المقالة

عقيدة بني معروف ـ الوجه والقفا

ليس من السهل الحديث عن عقيدة بني معروف أي الموحدون الدروز ، لأنها ليست كسائر العقائد التي تعتمد على الدعوة والتبشير، ولها أركان وطقوس علنية، إنها عقيدة باطنية منطوقها غير مفهومها وظاهرها غير باطنها ، ذات طابع فلسفي صوفي غنوصي ، تستند في أدبياتها وأحكامها على مجموعة من النظريات كنظرية الحلول والتقمص والتناسخ والتقية والرجعة ، كما أنها تعمد إلى التأويل الباطني للنص المقدس ، ويمكن القول إنها خليط عجيب من ديانات وفلسفات مختلفة إسلامية ومسيحية وهندوسية وإغريقية ، وهي خاصة بالدروز دون غيرهم من الأمم ، فلا يجوز لغير الدرزي اعتناقها ، وحتى الدرزي من عامة بني معروف لا يجوز له قراءة كتب العقيدة وأداء شعائرها إلاَّ بعد أن يتخلق بأخلاق الشيوخ ، ويسلك مسلك الأجاويد والعقال في التعبد والتنسك . (1)

إلى جانب هذا فإن قلة المؤلفات التي تشرح وتكشف بجلاء أسس وأركان العقيدة الدرزية ، والاضطراب في المعلومات التي تعرضها هذه المؤلفات يحول دون تقديم صورة واضحة عما يعتقده بالضبط الموحِّدون الدروز .

إن كثيراً من شيوخ الموحِّدين وكتَّابهم والمطلعين على كتب عقيدتهم يصرِّحون علناً بأن الدرزية إنما هي مذهب إسلامي كسائر المذاهب الإسلامية الأخرى، لكنهم لا ينكرون تعارضه في الأصول والفروع معها ، فالشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل الطائفة الدرزية في لبنان في أواخر القرن الماضي يرفض رفضاً قاطعاً تعبير(الدين الدرزي) ، فالدرزية في رأيه مذهب إسلامي، وهو ما ذهب إليه أيضاً الدكتور سامي مكارم وعبد الله النجار ، وهما من أوائل الدروز الذين كتبوا عن العقيدة الدرزية . (2)

كذلك يؤكد الشيخ الدكتور أنور فؤاد أبي خزام أحد شيوخ الموحِّدين في لبنان اليوم أن الموحِّدين الدروز يستمدون معظم تشريعاتهم وأحوالهم الشخصية من المذهبين الشافعي والحنفي (( وفي التشريع والأحوال الشخصية يبقى الموحِّدون الدروز في قلب الإسلام ، فهم في حلب على المذهب الشافعي ، وفي لبنان على المذهب الحنفي، صحيح أن هناك بعضاً من التشريعات الخاصة التي تختلف عن المذاهب الإسلامية الأربعة، لكنها قليلة جداً ولا تتعلق بالأساس)) . (3)

لكن ثمة فريقاً آخر من الدروز ينفي تبعية العقيدة الدرزية للإسلام ، ويصر على أنها ديانة استقلت عن الإسلام منذ القرن الخامس الهجري ، فالزعيم كمال جنبلاط يعلن أن الدروز اعتنقوا اليهودية والمسيحية والإسلام ، ثم تحولوا عن الإسلام إلى دين آخر مستقل يسمى (الدين الدرزي) .(4)

ويؤكد مؤلفو كتاب ( بين العقل والنبي ) أن الدروز مهما حاولوا (( اعتبار الدرزية مذهباً يضمه الإسلام أو ينتمي إلى الإسلام بشكل من الأشكال فهو بالحقيقة من قِبل التقية واتقاء الخطر . الدرزية دين مستقل تمام الاستقلال ، يقوم على أركان خاصة ، له كتابه المقدس ، وعقيدته ونظرته إلى الكون وفرائضه ومناقبيته وطقوسه وأنبياؤه ، وكلها لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة ، وهذا ما لا يريد المسلمون تصديقه ، ولا الدروز يريدون الإقرار به)) .(5)

والحق أن واقع المجتمع الدرزي يؤكد هذا الرأي ، فمعظم أفراده يحيون حياة مدنية لا تربطها لا بالإسلام ولا بغيره من الأديان صلة وثيقة ، والمرء من هؤلاء يعيش عشرات السنين ويهرم ويُقبر، وهو لم يؤدِ فرضاً من الفروض ، ولم يعرف شيئاً له قيمة تذكر عن الإسلام الذي يقال له بين الحين والآخر إنه يمثِّل عقيدته وهويته الدينية ، ويعترف الدكتور أنور فؤاد أبي خزام بأن (( غالبية الدروز تتهاون في تطبيق الفرائض إلى درجة الإلغاء التام لها ، وقد خلقتْ هذه المشكلة شكوكاً كثيرة حول مدى جدية الموحِّدين في انتسابهم للإسلام )) . (6)

ويمكن القول إن علاقة الدرزي بالإسلام علاقة شكلية واهية تتجلى مظاهرها في تلفظه ببعض التعبيرات الشائعة على ألسنة المسلمين مثل : (( لا إله إلا الله ـ السلام عليكم ـ الحمد لله ـ استغفر الله ـ سبحان الله )) ، أو تعليقه صورة الكعبة المشرفة أو آية الكرسي على جدران بيته ومكتبه، وحين يعقد قرانه أو حين يٌقبر يقرأ الشيوخ على جثمانه آيات من القرآن الكريم إلى جانب أبيات من قصيدة البردة للبوصيري .

