متابعات

شعراء العقد السادس

الشاعرة حنان محفوظ، والناقد منصور أبوشناف
الشاعرة حنان محفوظ، والناقد منصور أبوشناف

وسط اجواء بهيجة وحضور كثيف ألقى الأستاذ والكاتب والباحث منصور أبو شناف مساء الثلاثاء الماضي محاضرة حملت عنوان “شعراء العقد السادس” وتأتي هذه المحاضرة ضمن أنشطة مجموعة أصدقاء دار حسن الفقيه التي دأبت على إقامتها الثلاثاء الأول من كل شهر، والتي استعرض فيها باختصار مسيرة الشعر الليبي منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة، بعد أن قام بتقسيم الشعراء إلى أجيال ستة بمعدل جيل لكل عشرية تقريباً وباعتبار أنه عاصر جُلها وتابع أنتاجها ورصد تحولاتها على مستوى الشعر الذي بدأ عموديا تقليديا ومر بشكله التفعيلي والحر وصولا إلى قصيدة النثر السائدة على المشهد اليوم، ويبدو الأستاذ منصور من خلال سرده لمسيرة الشعر الليبي مطلعا ومهتما وملما برموزه وتجلياته المختلفة من خلال استشهاده ببعض النصوص والأسماء وظهر إلمامه بالمشهد ككل، ولم يغفل عن دور المرأة في هذا الشأن والتفت إلى منجزها وبصمتها فيه واستحضر من الأسماء فاطمة محمود وأم العز الفارسي وحنان محفوظ وغيرهن وقرأ بعض أشعارهن.

وقبل ذلك تطرق الناقد إلى البدايات الحقيقية للشعر الليبي الذي حاول تأصيله وتتبع جذوره التحديثية وقام من ثم بربطه بالتحولات الأجتماعية والأقتصادية والسياسية  التي مرت بها الدولة الليبية منذ نشأتها وحتى اللحظة التاريخية الراهنة.

على الرقيعي ومحمد الشلطامي وعلي صدقي وعلي الفزاني هم شعراء العقد الأول بحسب ترتيب الباحث ومُدشني التحديث الشعري يأتي بعدهم في العقد الثاني كل من الشعراء الجيلاني طريبشان ومحمد الفقيه والسنوسي حبيب وسعيد المحروق، ويبرز في العقد الذي يليه الشعراء مفتاح العماري فرج أبو العشة وفوزية شلابي وفاطمة محمود بينما مثل العقد الرابع حواء القمودي وسالم العوكلي وصالح قادربوه وسميرة البوزيدي وفي العقد الخامس نجد أسماء مثل رامز النويصري وحنان محفوظ وصولا إلى شعراء العقد السادس الذين برزوا بعد ثورة السابع عشر من فبراير بالتوازي مع انطلاق وانتشار مواقع التواصل الأجتماعي الذي أتاحت للمحاضر الأطلاع على أنتاج شعراء هذا العقد إذ لم يقرا لهم دواوين مطبوعة بحسب قوله، واستحضر أسماء أحمد الشارف وسراج الدين الورفلي والمكي المستجير وأنيس فوزي، واعتذر عن عدم إحاطته بكل أسماءه لأنه قد يكون غفل عن بعضها، وفي تتبعه لمسيرة الشعر الليبي وبعد تصنيفه كأجيال استشهد المحاضر ببعض النصوص أو جزء منها لكل جيل وهكذا قرأ للرقيعي ولجيلاني طريبشان ولأنيس فوزي وأحمد الشارف ولحواء القمودي وغيرهم.

