شعر

رشَفَـات

قُبلة

– الشفاه الآن تتذكر

قُبلة قديمةً ممهورة بخمر الدهشة

لا تزال تملأُ الفم بشهد الرغبة .

حنين

– بياض (منور)1 طيني أنيق , في طابق ثانٍ لبيتٍ (هونيٍ) عتيق يحتفي بنورِ شمس العشية , ويفتح الصدر على لا مرئيات بعيدة يغسلها دمع الحنين .

صوت

– كم هو بعيد يدنو

صدى قرقعة المطرقة الصغيرة في يد صائغ الفضة , وصوته المغرد

في صباحات الحارة يُصلي على النبي .

عبق دخانه يُعانقُ فوح المطر , فيما أمرُ من تحت أقواس الطين , مُتجِهاً إلى أول سنةٍ دراسية.

( تَلَغْشُن )

– مرسومةٌ في فضاءٍ ما من الروح . .

همسات ساذجة بريئة لمشهدٍ حميمي صغير, أفزعهُ شبحُ أُختها الكُبرى يطلُ من باب دارهم القابعة في (رأس الزنقة).

رعشة

– يا سني الورد.. خذيني .

تمادى بي بعيداً, ولترمني في أحد أروقة شارعنا القديم.

أطفال (الغربية)2 (بجرادل شِل) الصفراء, يملئونها بماء السماء المُنسكب، عبر مزراب (السيقرية)3, وخطواتنا الأولى إلى أعراس الجيران, بنظراتنا المُندهشةِ إلى عُيون العرائس لحظة اكتشاف رعشة الشفاه المخضوضبة ! .

أنغام الصوفية

– مواكبُ (الحضرة)4 تلفُ الشوارع بعشرات المُريدين, بأعلامهم الملونة.. بدفوفهم الكبيرة.. بأثوابهم الفضفاضة, وشعورهم المعقوصة السابلة الطويلة, يُماهون فِكرة الفن في عقولنا (الغضة) بطقوس الدين.

لهو الشوارع

-إلتذاذنا، برائحة الصمغ وحجر الإمحاء على اللوح القديم.

(زاوية القرآن).. روضتنا (الرصينة).

حكاياتُ الصبية في صحن الجامع العتيق, وهروبنا الكبير من فقيه التكية (الحاج الغول)، عندما وزَّعَ الألواح الجديدة مُعلناً أن (الفلقة) جزاء !

– ركض (ليبرا)5 ومكر (وابيس)6.

– صناعة سيارات اللعب بأسلاكِ النُحاس, وتداول أوراق عُلب حليب (كورنيشن) الحمراء كعملةٍ ورقية ! .

– خطفُ كعك (الميلود)7 من زاوية (بن عيسى)8, وسكير البلدة المسكين نُصّفِقُ ورائه ساخرين.. صادحين بأهزوجة الشماتة.

– ……..مُشاكستي غير البريئة لشريكتي في المِقعد.. أنزلت والدها من جرّاره الأصفر, ليشُد بقوةٍ أُذنيَّ .

– …….قدماي لازالت تتذكر أول كذبة حمراء على أُستاذ (الدين) وفلقته العتيدة ترتفِعُ بساقيَّ إلى السماء!

– شاحنةُ قصب السُكَّر تربصُ أمام مدرسة البنات.. فيما تتصاعد شقاوتنا عبر عجلاتها تتناهش الأعواد.. ترتشِفُ رحيق القصبات.

– العِشقُ البكر في أراجيح الربيع, ومذاق أكلات (الصدقة)9 تناولناها صغاراً من يدِ عجائز البركة.

وجوه من الحارة

– شيخُ الفصاحة (كامل)..

من بقالةِ (الحاج لامين) يشتري حاجياته كل صباح، مُستعرِضاً لغته أمام الزبائن والفلاحين ! .

– المرأةُ السمراء..

رغم إنشادنا بأهزوجتها الدافئة، لا يُمكِنُنا إلاّ أن نركض حين نمرُ أمام بيتها العتيق المُظلم.. خائفين .

– خالُ الوالدين الهرِم , عائداً من جُمعاته.

حكاياته للأحفاد من على درجةٍ في رواق البيت, وتمرات مع اللبن يزدردها , فيما تتناوله بدهشةٍ صغيرة نظراتنا المحبة.

– المتسرسِبةُ من نجوع البدو البعيدة.

العجوز الطيبة الشقراء بـ(زلغتها) الفاقعة التزركش.. غير جائعة تنفذُ خلال أقواس البلدة, (تتطّلع) على عتبات البيوتات الطينية.. ترنو الدفءَ من حسناتٍ يسيرة .

– الحاوي السمين بألعابه الغريبة, ( أو كورديونه ) المُزركش

يطرح بسْطة سيركه البائس في دارة الخالة الكبيرة.. يُعلنُ مهرجاناً للمرح.

– السيدةُ العجوز الطويلة

تجوسُ علينا في بيتها المُغبر الرطب.. نعِفُ فنأكُلُ مقلياتها اللذيذة !

…….ونُغادِرُ الحارة .

رشفة أخيرة

– ………….!

ياللصور الضائعة . .

يا نكهة القرنفل العتيق ,

ودهشة أشياء . . كانت تبدو صغيرة .

 __________________________________________________________

هوامش :

* كتب هذا النص في 20 / 7 / 1994ف وأعيدت كتابة مقاطعه الثلاث الأخيرة سنة 2001 ف.

1- منور: فناء صغير .

2-الغربية: الجزء الغربي من مدينة هون القديمة .

3- السيقرية: ورشة النجارة بالمدينة القديمة .

4- الحضرة: حلقات ومواكب الابتهالات والأذكار الصوفية .

5- ليبرا: لعبة شعبية للصغار تعتمد على الركض والقبض والإفلات .

6- وابيس: لعبة شعبية للأطفال شبيهة بالأستغماية أو الغميضة .

7- الميلود: الاحتفال بالمولد النبوي .

8- زاوية بن عيسى: إحدى الزوايا الصوفية .

9- الصدقة (بتلهيج القاف): ما تجود به النسوة من صدقات من الأكل المطبوخ عادةً توزع على الأطفال بعد رؤية حلم مزعج أو غريب.   

مقالات ذات علاقة

سِواك لنضد الأغاريض

المهدي الحمروني

تواشيح نبض

آمنة الأوجلي

حدث الحزن قال – 2

لطفي عبداللطيف

اترك تعليق