المقالة

بحر العربية

بحر العربية

كلمة في ذكرى عالمية لغتنا

 

 

هل تحتاج لغتنا إلى يوم عالمي نستذكرها فيه ؛ وباقي الأيام نعود من سوق عكاظ، لنبدأ العقوق من جديد للغتنا؟

إن اللغة العربية لغة حية   ، مهما حاول المتأولون من وضع خطب بيانية ، وسجالات فكرية ، ومحاولات خارقة لإقناعنا أن اللغة العربية هي لغة قاصرة أوغير علمية ، فلن يقنعنا شيء من ذلك…
فيستدلون بعمل الأطباء ، أو صيادلة العالم أو اختراعات العلم والتكنولوجيا ،  فليس من الإنصاف  أن تُصنف لغتنا العربية التي حازت الفضل بنزول القرآن الكريم بها ؛ أن تكون في مصاف لهجة من اللهجات ، أو تكون غير مقبولة على ساحة الحياة .

ونحن إذ بدأنا بتساؤلنا عن أن يكون هناك يوم عالمي للغتنا الحبيبة ، هو في حقيقة الأمر شيء مفرح ومن جانب آخر ينقبض له الفؤاد حزنا ! مفرح : أن لغتنا لها ذيوع عالمي ، وركيزة ومكانة تغيظ كل من يحاولون إضعافها أو نسبة القصور إليها،

ومحزن : من ناحية أن لغتنا لغة قوية ثابتة ، وتثبت ُ جدارتها وأحقيتها كل يوم ، ولاتستحق الإشارة أو وضعها في مصاف اليوميات والذكريات وكأنها شيء مر عابرا نستذكره وينتهي كل شيء . يعود بنا الحديث أدراجه لنستظهر هذه اللغة التي لايغيب عن بال أحد أنها لغة القرآن الكريم ، ومن القوة بمكان حتى أن المتخصصين أنفسهم يستصعبون خوض غمار بحرها العباب العامر ، وكلما حدّ العلماء اللغة ومفرداتها ؛ وجدوها تنوء بكثير من الدرر والنفائس التي تعجز الأذهان عن فهمها وحملها.
فهي لغتنا التي تغنى الشعراء بكلماتها ، وأسقطوا أبرع الحروف على صحرائها وسمائها ، وليلها ونهارها ، وبحرها ونهرها ، عذبها

وأجاجها ، حروبها وضروسها ، سلمها ونعيمها ، سيفها ونصلها ، شجعانها ومغاويرها ،نسائها ورجالها ، مجالسهم ومسامراتهم ، أقوالهم وأغانيهم ، مصادرهم ومراجعهم ، سيرهم وأحداثهم، تاريخهم ونسبهم ، أيامهم وذكرياتهم ؛ أعمالهم وراحتهم ، سفرهم ومقدمهم ، غدوهم ورواحهم ، فرحهم وحزنهم ، عيونهم وحورها، أرضهم وصخورها ، جبالهم وعيونها ، سحابهم ومطرها ، مزنها وغدقها ، وابِلها وطلها ، صيفهم وربيعهم ، ثمرهم وكرمهم ، ماضيهم ومستقبلهم ،

مشتقهم وجامدهم ، صرفهم ونحوهم ، تمييزهم وحالهم ، عددهم وإضافتهم ، مرفوعهم ومجرورهم ، منصوبهم ومبنيهم ، طويلهم وقصيرهم ، عبيرهم وشذوهم ..غزلهم وهجائهم ، فرحهم وترحهم ، بلاغتهم : بيانها ومعانيها وبديعها ، كنايتها واستعارتها ، إيجازها وإطنابها ، سجعها وجناسها ، مقابلتها ومشاكلتها ، تشبيهها وتمثيلها. هذه قبضة يسيرة من بحر اللغة ، وعمق معانيها ، وإثرائها وثرائها ، كم هي لذيذة على اللسان ، طيبة على الذوق والبيان ،كم من رجل رفعه لسانه ، وكم من امرئ خفضه وأذله كلامه ، لغة منطوقها الفيصل ، ومسكوتها السر المكنون . لغة بالإشارة تجلت ، وبالبيان تعرّت ، وبالفصاحة نضحت ، وبالبلاغة أوجزت وأطربت وأوقعت.

لغة : سلّمها طويل وبئرها عميق وبحرها بالدر والمرجان غريق …. لغة : أعتز أني من أهلها  وبلسانها ، وكلمها وجملها  ومفرداتها ، أرتدي وأتقلب في نعيمها المقيم حتى يوم الدين . فلنحافظ على لغتنا ، ولندرأ عنها شبهات القصور ، ولنعمل سوية من أجل أن “نفعّلها لغةَ ” للبرامج الحاسوبية ، والتطبيب والصيدلة والتكنولوجيا العلمية . فهي كذلك إلا أننا لم نستوعب ذلك.

 

 

مقالات ذات علاقة

الجنوب الأخضر

يوسف القويري

وطن الغزلان

مأمون الزائدي

الكلب والسيارة

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق