الشاعر علي صدقي عبدالقادر.
المقالة

شاعر فاطمة والوردة

الشاعر علي صدقي عبدالقادر.

 

أول أمس غيّب الموت شاعرنا الكبير علي صدقي عبدالقادر الذي كان لا يخلو محفل ثقافي أو حدث أدبي من تواجده وإطلالته بابتسامته العريضة وقامته القصيرة وجسده النحيف وتسريحة شعره المعتادة ولباسه المميز بربطة عنقه الخاصة ووردته الحمراء التي يعلقها في أعلى يسار سترته فتظل مشرقة بألوانها الزاهية ومعبرة برمزها عن كل معاني الحب والجمال وعشق الحياة والتفاعل معها.

علي صدقي عبدالقادر الاسم الحركي للوردة ولليبيا وللحب وللحياة وللبساطة ولكل معاني الخير. عاش في زهد وعفاف، ومات رحمه الله في مصحة طرابلس ينتظر عطف المسؤولين لإتمام إجراءات سفره للعلاج. أولئك الذين كانوا يتدربون على كتابة الحرف ونقل الجمل والعبارات حين كان الشاعر رحمه الله قامة سامقة في عوالم الأدب والحب والنضال من أجل عيون فاطمة أو ليبيا أو الوردة فكلها تتبادل نفس المعنى.

كانت “الوردة” شعار الشاعر الرقيق. يعلقها، يتغنى بها، يغازلها، يدللها، ويهديها لمن يحب. كان يستذكر بها صورة أمه “فاطمة” التي غابت عنه منذ صغره فظل يحن إليها، يلاحق خيالها، يؤانسها يتعلق بأهداب عيونها الجميلة، ويعلن أمامها أنه سيلتقي معها بعد مليون سنة حاملاً رايته التي اختار لها عنواناً (يحيا الحب).

كان إنساناً بسيطاً رقيقاً طيباً. عشق ليبيا فأهداها أجمل الكلمات وصاغها في أروع قصائده. تارة يسميها “فاطمة” وتارة يناديها بتصريح علني “ليبيا ليبيا” وتارة يصفها “ببلد الطيوب” الذي اختاره عنوانا لقصيدته الغنائية المشهورة.

حلق في دنيا الشعر كعصفور صغير أو كجدول ماء رقراق تفاعل مع الطبيعة بكل أصناف تربتها وجغرافية أراضيها لأنه لا يحيا إلا بالشعر فصار يلاعبه في كل شيء كما يقول (الشعر تلك اللعبة الأزلية نلعبها حتى عندما نضع خدودنا على وسائدنا، فالأحلام شعر، وكلمة أهلاً، وفض رسالة ممن نحب، ومصباح يضيء ينتظر العائد، ووقع أقدام جندي يحرس الوطن بأخر الليل شعر أيضاً).

وفي منتصف شهر رمضان سنة 1979 كتب في مقدمة ديوانه “اشتهاء مع وقف التفيذ” يقول (إليك يا أمي في عشية يوم، وصوت باخرة بميناء طرابلس تصفر، تؤذن بالرحيل، وقد رفعت مرساتها للإبحار، تاركة أعشاب الأعماق تكابد لحظات الفراق).

هل حقاً مات ؟
أم أن شاعر الوردة ذهب للقاء أبدي طويل مع “فاطمة” ليواصل مشوار دربه الذي غرس فينا عنوانه الكبير “يحيا الحب” مزدانا بورود الحياة كلها؟

_____________________________

مقالة نشرت بزاويتي الأسبوعية “مصافحة” بجريدة “أويا”، العدد رقم (323) الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 2008، الصفحة الأخيرة (24)

مقالات ذات علاقة

17 أكتوبر 2022م.. بيان الألكسو بمناسبة اليوم العربي للمكتبات المدرسية

مصطفى بديوي

ما بعد صوت الربيع العربي: لا صوت يعلو على صوت الثقافة

أحمد الفيتوري

أين ليبيا التي عرفت؟ (8)

المشرف العام

اترك تعليق