المقالة

حزب المرابيع

إنقضت الأربعون العِجاف لكن العادات التي إكتسبناها من تلك العقود المشؤمة لاتزال تعيش معنا ولعل أسوأها عادة النواح والبُكاء على اللّبن المسكوب۰

حيثُ ما وليت وجهك لاتسمع ولا ترى إلا جوقة النائحات وصرخات نواحِههن القبيح تصم الأذان وكل نائحة منهن تتفنن في تعداد مزايا هذا الوطن الذي قرروا نيابة عن كل أهله أنه قد مات وأخدوا يتفننون في تدبيج الرسائل التي ينعونه بها وهم لايدرون أن الأوطان لاتموت إلا بموت أهلها فإن كانو يزعمون أنهم هم أهل هذا الميت فالأولى بهم أن ينعوا أنفسهم وينحوا عليها لكنهم ليسوا أبداً بأهله إن هنّ إلا نائحات يمتهنّ النواح لكسب عيشهن۰

الوطن لم يموت ولن يموت نعم هو في محنة ما كان له أن يقع فيها لو جعل أبنائه العقل مرشداً لهم في مسيرتهم الجديدة لكنهم أثروا الإنقياد وراء كل ناعق وزاعق حتى أوصلوهم ألى هذا المكان المُتصحر ليجدو أنفسهم في مواجهة حقيقة مُرعبة وهي أنهم يقفون على أبواب صحراء التيه ذاته والتي بدلو الغالي والنفيس قبل سنوات قليلة للخروج منها ۰وهم الأن بين أمرين أن يحزموا أمرهم ويشبكو أيديهم وتكون كلمتهم واحدة بأنه لاعودة لصحراء التيه من جديد أو أن يظلوا في نقاشاتهم البيزنطيه حول أسباب وصولهم ألى هنا ويظل كل منهم يُحمل الأخر المسؤلية ۰لتعلو الأصوات وتتشابك الأيدي ويسقط الدم بينهم فلا يعود أمامهم من مهرب إلا صحراء التيه تلك لتحميهم من ثارات بعضهم عند بعض۰ وما نراه يحدث الأن على الأرض سيوصلنا شئنا أم أبينا إلى تلك النهاية المََُرعبة فهل من مخرج؟

المخرج بين أيدينا وأمام أعيننا لكنّ هرجنا ومرجنا وتعالي أصواتنا وقبضاتنا في وجوه بعضنا البعض يُعمي أعيننا عن رؤيته۰

المخرج لن يكون بلعن الحكومة والمجلس الوطني وتوجيه الإتهامات لهم بالخيانة والعمالة فما الذي تنتظرونه من حكومة ومجلس توجه إليه فوهات البنادق من كل الإتجاهات ۰ كيف لهذه الحكومة أن تعمل وهي رهينة تجادباتكم المناطقيه والجهوية والإيدلوجيه أيضاً ۰

الفشل الذي تُعانيه البلاد لم يكن أبداً سببه الذين تولوا المناصب القياديه في الدولة عقب الإنتفاضة ۰۰ الفشل أنتم سببه لأنكم لم تستطيعوا أن توفروا الشرعية التي تستطيع هذه الحكومة وهذا المجلس أن يستند إليها لإتخاد ما يلزم إتخاده من قرارات حاسمة تُعيد الإستقرار والأمان إلى البلد۰

لقد إرتضيتم أن تكون الديمقراطيه نهج لحياتكم ولكنكم نسيتم أن الديمقراطيه ليس لها مخالب ولا أنياب لتدافع عن نفسها وأنها بحاجة اليكم أنتم لتدافعوا عنها۰

الديمقراطيات لاتحميها الجيوش ولا البوليس ولا العصابات المُسلحة الديمقراطيات تحميها الشعوب ۰

كل ما نريده للوصول إلى مخرج من أزمتنا هو أن نعتبر من تاريخنا القريب وأن لا نكرر الخطأ القاتل مرة أخرى ۰۰ فلولا الصمت والتخادل لجيل السبعينات من القرن الماضي تجاه تدمير القذافي لمؤسسات الدولة المدنية التي كانت قائمة قبل مجيئه لما تغول القذافي ولما ضاعت أربعة عقود من عمر الوطن في العبث واللهو ۰

