تقارير

حوش الصابون تُسترد فيه الحياة من جديد

الطيوب / تقرير: مهنّد سليمان

حوش الصابون (المصور عبد العظيم وهيبة)

شهدت المدينة القديمة بطرابلس مساء يوم السبت 21 أغسطس 2021م على أنغام المالوف وأصالة كلماته وضوع البخور العتيق إعادة افتتاح دار الصابون أو ما درج على تسميته شعبيا بحوش الصابون الكائن بزقاق سيدي الحطاب، وذلك عقب الانتهاء من صيانته وترميمه خلال المدة الأخيرة تحت إشراف جهاز إدارة المدينة القديمة وبالتعاون والشراكة مع شركة (أكسل) ومنظمة المبادرة المعمارية، وقد حضر حفل الافتتاح عميد بلدية طرابلس المركز السيد “إبراهيم الخليفي” ومندوب عن منظمة اليونسكو وعدد من العاملين بجهاز المدينة القديمة ونخبة متنوعة من الكتاب والمثقفين والمهتمين.

عراقة المبنى

ويُقدر عمر هذا المبنى التاريخي بما يزيد عن 200 عام تقريبا وتحديدا إبّان فترة حكم العائلة القرمانلية لمدينة طرابلس التي امتدت ما بين عام 1711م وحتى عام 1835م حيث كان أحد المساكن التابعة للعائلة الحاكمة أوان ذاك الزمن، وفي عام 1890م انتقلت ملكيته لفليتشي ليفي وهو يهودي من أصول مغربية تابع للقنصلية الفرنسية وسُجل تحت اسم (إخوان ليفي) فحوله لمصنع تجاري أختص بصناعة الصابون المحلي وسُمي بمصنع الصابون الأخضر.

الصابون الأخضر

ويُشير المهندس “صلاح محمد حوادنة ” إن المصنع كان قبل زمن يهتم بصناعة الصابون لاسيما الأخضر منه والذي ظل استخدامه رائجا في الأوساط الاجتماعية والشعبية حتى منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، وغالبا ما يستخدم في المنازل وفي الحمامات العمومية، وتابع : وبسبب توقف الصناعة المحلية عن الأخذ بأسباب التطور نظرا لتقدم وتطور الصناعة في مجال مواد التنظيف التي غزت السوق المحلي الليبي توفرت صناعات جديدة وبأشكال متنوعة من الصابون المستوردة من الخارج وجاءت على مكانة وحساب الصناعة المحلية وقد تزامن هذا التراجع مع بواكير خروج سكان المدينة القديمة وهجرتهم للأحياء الحديث مع مطلع سبعينيات القرن المنصرم.     

سنوات من الإهمال

يتكون المبنى من طابقين وأربعة أروقة وباحة داخلية فسيحة كما تتوفر به عدد من الحجرات الكبيرة وتتفرع منها غرف صغيرة بعقود منتظمة وتيجان حفصية أضفت على المكان طرازا إسلاميا فريدا، وتتمتع واجهة المبنى بعقد نصف دائري وزخارف على حواشيه وذلك مراعاة لخصوصية المكان العربية والإسلامية. وفي خضام اندلاع الحرب العالمية الثانية تعرَّض المبنى لقرار التأميم من قبل حكومة الإحتلال الإيطالي بتاريخ 20 إبريل 1942م، ولم يسلم المبنى من نيران الحرب إذ دُمرت أجزاء كبيرة منه جراء الغارات الجوية البريطانية والفرنسية، ويضيف المهندس “صلاح محمد حوادنة” بأن المبنى ظل على حاله مغمورا بالظل ومحاطا بظروف التهميش والإهمال حتى تبنى جهاز إدارة المدن التاريخية في عام 2013م في إطار الاهتمام بالمباني والبيوت التاريخية داخل أسوار المدينة القديمة فكرة إعادة إحيائه مرة أخرى وبث الروح والحياة في أرجاءه كمتحف يحتضن فن المالوف والموشحات الأندلسية لكن تعثر مشروع صيانته لسنوات فارجىء تنفيذه حتى أبصر المشروع النور أخيرا، وكان المبنى قد خضع لعدة عمليات ترميم وصيانة خلال الأعوام الماضية بيد أنها لم تستكمل لتعذّر توفر ميزانية كافية.

فضاء للصناعات الحرفية والتقليدية

الجدير بالذكر أن المكان سيخصص كفضاء للحرفيين وأصحاب الصناعات الحرفية التقليدية لإقامة ورشهم التدريبية ومناشطهم المختلفة، يُشار إلى أن المبنى سبق وأن خضع لعدة أعمال صيانة وترميم على مراحل متفاوتة، وحوش الصابون يحمل الكثير من الصفات الحضارية والطراز المعماري القديم الذي يُشعر زواره بمكامن الدفء ومناطق الألفة بين أروقته وبعد سنوات طويلة من الإهمال ينفض غبار الدهر أخيرا عن هذا المكان ويبث في أوصاله الحياة مؤكدين بوعي على مكانته المعمارية والثقافية في المجتمع الطرابلسي خاصة والليبي عامة.       

مقالات ذات علاقة

غدامس .. سماحة الأهل

المهدي يوسف كاجيجي

ليبيا تستعيد 30 قطعة أثرية

المشرف العام

لنبتكر من أجل مستقبل أخضر

مهند سليمان

اترك تعليق