينسيه هموم مولد الكهرباء وسيولة المصرف والمستقبل المجهول.

منصات التواصل الاجتماعي وذكائها الاصطناعي تم تصميمه لإبقائك على المنصة لأطول قدر ممكن، لأنك مستهدف بالإعلانات والتي طالما بقيت على المنصة فستظهر لك أكثر وبالتالي تحقق مكسباً لمالكي تلك المنصات.

لماذا؟

أنت كمدون تنافس قوة مجهولة لا تكل ولا تمل هدفها الوحيد هو ابقاء القارئ على المنصة، لهذا يمكن للمدونين الاستمرار في مدوناتهم واستغلال منصات التواصل لبناء علاقة بينها وبين القراء، يمكن أن تضع هذه القوة المجهولة التي لا تكل ولا تمل لصالحك، وعن نفسي أكتب المقالات المهمة في المدونة وأنشرها على منصات التواصل الاجتماعي، ولكني أكتفي بالمنصات فقط للمنشورات القصيرة والسريعة.

منصات التواصل الاجتماعي جعلت من نفسها مكان مركّز يتواجد فيه أكثر عدد ممكن من الناس ويمكنك كصاحب مدونة أن تستهدف هذا المكان بمنشوراتك واستغلاله لنشر أفكارك، ولكن حذاري من معايير مجتمع هذه المنصات ومحاولتها حجب منشوراتك من الوصول لكل من في المنصة، وربما عليك الاستثمار مادياً في إنشاء إعلانات ممولة لتصل لأكبر قد ممكن، فتستغل هدف المنصة لصالحك.

صفحات المعجبين على منصة فيسبوك تحديداً مستهدفة من قبل معايير المجتمع، وحتى وإن كان لديك 50 الف معجب، فستجد أن منشوراتك لا تصل حتى 500 شخص بدون إعلان ممول، وهو ما يتم تفسيره باستغلال أو سحب بساط، ولكن لو جعلت هذا العدو صديقاً لك، فهو وسيلة مضمونة لإيصال أفكارك عن طريق إعلان ممول واحد.

ختاماً: هل من الممكن أن تعود المدونات من جديد؟

في ليبيا؟ لا أظن ذلك، فبينما العالم يعلم جيداً سيطرة وتجسس فيسبوك وباقي منصات التواصل وتحكمها فيما ينشر عليها وما يتم ايصاله للناس وما يتم حجبه، وبالتالي التأثير على مزاجهم وإحداث خطر أكبر وأعمق في المجتمعات، نجد الليبيين لا يعلمون أن تفاعلهم المكثف في الفيسبوك فهم يدعمون من يتحكم في مزاج البلاد ويؤثر في ردود أفعالهم على ارض الواقع، وهذا ليس بخيال بل واقع تمت تجربته في انتخابات أمريكا التي أفرزت الرئيس دونالد ترامب.

بغض النظر عن هذه النقطة، ربما من الممكن أن تتكامل المدونات مع هذه المنصات وتصبح صديقة لها وتستغلها لصالحها، حينها ربما قد تعود ثقافة تصفح المدونات خارج الفيسبوك، لكنه امر يحتاج لجهد جماعي ومكثف من مختلف المدونين على منصات التواصل الاجتماعي، وبدلاً من نشر المقالة بالكامل على المنصات ربما نكتفي بمقتطف التدوينة مع صورة ورابط للمقالة، والدعوة لقراءتها والتفاعل معها.

الفكرة هي في نقل التفاعل من داخل الفيسبوك إلى خارجه وهو امر صعب صعب جداً في رأيي لأن تلك القوة المجهولة لديها جيش من المبرمجين صنعوها لتصبح وحشاً لا يكل ولا يمل حتى يعتصر من وقتك كل ما يقدر عليه، مهما كلف الثمن!


علي عامر الطويل، مواليد 1978، ليبي الجنسية والمولد، أهوى التصوير الضوئي، الرسم، القراءة، وأهتم بالتدوين، أفلام الخيال العلمي ومتابعة التقنية ومستجداتها، ثقافتي إدارة، وبكالوريوس برمجة وتحليل نظم، بالإضافة لشهادات أخرى من مؤسسات عريقة مثل Certiport, Cisco, Microsoft, CompTIA وغيرها، وأعمل حالياً مديراً لقسم أمن المعلومات في مصرف ليبي خاص، وللتواصل المباشر: https://t.me/alitweel

مقالات ذات علاقة

محمد عبدالله: هل مازال ثمة وقت لممارسة الحياة العادية دون شعر؟

المشرف العام

الباحث مصطفى رجب يونس:بالبو كان الحُجّة النموذجية لتبرير ظاهرة الاستعمار

مهنّد سليمان

أبوشويشة: أتشرد مثل صوفي سكران بعناقيد النجوم

المشرف العام

اترك تعليق