قصة

امرأة من بنغازى

عيشة بنت الحوات.. من أعمال التشكيلية نجلاء الشفتري.

كانت (ليلى) لا تنفك بشكل يومي تقف أمام المرآة تقلب النظر في وجهها وكان كل ما يزعجها هو ظهور بضع من الشعيرات البيضاء تتقدم شعر رأسها كانت تتفرس مليّا في هذه الشعيرات البيضاء إنه الشيء الذي يقلقها أكثر فأكثر أن يمر عليها الزمن دون أن تولج حياة الرجل.

إنها تشعر باليأس يلف جسدها الذي ينتفض بالأنوثة بشكل دوري.. إنها تشعر باليأس يتسرب إلى نفسها وهي تتقدم في العمر دون أن تحصل على رجل كزوج لها ويفض حالة السكون حولها. لقد تقدم بها العمر وظلت حالة اليأس كأنثى تدب في أوصالها وهذا القلق الذي لا ينفك عنها.. كل ما كانت ترجوه هو الحصول على رجل بأي ثمن.. كانت كل مرة عندما تلامس جسدها تشعر بالضيق لجسد ظل محصورا ما بين أربعة جدران يتطلع إلى زوج هكذا خلقها الله.. كانت والدتها تشعر بالقلق حول ابنتها فكانت تذهب إلى الشيخ وتعلق التمائم على صدر ابنتها لعل الله يفرج عن كربتها ويأتي إليها كما هو سائد بين أقرانها اللاتي يتطلعن إلى عريس.. المرأة في المدينة تتوشح برداء العار هكذا جرت العادة إذا ما لامست رجلا.. أو حتى تسربت نظرة إليها. لقد وضعت في حيز تصوره جدران تقضي معظم وقتها داخله..

لقد ظلت (ليلى) مسورة بإسار التقاليد كما كان سائدا بين قريناتها من الإناث اللائي ظللنا على هذا الحال.. لقد مضت سنوات وهي تنتظر رجلا يطرق باب بيت أهلها.. كانت كلمة (عانس) هي التي تقوض شعورها بالأمل.. كانت أنفاسها تتهدج عند سيرة أي رجل.. لقد تخلت عن فكرة فارس الأحلام الذي يأتي ولا يأتي. وأدخلت في نفسها أنها سوف تتقبل أي رجل يطرق باب أهلها من أجلها مهما كانت صفته.. لقد تخلت عن فكرة فارس أحلامها بشكل مطلقا..

عندما سمعت بأن قوات (القذافي) تطرق أبواب المدينة قفز إلى ذاتها شعور غريب أنها سوف يخطفها أحد الغزاة ويذهب بها بعيدا ويفك عنها غربتها التي عانت منها طويلا.. في أحد الأيام استيقظ سكان البيت وشعروا بأن ابنتهم غائبة عن البيت.. لقد ظلوا طوال اليوم يبحثون عنها دون جدوى.. لقد انتابهم شعور بأن ابنتهم اليائس قد هربت من البيت إلى جهة غير معلومة.. وذهبوا إلى أقسام الشرطة بحثا عنها بعد انقطاع السبيل للوصول إليها حيث توصلوا مع المحققين العثور على إحدى الجثث متعلقة بامرأة يافعة مرمية في فضاء وسط المدينة.. وتعرف أهل البيت على الجثة على أن لها صلة بابنتهم.. لقد وقع عليهم الحادث وقع الصاعقة.. ظلوا في حيرة لأيام حتى توصل المحققون إلى خيوط الجريمة.. كان هناك شاب أراد أن يستميلها للزواج حيث كان ينظر في عينيها لهفة الزواج وأوهمها أنه سوف يعقد عليها الزواج بشرط أن تختلس مصوغات والدتها ليقدمها لأهلها كمهر للزواج وبالفعل قامت الفتاة بسرقة مصوغات الأم وذهبت راكضة إليه تحمل مهرها لتتلقى طعنات حادة في صدرها الذي ظل يحلم بالزواج والحصول على رجل.. كان يؤرقها طيلة حياتها.. لقد ذهبت (ليلى) ولم تطل أي حلم كان يراودها في أن يكون لها زوج لم يأت في دنياها..

___________________
ملحوظة: وقائع هذه الفصة حقيقية.

مقالات ذات علاقة

أزهار الفقد

المشرف العام

عند الخامسة والخمسين…

عزة المقهور

الساعة

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق