قصة

ذات غربة

من أعمال الخزافة ميسون عبدالحفيظ.

 

كان مساء شديد البرودة وكنا نتحلق حول مجمرة الصفيح و ننصت بخشوع لصوت جدتي التي تروى لنا بطولات جدي المطلوب جناية للطليان و كيف سرى بنجعه ليلا باتجاه بر مصر خوفا من باندة عاكف و بعض البصاصين . . لازلت أذكرها بملامحها البدوية و هي تدس بعض ذرات التراب في أيدي والدتي و زوجة عمي و بناتها المتزوجات . . كنت أراها على عكس أهل الحي الذي كنا نقيم فيه على أعتاب مدينة الأسكندر و هي ترقص بفرح طفولي حينما تصطبغ السماء بلون أحمر قرمزي يبعث الكآبة و الخوف، و حبات الرمال تحجب الرؤية و تلهب العيون . . كانت جدتي مثل عروس تنظر باتجاه الأفق الغربي و تقول : طيبك عجاج . . ثم ترتجز قائلة:

تراب برقة يادواء يا حنة . . يا طيب يآتي من جناين هلنا .

وكانت تأمر النسوة بتجميع التراب الناعم وحفظه في إناء من الفخار . . ثم تخلطها ببعض من مياه المطر وتصنع منه مزيجا تضمخ به أجساد صبايا النجع وتدخر ماتبقى للنساء في مواسم الحمل والوحم كي يتسرب الوطن عبر مشيمة أجنتهن سلسا و دافقا دونما حدود . . . يا الله كم مضى من عمر قبل أن أكتب حكاية عشقنا أيها الوطن قبل أن أراك ؟

وكم سفحت من دمي و عرق أبنائي على مذبحك المقدس و لم أعثر عليك واضحا و نقيا بلا جحود . . سوى في بلاد الناس!!

مقالات ذات علاقة

ثلاثة قصص قصيرة جدًا

علي مصطفى المصراتي

المثلث

جلال عثمان

الطريق إلى هوف- Hof

المشرف العام

اترك تعليق