التشكيلية سعاد اللبة
حوارات

سعاد اللِّبة: عندما أرسم أشعر وكأنني ألتقي الحبيب

بوابة الوسط

«في مائيات سعاد نثر طبيعة تمنحنا حق المصافحة الروحية كمريدين حيث تثمل العيون رقصًا على أكف الورد وبللاً بقطر نداه حيث نخلد لهداه أحلامًا مائية بشفافية اللون وشداه» علي العباني. ينتابنا الفضول أحيانًا إلى معرفة طبيعة مكان وزمان أنثى المشهد التشكيلي الليبي، فنجدها متجسدة في الفنانة التشكيلية سعاد أحمد اللبة، فنانة رومانسية الطراز تشغل أغلب المدركين لماهية الجمال والفن. كان اللقاء بها قد أشبع فضولنا، وعفويتها في الرد تبعدنا عن الواقع الراهن للبلد، يحضر في الذهن (أثناء وصفها للبيت التي ترعرعت فيه والبيئة المحيطة) قصة «حب الرمان» وكل أميرات الميثولوجيا.

التشكيلية سعاد اللبة
التشكيلية سعاد اللبة

سعاد من مواليد طرابلس 1980 ميلادية حاصلة على ماجستير في الفنون التشكيلية، قسم الرســم والتصوير، وهي حاليًا تدرس في إيطاليا لنيل درجة الدكتوراة، شاركت في أكثر من 21 معرضًا تستخدم في الرسم الألوان المائية الخفيفة، كما أنها تعشق التصوير الفوتوغرافي والتصميم ببرنامج «فوتوشوب»، وتتسم أعمالها بالبساطة والتناغم البصري، يتخللها نمط ليبي تراثي، وخيال أنثوي خصب.

عن سعاد ولوحاتها والفن والثقافة كان لنا معها هذا الحوار:

– حدثينا عن سعاد الطفلة؟ 
كم أتمنى أن أعود طفلة صغيرة، لأستحضر كل تلك الأيام التي تغرد بالبراءة والعفوية، أحببت الفن عندما كنت في سن الابتدائية وتخصصت في الموسيقى حيث كنت المايسترو الخاص بالفرقة المدرسية، كنت أنجذب للرسم أيضًا لكنني لم أقبض على شغفي به طبعًا بسبب عدم الإدراك، الطفل يتصرف دائمًا بعفوية ولم أكون المخزون الفني بعد، بقيت أتطور في الموسيقى حتى المرحلة الثانوية وفي هذه المرحلة كان للرسم الحيز الأكبر في كل شيء في حياتي، كانت أمي الداعم الحقيقي لموهبتي تهتم بتفاصيل رائعة وداعمة لاستمراري، فعندما أنتهي من اللوحة تخرجها أمي مسرعة إلى الفناء لكي تجفف تلك الألوان الطازجة، أيضًا كانت تزخرف المكان بلوحاتي، وتؤثث لي مرسمًا صغيرًا في غرفة الجلوس فترفع المفروشات المخصصة للضيوف، وتضع الماء وكل مايلزم لكي أرسم.

– ماذا عن علاقتك باللوحة؟
عندما أرسم أشعر وكأنني ألتقي الحبيب، وأقع في ما أعتقد بين حالتين «الوعي واللاوعي» .. فأبتعد كليّة عن العالم الخارجي، وأحاول تأسيس عالم خاص بي وحدي.

من أعمال التشكيلية سعاد اللبة
من أعمال التشكيلية سعاد اللبة

– أهي طقوس معينة تحرصين على وجودها حين ترسمين؟
بالتأكيد لم أجبر نفسي يومًا على أن أرسم دون أن أدخل إلى عالمي الصغير، فأنعزل وأبعد مرآتي لأنها ستعيدني للواقع بكل تأكيد، أبتعد عن الضجيج وأضع الموسيقى فاستدرج إلى أن أكون صافية روحيًّا، هنا يمكن أن أعكس ذاتي في لوحتي وانسجم في هذا اللقاء الحميمي بيني وبينها.

– ما هي أقرب الأعمال إليك؟
حقيقة أنا لا أسمِّي لوحاتي، فعندما أسميها أشعر بأنني أوضحتها وفي نفس الوقت أكره أن يكون فيها غموض، لأن الغموض في عناصر في اللوحة لا يعطيها معنى. فيصبح العمل بذلك غير متوافق، أحب أن تكون نوعًا ما واضحة من دون أن أسميها وأترك لك «الشطح» في اللوحة والسفر من خلالها إلى أي مسمى، كل لوحاتي قريبة على قلبي أشعر بأنها نص مفتوح.. وأغلبها تحمل قصة حدث يحدث معي نهارًا ثم أنعزل وأرسمه في المساء، ربما وبعد قليل عندما ننتهي من هذا اللقاء سأعود للبيت فقط لأرسم وأدون داخل لوحتي قصة اليوم.

– أي من القصص أثرت فيك وبشكل ملحوظ؟
الفنان إنسان، بدوره سيعيش مراحل عديدة مثل الحزن والألم الفراق والحب. تؤثر في قصص أو أشخاص التقيهم يشبعونني برغبة الرسم، حديثهم عن الفن مثلاً أو أحيانًا قصة حب تجعلني أرسم، ربما تكون قصة حب من طرفي فقط «طرف واحد». ربما بعض الأهل أو الأصدقاء يلمسون وتر الرسم، فأعود مسرعة للبيت للرسم.