إذا ما كنا حقاً جادين في قولنا بأننا لن نعود للقيود فعلينا أن نضرب الأن وبيد من حديد على كل يدّ تمتد إلى مؤسسات الدولة المدنية الوليدة وتحاول تكبيلها۰

نعم لقد أضعنا كثيراً من الوقت في تجريب المُجرب ولكن الأوان لم يفت بعد لإبتكار صيغة فاعلة تكون قادرة على لململة شتات هذا الوطن۰ وهذا لن يكون إلا بتخلي الأغلبية الصامته عن صمتها وإدراكها للعواقب الوخيمة لهذا الصمت على مستقبلها ومستقبل أبناءها۰

المخرج أيها السادة سيكون بخروج أعضاء حزب المرابيع من مرابيعهم الضيقة إلى ساحات وشوارع الوطن ليبلغوا كل العابثين بأنهم هم أصحاب المصلحة الحقيقيه في هذا الوطن وأنهم لن يسمحوا لأحد بأن يعبث بمستقبل وطنهم۰

لدينا الأن الأليات التي نستطيع من خلالها بناء صرح ديمقراطي عتيد ۰۰ لدينا مؤتمر وطني مُنتخب وحكومة مُنتخبة من مُمثلي الشعب وكل ما نريده هو توفير الشرعيه الشعبيه لهذا المجلس ولهذه الحكومة لتتخد القرارات المصيرية التي ستقرر مصير هذا الوطن وهذا لن يكون بترك هذه الحكومة وهذا المجلس تحت سطوة العصابات القبلية المسلحة ۰۰ هذا لن يكون إلا بخروج الملايين من مرابيعها لتنصب خيامها ولتعسكر حول مقرات هذه الهيئات التشريعيه والتنفيديه لتحميها بأجسادها ولتقوم بتنفيد قراراتها بحل التشكيلات العصابيه المسلحة ۰

فتنفيد قرار المجلس الوطني بنزع المظاهر المسلحة وحل المليشيات لن يكون بتسليط فصيل عل أخر أو قبيلة على أخرى ۰۰ هذا القرار لن يُنفد إلا بتوجه الملايين العزلاء لمحاصرة مقار هذه المليشيات وإجبارها سلمياً على نزع سلاحها والخضوع للشرعيه۰

أمام حزب المرابيع فرصة قد تكون الأخيرة ليتشكل الأن وليُعلي قيمة الولاء للوطن على كل قيم الولاء المناطقيه والقبلية ۰۰ فغادروا مرابيعكم الضيقة قبل أن يستفحل الأمر وتحبسون فيها تحت وطأة الرعب القادم إلى الأبد ۰

لا تلوموا أحداً سوى أنفسكم فأنتم وحدكم من بيدكم مستقبل هذا الوطن وعليكم الإختيار بين أن تورثوا أبنائكم جنةً وارفة الظلال أو تورثوهم وطناً أسوء من الوطن الذي أورثكم أياه أبائكم ۰

أنتم من بيدكم أن يقرر ما أذا كان أبنائكم سيعيشون في ظلال وطن عزيز يصون كرامتهم وبين أن تروهم مشردين في خيام الإيواء على الحدود الغربية والشرقية يستجدون إحسان المُحسنين ۰

أنتم من بيدكم أن تحفظوا كرامة حرائركم من أن يتحولن إلى بائعات هوى في الدول الشقيقة والصديقة يتكسبن بشرفهن لقمة عيشهن وما العراق والصومال منكم ببعيد۰

لقد أزفت الازفة وليس لها من دونكم أنتم كاشفة فأكشفوا عن صدوركم ووجوهكم وأخرجوا لمواجهة هذا الخراب القادم قبل أن يقتحم عليكم غرف نومكم وينتزعكم من أسرتكم لتذبحوا أمام نسائكم المُغتصبات ۰

قد تستطيعون الإستمرار في الكذب على أنفسكم وإيجاد المبررات لها لكن لا أحد يُزور التاريخ وسيجل التاريخ أن صمتكم اليوم وتخادلكم عن نصرة الشرعية في وطنكم هي سبب إنهيار وطن وفناء أمة۰

ألا هل بلغت ۰۰۰۰۰ اللّهم فأشهد۰

مقالات ذات علاقة

الوعي بالصالح العام

علي بوخريص

تجربتُنا مع مسابقة أمير الشعراء!

المشرف العام

الهوية الوطنية في ليبيا وأهميتها في إعادة بناء الدولة

المشرف العام

اترك تعليق