المقالة

شواطئ أمان غير أمنه

تتبدل التركيبة السكانية للعالم بشكل واضح، هذه الهجرات باسم الحرب حدثت في قرون غابرة وأدت إلى تحديث في البشر، الناس لا ينتقلون نجاة بحيواتهم فقط، ترحل معهم كذلك  عاداتهم وتقاليدهم وألسنتهم، تنصهر بشكل غير مباشر مع الوقت في البيئة المستضيفة ويتبقى منها فاقد يعيش كغير متعايش، الخلية الجينة المؤسسة للحياة تنتقل أيضاً لتجد حياتها في وسط جديد، وكما ينتقل الخير ينتقل الشر وبنفس التكلفة.

ليس التصاهر والبحث عن الكلأ أو الأمان سبباً وحيداً لحدوث ذلك بموجات كبيرة، الحرب وتجارة الرقيق، أعادت توزيع سكان الأرض ومزج دمائهم والأتيان  بشعوب جديدة.

الحرب وتجارة الرقيق فعلا  وكلاهما كان سيء في وقته، أكثر من جغرافيا وعد بلفور التي تأقلمت معها الجينات وتحولت إلى أوطان محبوبة ومعشوقات يموت من أجلها الإنسان!

مات أطفال سوريون غرقاً على ساحل زوارة الليبية قبل أن يقضي الطفل الكردي، على ساحل البحر التركي، ولم يهتز ضمير العالم لهم، فقد مضوا كفاقد بشري لتلك العملية التي تعيد  توزيع سكان الأرض، حيث لكل عملية فاقد، وهم وسواهم الذين يشبهونهم نجوا مما لم ينج منه الطفل الميت كنائم، تخلت عنه الأرض بيابستها ومائها.

نجوا مما لم ينجُ منه، الرسامون الذين سيعيدون رسمه لهز ضمير العالم ، والشعراءالذين  سينظمون قصائد تتسابق على أن تكون مؤثرة في الضمير نفسه، ورجال الدين الذين سينتهزون موته للحديث عن الجنة والنار والعقاب والثواب وسيجدون في كل عظمة منه موضوعاً دينياً يذكر الإنسان بخطيئة عدم امتثاله لولي الأمر.

سيختلف إسلوب كل رجل وكل دين ومعها يختلف الطفل الذي مات منكباً على وجهه عند الشاطيء، حتى تتغير صورته كلياً في كل مرة، إلى أن يتلاشي و يحلوا هم محله، وسيفتح موته أبواب الدول المغلقة ويتدفق الألاف من بني جلدته ومنهم سيء يحمل ضميره شراً للبلاد التي فتحت أبوابها ومنحت أرزاقها وعواطفها، وسيكون الطفل بعيداً عن كل تلك المغانم وسواها، حتى من ذكره كمتسبب فيها.

سيتزوج والده وتعطه بلاد ما، مايطمح إليه رجل راشد، وليس مجرد طفل صغير لا يعرف لماذا يهاجر، فالرجل مات طفله على الشاطيء وهز موته ضمير العالم الذي لا يهتز إلا متى أراد الإعلام.

العالم لن يكرر غلطته بأن يدفعه وزوجته الجديدة وطفلهما المنتظر، من أن يكرروا نفس الحادثة في قارب الغرق. ضمير العالم سيخجل من أن يكرر المحاولة رجل مات طفله غرقاً، سيقول له تعال من الباب ويشكره على القدوم.

سيحدث والده أخوته عن شقيقهم الشهيد البعيد، وعن والدهم البطل الذي صارع الأمواج لانقاذه وسينسى أن يجيب أحدهم “لماذا لم تشترِ له سترة نجاة بما أنك فكرت في الهرب والنجاة”.

ستستمر أغنية “الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان” من روائع الغناء الشرق أوسطي، الطفل في البحر، تم التعبير عنه بوسائل فنية أخرى لعدم مزاحمة الصورة الفنية لطفل المغارة، فطفل الهجرة مات هو وأمه وكفاهما الله شر البكاء.

سيكون قبر الطفل شهيراً ومميزاً في قريته التي كان هروبه منها صعباً ورجوعه إليها في صندوق مهيأ وسريعاً وسهلاً.

سيعود تدريجياً ضمير العالم الذي اهتز بدرجة 12 ريختر، إلى سكونه  وسينام حتى هزة جديدة.

الشيء الوحيد الذي لن يتغير منذ اشتعلت الحرب وكان وقودها الناس والعمران، هو الشيء الذي تسبب في كل تلك الدوائر داخل المستنقع.

إنه منذ بدء الخليقة كالحجر لا يتغير ولا يهتز، كالأمواج التي ضربت وجه الطفل الميت ثم عادت وغسلت نفسها في البحر الكبير.

_______________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

خلود الشعر والصحافة بهجات عند النافذة لازالت في الانتظار

نيفين الهوني

ما فعل السفهاء بنا

سالم العوكلي

شيش باني يا باني

محمد المغبوب

اترك تعليق