المقالة

حكاية آخر ماموث في ليبيا

النصيحة الجيدة لمشاهدة ليبيا ثري دي، لا تحمل معك فوشار، يمكنك الاستفادة من الحرية التي يوفرها الظلام، ووضع يدك في فوشار غيرك، ستلاحظ فرق النكهة ونشوة الغلبة، سيزيد الانتشاء كلما طالت اليد واستطالت، فكل ما تقبضه حينها حق متعوب عليه وهو لا فصال من حقك.

في ليبيا ثري دي، فيلم حول مجموعة من الأفيال تعيش في محمية واحدة، بينها علاقات شبه بشرية، ومن خلال إدارتها للصراع يمكن للفيل أن يثبت لأطفاله أن أصله إنسان وليس ماموث.

مشروع بعض الأفيال في الفيلم الليبي، أن تجمع ما بين الطيبة وحياكة الدسائس، قتل القتيل وزيارة قبره يوم الجمعة وجلب الظلام وايقاد شمعة في الآن نفسه وإخفاء العصا لتتقدم البندقية!

بعض الأفيال كانت جادة في القتال من أجل قيم كالحق والخير عند بني البشر، لكن  ليس من أجل الجمال كقيمة غير مفصولة، فهي إن لم تحارب الجمال بنفسها، أعرضت عن الدفاع عنه باعتبارها غير معنيه به، وتركت غيرها يدعسه أمامها، من باب لا تتدخل فيما لايعنيك حتى لا تجد مالا يرضيك.

أما الأفيال المعنية في الفيلم الليبي بالقتال من أجل الخبز، فهي لا تختص بقتال “الكوش” فقط، إنما تتخطاه إلى قتال البنية المنوية للناس لكي تعم  الحيونة، هناك أيضاً الأفيال التي لا تتقدم إلا إذا تقدم أصحاب الرايات الناصعة، كي يفتحوا لها الطريق لتصبح من ثم في المقدمة، نوع يذكرك بحملة السيوف  في المسلسلات الاسلامية، لا يتقدم إلا بعد أصحاب الرماح في المعارك، الفيلم يقول لك إن الأمر نفسه  يحدث حتى في المسلسلات التي لم تعلن إسلامها، فلا تفتح فمك.

الحرب أيها الفيل، لا تحتاج ناقة لكي تنشب، تحتاج إلى أحمق يشعلها ثم يترك البقية للحمقي، وفي العصر الحجري الحديث صارت بحاجة لمواقع تواصل اجتماعي تمارس القطيعة الاجتماعيه والتهتك اللفظي علي أفضل وجه، وللكثير من زريعة الحريق، الكثير الكثير.

هذا جوهر ما يقاتل من أجله أصدق فيل في المحمية المجاورة للذين يكونون على حق في البدايه ثم يتخذون وسائل خاطئة في سبيل استرجاعه، لظنهم بأن المبالغة تعجل في كسب التأييد، لكن مايحدث في النهايه عكس ما ذهبوا إليه، ينتهون إلى نقيض ما بدأوا به.

يأتي الفيلم كذلك على دور من يقاتل على هامش القتال، من يحضر البنزين للنار عندما توشك ان تخبو، يجلب العصي للمتعاركين، ويقدم إعلام الهلوسه للدائخين، ويفتح بوابة الحظيرة للكلمات البذئيه المشبعة بالروث، وقبل ان يذهب ليأخذ قسطاً من الراحة يضبط مراوح الريح باتجاه الحريق، لكي ينتشر أكثر، ثم يترحم على أرواح الشهداء ويتمنى الشفاء للجرحى والعودة للمفقودين وأن يحفظ الله ليبيا من شرور الكائدين!

يعرض الفيلم في قسم منه لمن يقاتلون لإشباع رغبة كامنة ومتأصلة في الذبح والنهش والتمزيق والسلخ والسحل وشرب الدم  وتمزيق الثياب والتمثيل بالعورات، قتال ظاهره وطن وحقيقته عفن!!

ولأولئك الذين يقاتلون من أجل حقوق تبدو تقدمية، لكنهم لا يختلفون عمن يخالفهم الرأي، لأنهم يسلكون نفس الطريق المتطرفة في الخصومة، أخت طريقة خصومهم المتطرفة، ينهشون أعضاء بعضهم التناسلية أمام الناس ولا يدخرون في هتك أعراض بعضهم سبيلاً، قضيتهم كقضية خصومهم، عادلة لكنها ما أن تخلع  سروال أحد الظالمين بالكلام والأفعال حتى تصبح هي نفسها ظالمة.

الحرب الأهلية التناسلية في الفيلم الليبي، لا تميز ظالماً عن مظلوم، متهماً عن ضحية، ضعيفاً عن قوي، وذكراً عن أنثى. الجميع يستعمل خرطومه في تجريد الآخر من الثياب ونبش التاريخ الجنسي للعائلة ومحاولة اثبات أنهم لا يماثلونهم آصلاً وفصلاً، فأمهم  ليست حواء وأبوهم ليس آدم، أبداً وعلى الإطلاق!

ومن عداء أحول إلى عداء أعور، تأخذ الحرب صوراً متعددة بعضها عنيف كخطاب الشيوخ المعنيين بحصر الإسلام في الجنس والقتال وصولاً إلى جنة عرضها السموات والأرض يملؤها جنس متواصل، وبعضها سوريالي يشبه خطاب تحرير ليبيا، أما الذي يماثل منها في قوته، قوة إيران في تخصيب اليورانيوم، فهو الذي يتولاه على غرار ناشط سياسي، ناشطون جنسانيون!

يتبادل الظالم والمظلوم مضغ الأعضاء الحساسة في مشهد مستوحى من فيلم الرسالة، حين لاكت هند بنت عتبة القرشية كبد حمزة بن عبد المطلب القرشي (أبناء عمومة واحدة) ثم بصقتها بعيداً، الفرق أن هنداً باختيارها الكبد لخصت كراهيتها لحمزة أين تكمن، كان بوسعها العبث بأعضائه الحساسة، ولم تفعل، لأن شيطانها وهي ماتزال من الكفار لم يصبح ليبياً بعد، ليكون مؤهلاً للإيحاء لها بـــ وحشي خوزقه بدلاً من وحشي مزقه.

من عادة دور السينما منح المشاهدين استراحة، خرجت في هذا الوقت للحمام وضيعت رقم صالتي، فتحت أبواب صالات أخرى ورأيت أفلاماً مختلفة، راقني أحدها فجلست أتابعه، بينما تركت معطفي وبخاخة الفلفل ومناديل البصاق وطاسة الخلعة – الأشياء الوحيدة التي تمثلني- في صالة ليبيا ثري دي.

في الصالة التي لجأت إليها ،قال ممثل سبق أن رأيته في فيلم نظرية من كل شيء شوي: “أعيدوا لهؤلاء الناس الملاكمة والمصارعة والرماية وركوب الخيل وتنتيش الشعر وتمتيع السيارات فوق أسطح البنايات، وشرعوا لهم حمل “الحبلة” في المصالح الحكومية، إن أردتم افتكاكهم من السلاح والدبابات وافتكاك السلاح والدبابات منهم. واكتبوا بنداً في الدستور يبيح سب دين الأمهات لحاجة الشعب الماسة إلى ذلك”.

فجأة علا صوت صراخ وصافرات إنذار، إثر حريق اندلع في صالة ليبيا ثري دي… ياإلهي… معطفي هناك، بخاخ الفلفل، فيلي الصغير، بل طاسة الخلعة.

____________

نشر بموقع هنا صوتك

مقالات ذات علاقة

سمو الإنسان

علي بوخريص

عرائس الشعر تبكي رحيل سيدها

أحمد إبراهيم الفقيه

موت الصحافة الثقافية! (1-2)

أحمد الفيتوري

اترك تعليق