وفي تشخيصه لقصائد شعراء العقد الثاني تحدث المحاضر عن خيبة الامل وانهيار الأحلام الكبرى بالتحديث والتنمية فيما ظللت النكسة القصيدة الليبية بظلالها السوداء وطبعتها بالإحباط، وكذلك فشل المشروع العربي ولهذا اتخذ الشعر في هذه المرحلة صفة النزوع نحو الخلاص الفردي والحرية الذاتية بديلا لطموحات التحرر ومشاريع الوحدة، وتحولت القصيدة إلى تبني قضية العدل الاجتماعي واتجهت القصيدة الليبية إلى استثمار تقنيات جديدة شأنه شأن القصيدة العربية عموما حتى صار المتنبي والحلاج والشنفرى وأبو العلاء المعري ونيرودا وجيفارا وغيرهم من رموز المقاومة والتمرد أقنعة للحرية والعدل فيما يختفي اليومي من قصائد تلك المرحلة وتُستثمر المرأة كقناع للوطن والخبز ويتعمق سؤال الانا والماهية ويختصر مقطع جيلاني طريبشان الذي ورد بإحدى قصائده نهاية هاته المتاهة حين يقول “ما الذي جئنا نفعله هنا” وعن شعراء العقد الثالث قال المحاضر أنهم اهتموا باليومي والنثري وتجسدت في قصائدهم عبثية الحياة وهشاشة الوجود ودشن هذا التحول الشاعر مفتاح العماري صحبة فوزية شلابي وفرج أبوالعشة وغيرهم فيما انعطفت قصيدة العقد الرابع تسعينيات القرن المنصرم مع حواء القمودي إلى المحلي بدلا من العربي ومن الأتجاه المقاوم إلى الواقع اللصيق والماضي القريب المنفلت من الذاكرة.

واعتبر المحاضر ان الشعر النسائي الحديث في ليبيا في مغامرته قد بدأ مع فوزية شلابي وفاطمة محمود ولحقت بهم بعد ذلك أسماء مثل خديجة الصادق وأم العز الفارسي وتهاني دربي وأسماء الأسطى وسعاد سالم ثم سميرة البوزيدي وحنان محفوظ وغيرهن، كما اعتبر أن القرن الحادي والعشرون قرن الشعر الأنثوي في ليبيا لزخمه وكثرة أصواته إذا ما استثنينا غياب الشاعرات عن العقد الأخير.

أنتقل الأستاذ منصور إثر ذلك للحديث عن شعراء العقد الأخير الذي برز بعد ثورة 17 فبراير وشبه ظهورهم بهذه القوة والثقة بأزهار المقبرة التي تنمو وسط الموت لأنهم احتفوا حال ظهورهم بالحياة وتغنوا بالحب والحرية رغم الواقع المرير الذي يحيل كل شيء فيه إلى التشاؤم والإحباط.

واختتم الباحث كلامه بتلخيص تجربة الشعراء الأخيرين في نقاط ثلاث هي الإيمان بالحياة والقدرة على البقاء والتجدد، والتفكير بصوت عالِ، والخروج بحقيبة فارغة من كل أرث العدمية والتشاؤم والبدء من جديد. كما لم ينسى أن ينوه إلى غياب أو محدودية الأصوات النسائية في هذا العقد لتستمر تجربة أسماء مثل سميرة البوزيدي وحواء القمودي وفريال الدالي وغيرهن الأحتفاء بالحياة وبالأنوثة.

وفي كل ما ذكره المحاضر وشرح وقدم أرجع ذلك إلى ذائقته الشخصية وأحكامه اللانهائية للتجربة الشعرية التي تناولها في هذه الورقة، وأشار إلى أن هذه الأحكام والتعليقات لا تستند إلا لذوقه الخاص وهي تحتمل المراجعة والنقد والتمحيص.

فُتِحَ بعد ذلك الباب لبعض المداخلات والأستفسارات من كل من المسرحي عبد الله هويدي ويونس الفنادي وعمار جحيدر وحسن قرفال ورامز النويصري وباختصار شديد أجاب عنها المحاضر لينتهي النشاط بتكريم الأستاذ منصور من قبل منظمة آل ليبيا للعمل الوطني  والإعلان عن اللقاء القادم الذي خُصص لإضاءة تجربة الروائي الراحل خليفة حسين مصطفى.

مقالات ذات علاقة

“محمد فياض” لبلد الطيوب: لن يكون المهرجان مقاطعاً البتة للقيم الإنسانية و سيبث روح المحبة و التصافي بين القلوب

منى بن هيبة

اختتام مهرجان أجواء بنغازي الثقافي الفني

المشرف العام

أمسية شعرية يافعة يؤمها الجمال

مهند سليمان

اترك تعليق