– كيف تصفين علاقة سعاد بالفن التشكيلي عامة؟
أحب الألوان وأعشق كونها لغة تواصل بيني وبين الآخرين، يتم التواصل هذا في ما أرتدي أيضًا، وليس فقط في لوحاتي، أعبر عن حالتي بشراء ملابس تعبر عن اللحظة، ثم يرمز لونها إلى الموعد أو المكان الذي سأخرج إليه، اليوم لبست الرمادي محاولة مني للرد على أسئلتك بشكل وسطي متزن لا أبيض ولا أسود.
الألوان لغة حوار وتواصل، فالألوان القوية والجريئة في أعمالي تعكس شخصيتي. تجدها مشبعة باللون وأحرص على أن تكون طازجة، كما أحب أن تكون لوحاتي مبللة حيث ينساب البلل مع اللون في تناغم.

من أعمال التشكيلية سعاد اللبة
من أعمال التشكيلية سعاد اللبة

– كيف وجدت أدوات برامج «الغرافيك ديزاين»؟ هل يختلف الأمر عن الفرشاة في تجربتك؟ 
البرامج حقيقة ساحرة، أنا أستخدم «فوتوشوب»، بالرغم من أن ألواني فيها جريئة لكنني أميل إلى رسم وتصميم الدراما القوية والمفجعة، حيث إنّ أعمالي قريبة إلى أعمال الرعب، لا أعرف لماذا، أحيانًا أعمل 10 تصميمات في اليوم أغلبها تأخذ الطابع الدرامي المخيف، عناصرها عبارة عن هياكل عظمية وبيوت مهجورة عكس ما أرسم بالفرشاة تمامًا كلها حزينة متألمة، لكنني أحببت التجربة لأني تعلمت الفوتو بنفسي وأغلب البرامج اكتشفها وحدي.

– ما هي علاقتك برواد الفن في ليبيا؟
عندي أصدقاء من الرعيل الأول وأيضًا أحظى بالكثير منهم من الرعيل الجديد من الشباب الذي لم يتحصل فرصة البروز كفنان محترف، للأسف لاحظت أنّ هناك كادرًا جديدًا يحتاج إلى دعم، أتمنى من الفنانين استيعاب وتشجيع الجدد والصغار بالعرض معهم. أرى بعض الفنانين ليس لهم رحابة صدر الفجوة بين الرعيل الأول والثاني كبيرة.

– ما هي أدوات قياس عملك الفني كيف تعرفين أن هذا العمل ناجح؟
ينجح العمل عندما يهتم به الآخرون وحين يبحثون عن اللوحة ويتمنون شراءها، يحدث لي هذا الموقف مع السواح الذين أحبوا لوحتي لكنهم لا يملكون حقها المادي، أنا بدوري لن أضع السعر عائق بين من أحب اللوحة وبينها، أفرح كثيرًا لحرصه عليها وأعطيها له دون مقابل.

– وإن سالتك عن أدوات النقد التي تستخدمينها لنقد لوحتك؟ 
تصوري أنني لا أوقع باسمي على اللوحة حتى عندما تعرض لأنني أشعر أنها ناقصة.. بالرغم من المائي جد جرئ لايحتمل الخطأ والتصحيح، وبذلك أحاول أن أقيم أعمالي بإحساسي وخبرتي، سأعلم أنها نضجت تلقائيًّا

من أعمال التشكيلية سعاد اللبة
من أعمال التشكيلية سعاد اللبة

-ما رأيك في مناهج الفن التي تقدم في المدارس والكليات؟ 
بالنسبة للمنهج من الناحية النظرية متكامل، لكن من الناحية العملية هذه تعتمد على الطالب أو الفنان، لابد للفنان من أن يثقف نفسه، بالبحث والقراءة، لا أن يكتفي بالمحاضرات والمناهج فقط، «لازم يكون عنده وعي فني ثقافي»، ورؤية وخيال واسع. أما بالنسبة للمناهج أرى أنها ليست العمود الفقري، على المكان الذي يدرس فيه الطالب أن يكون مجهزًا جيدًا، نظرًا لاعتماد مواد الدراسة الكثير من الجهد العملي مع الذهني والإبداعي.

-هل توافقين الرأي الذي يقول إنّ هناك فجوة ثقافية بين الفنان المحلي والفنان العالمي؟ 
الثقافة تعتمد على الإبداع في العمل المنجز، والرغبة في معرفة المزيد عنه، لا أرى فجوة بين الطرفين لكنني أرى الفجوة الكبيرة بين اهتمام كل دولة بمثقفيها ومؤسساتها.

– كيف تهرب سعاد من الثرثرة البصرية داخل اللوحة؟
الشروط الأكاديمية أو الفنية لابد أن يتوفر فيها النقطة والخط واللون والأشكال والظل والضوء، ثم تتم إضافة الدراما للعمل، أبتعد عن الثرثرة بعد أن أشعر بلحظة نضوج العمل.

مقالات ذات علاقة

الناشر الليبي غسان الفرجاني: هناك نقص في الرواية العربية المترجمة

المشرف العام

الناقد: أحمد الفيتوري/ الحديث عن نظرية نقد عربية

المشرف العام

الدكتور محمد المبروك الدويب : من الطبيعي أن تكون للمؤرخ وجهة نظر

مهند سليمان

اترك تعليق