ومع هذا فإن ثمة طائفة قليلة العدد من الدروز تؤمن بالإسلام وتؤدي فرائضه كما يؤديها جمهور المسلمين ، وقد قال الدكتور مصطفى الشكعة : (( إن عدداً غير قليل من الدروز يؤدي كل عام فريضة الحج ، وقد وقف بعرفة عام 1374 هـ ستة وثلاثون درزيَّاً من قرى دمشق وحدها ، والأمر كذلك فيما يتعلق بصيام رمضان صياماً صحيحاً إيماناً واحتساباً )) . (7)

أركان العقيدة الدرزية من منظور مشيخة العقل :

نقل الدكتور مصطفى الشكعة عن الشيخ محمد أبو شقرا شيخ الطائفة الدرزية في لبنان في القرن الماضي خلاصة العقيدة الدرزية ، يمكن إيجازها في عشر نقاط:

1 ـ لا إله إلا الله ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله ، وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود أشخاص لهم مكانة خاصة وسامية دون غيرهم من الصحابة .

2 ـ القرآن الكريم هو وحده مصدر التشريع عند الدروز ، أما الأحاديث والسنة فلا يؤخذ بهما في التشريع إطلاقاً .

3 ـ الصلاة ـ وإن كانت خمساً ـ فهي ليست كصلاة جمهور المسلمين في طريقة أدائها وعدد ركعاتها ، والوضوء ليس شرطاً من شروط صحة الصلاة ، ما دام المصلي نظيف الثوب والجسد .

4 ـ الصوم هو الامتناع عن الرفث ، وهذا يعني يجوز الأكل والشرب مع الصوم، ووقته هو عشرة أيام بذي الحجة تنتهي بالعيد ، ومن المستحسن للدرزي صوم شهر رمضان طمعاً في مضاعفة الثواب .

5 ـ الزكاة بمفهومها الإسلامي المعروف معطلة ، ويمكن أن تؤدَّىَ على شكل صدقات ، أما الحج فهو ظاهرة وثنية شركية تتنافى مع عقيدة التوحيد .

6 ـ يُحرَّم على الدرزي التزوج بأكثر من واحدة ، كما يحرَّم عليه أن يتزوج من غير الدرزية ، ويحرَّم على الدرزية الزواج من غير الدرزي ، وإن حدث فإن الزواج باطل .

7 ـ الطلاق يقع مرة واحدة فقط ، ولا يجوز للمطلقة الدرزية أن تعود إلى زوجها حتى لو بعد زواجها من غيره .

8 ـ لا يُعتدُّ أبداً في الوصية بالثلث ، وتجوز ببعض المال أو كله ، وتصح لوارث أو لغيره .

9 ـ التقمص عقيدة فلسفية ، فالإنسان حين يموت وتغادر روحه جسده تحل في جسد مولود جديد ، وبناء على هذا فإن عدد البشر في تصور الموحِّدين الدروز ثابت لا يزيد ولا ينقص .

10 ـ الإنسان مُخيَّر لا مُسيَّر ، والله لا يتدخل مباشرة في تصرفات وأفعال الإنسان، فهي صغائر لا تليق بجلاله وعظمته . (8)

لا شك أن كثيراً مما ذكره شيخ عقل الطائفة الدرزية يتعارض تعارضاً تاماً مع المتعارف عليه بين المسلمين جميعهم على اختلاف مذاهبهم ، فقوله إن الطلاق يقع مرة واحدة ، وإن الزكاة معطلة ، وإن الحج ظاهرة وثنية ، يتنافى مع قوله إن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للتشريع عند الدروز ، ذلك لأن النص القرآني كما هو معروف ينص على أن الطلاق مرتان وعلى وجوب الصوم والزكاة والحج بطرائق وشروط معلومة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إسلام الموحدين ، المذهب الدرزي في واقعه الإسلامي والفلسفي والتشريعي ، دكتور أنور فؤاد أبي خزام ، دار الفارابي ، الطبعة 2 ، 2006 ، ص 13 .

(2) ينظر: إسلام بلا مذاهب ، دكتور مصطفى الشكعة ، الدار المصرية اللبنانية ، الطبعة 13 ، 1997ص 292 .

(3) إسلام الموحدين ، المذهب الدرزي في واقعه الإسلامي والفلسفي والتشريعي ، ص 380 .

(4) إسلام بلا مذاهب ، ص 324 .

(5) بين العقل والنبي ، بحث في العقيدة الدرزية ، أنور ياسين ، وائل السيد ، بهاء الدين سيف الدولة ، دار لأجل المعرفة ، ديار عقل ، لبنان ، 1985 م، ص 15 .

(6) إسلام الموحدين ، المذهب الدرزي في واقعه الإسلامي الفلسفي والتشريعي ، ص 292 .

(7) إسلام بلا مذاهب ، ص 329 .

(8) المصدر نفسه ، ص 327 ـ 328 .

مقالات ذات علاقة

محمد مرشان الوداع الاخير

أحمد إبراهيم الفقيه

من ثقافة معاداة السامية لتصبح يهوديا .. رحلة من سبها الى اسرائيل ..نحو اكتشاف الذات

عبدالقادر الفيتوري

نشوة الدكتوراه

عادل بشير الصاري

اترك تعليق