الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو
المقالة

حكاية عن كاتب لم يثرثر

بوابة الوسط

لو أن كاتبا ليبيا تهور وأعلن أن كُتاب ليبيا لا يقرأون لأطلقت كتيبة مثقفين كاملة نيران أقلامهم عليه من الاتجاهات كلها، ولذلك سأكتفي أنا بالإعلان أنني لا أقرأ كما ينبغي، ولن أتحجج لا بالتلفزيون ولابـ (الفيس بوك)!

صحيح أنني أقرأ يوميا ولكن أسطرأ قليلة، وأتابع الصحف والمقالات ولكن القصيرة منها فقط، أما الطويلة فكثيرا ما أتخلى عنها مالم يشدني كاتبها بموضوعه أو بأسلوبه. وهذا أمر لم يعد خافيا على أحد، بل كثيرا ما يحدد بعض رؤساء التحرير عدد الكلمات التي يريدونها من كتابهم!
أعترف أنني لم اكمل كتابا منذ فترة، أو إن قراءته لا أعطيه حقه في التركيز، بل أتنقل بسرعة، بل وكثيرا ما أتوقف متسائلا ما هذا الذي افعله؟ معاتبا نفسي على هذا الخداع.

قرأت أيام عطلة عيد الأضحى، اليي ما زلت احتفل بها منذ سبعين عاما دراسة تناولت كاتب فرنسا الكبير (فيكتور هوجو) الذي تندرنا من صراحته في اعترافاته. وكان ما صدمني من الدراسة غزارة إنتاجه، وأنا الذي لم اقرأ له سوى رواية (أحدب نوتردام) من بعد أن شاهدتها فيلما في الستينيات، أما (البؤساء) فقد نسيت أحداثها.
وكالعادة، وضعت أوراقا وقلما بجانبي، وبدأت في تدوين ما أرى أنه قد يكون مفيدا أستثمره في مقال من مقالاتي. كانت أول ملاحظة كتبتها أن فيكتور “زير نساء”، كان ذلك بعد قراءة أكثر من خمس صفحات عنه! وعندما عدت من بعد أن أتممت المقالة إلى ملاحظاتي، توقفت قليلا عند ملاحظتي الأولى، وحمدت الله كثيرا أنني ما زلت أفكر بعقلية الشباب العربي المثقف وغير المثقف!

تقول الدراسة أن فيكتور هوجو الشاعر الفرنسي العظيم هو منارة للعدل والحرية. وهذه أول مرة أعرف أن هوجو شاعر! ثم يستمر السرد فأعرف أنه قاص وروائي ومسرحي وناقد، وفوق ذلك كله رجل سياسة، وأن كتاباته بلغت 48 مجلدا ترجمت إلى 44 لغة فقط، وتوقفت عن التدوين محاولا أن أدون ما أعرفه من هذه اللغات وتوقفت بعد 11 لغة فقط، مع أنني استعنت بزوجتي القارئة والكاتبة والدكتورة في الرياضيات!
قيل عنه: “أن شمول كتاباته ليس له نظير” وأنه “سيد عصره بلا منازع ” و”أنه أتاح لعذاب المضطهدين أن يكون له صدى” وهو يعتبر مثلما يقول النقاد “شكسبير فرنسا”.
هوجو أصبح شاعرا غزير الإنتاج منذ أن بلغ الرابعة عشر من عمره، وأصدر صحيفة من أخوته نشر فيها خلال ستة أشهر 112 مقالا و22 قصيده بأسماء مستعارة وذلك يعني أنه المحرر الرئيسي لها. قيل عن أول رواياته (هان الآيسلندي): “هذا عمل جميل وعظيم وخالد”. ولكن هذا الخلود لم يطل أرفف مكتباتنا، فأنا لم أسمع قبل عن هذا العمل، ولا عن رواية (بوغ – جارغال) ولا مسرحية (كرومويل) ولا عن قصائده (الشرقيات) ولا مسرحيته (ماريون دبلورم) ولا روايته (اليوم الأخير لمحكوم بالإعدام).. ولا ما كتبه من بعد كان عمر 27 سنة فقط! أما (أحدب نوتردام) فقد كتبها وعمره 28 سنة، وبعد ثلاثين عاما كتب (البوساء) أما ما كتبه خلال هذه السنوات الثلاثين فلا شك أنه بحجم مكتبة كاملة!.

لا أعلم سوى أن علاقاته النسائية كانت واسعة، ولكنني لا أعلم عما قالوه عن بخله المتناقض تماما مع سخائه في مساعدة المحتاجين، ولا أعلم عن مواقفه السياسية وقناعته بالنظام الجمهوري، ولا أعلم أنه اختار منفى ظل به لسنوات وكانت أخبار فرنسا تأتيه تباعا فكتب “أسطورة كل العصور” الذي يحوى القصائد التي كتبها في المنفى، وكانت رائعة بليغة قال عنها أولئك الذين ترددوا في الاعتراف بعبقريته: “أن فيكتور هوجو وحده الذي تكلم فيما كان الرجال يثرثرون”. وبعد هروبه خشية اعتقاله سنة 1851 عاد إلى باريس بعد إعلان الجمهورية الثالثة سنة 1870. وقد استقبلته الجماهير التي كانت تتابع كتاباته من المنفى تنتظره في محطة قطارات باريس، تنشد أبياتا من قصائده (العقوبات) فقال لهم والدموع تملأ مقلتيه: “لقد عوضتموني في ساعة واحدة عذابات منفى استمرت 19 سنة “.

تقول سيرته أيضا، أنه عندما منح الرئيس شارل ديجول سنة 1944 النساء الفرنسيات حق الاقتراع، ذكر أن فيكتور هوجو طالب بهذا الإجراء منذ سنة 1872! وعندما ألغيت عقوبة الإعدام في فرنسا سنة 1981 كان هوجو مناهضا لها منذ قرن مضى! كانت كلماته الأخيرة -هو ولست أنا -: “إني أرى نورا أسود”.

مقالات ذات علاقة

كلمات في الأدب..!!

عبدالواحد حركات

عقلنا المتواطئ

وفاء البوعيسي

اضمحلال دور النخب

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق