قصة

اليباس

قال الرجل:” إن امرأة ترتدي هذا الثوب تبدو أقرب إلى راقصات الفلامنكو”. ألح على مخيلته . فكر : “ستبدو مثل الفراشة العديدة الألوان “. منح مخيلته راحة أكثر. فكر :” ستبدو مثل حمامة زاهية الألوان .”. أتاح لخياله الانسياب . قرر : ” ستبدو مثل طير يشبه الطاووس. لكنه يفوقه رشاقة ونعومة .”. كان الثوب يقف، خلف الزجاج ، بوداعة و لا مبالاة. لا ينقصه، في وقفته تلك ، إلا أن تدخل فيه امرأة . وكان الرجل منجذباً ، بابتهاج طفولي ، إلى تآلف الألوان : الأحمر القلق والأزرق المستريح والبنفسجي المتكتم والبني الكئيب الغافي والبرتقالي النابض الحميم . الألوان تمثل ريشاً منتفشاً في خيلاء وديعة لطائر يشبه الطاووس، لكنه يفوقه رشاقة ونعومة ، رسم في اتجاهات متعددة متداخلة. خمن الرجل أن امرأة ترتدي هذا الثوب ، يكون عنقها واضحاً كالمنارة ، وتقويسة الفتحة تفرج عن إشعاع المنطقة المتاخمة للنهدين ، اللذين يكون بوسعهما التعبير عن وجودهما بصيغة أقوى حين يبدوان بشموخ وعصبية كما لو كانا سيطفران إلى الخارج ، ثم يبدو قوسا الخصر ، بتراجعهما الخجول إلى الداخل ، أكثر إغراء وحميمية . الاتساع المتدرج الذي ينبع من الحوض حتى فوق الكعبين بقليل ، سيجعل المشية هينة أنيقة لسيطرته على حركة الساقين ، ويعطي ، للناظر ، إحساساً بالدفء والليونة والعرى المحجوب . ضبط الصورة في ذهنه : ” ستكون مثل غزال الجنة .”. تحسر : ” لو لي عشيقة .. حبيبة .. صديقة .. انثى من هذا القبيل ، أشتريه لها.”. ظل يتأمل الثوب ويتخيله على امرأة جسدها مكتنز كالدلفين .. ” لو هناك ما يبشر بأني سأقيم علاقة مع امرأة ، لاشتريته واحتفظت به .”. ” هذا الثوب يجب أن ترتديه امرأة . امرأة تظهر مفاتنه .”. خطر له أن يحرم نفسه من أشياء كثيرة ويشتريه ليمنحه لأية امرأة تروقه يصادفها . ضحك للخاطر العابث . وهو يهم بالمغادرة ، لحظ فتاة قادمة مثل مهرة طليقة . استبد به الخاطر العابث . اقتربت المهرة . استجمع جسارته :

– يا أخت . يا أخت . لو سمحت ..

توقفت .. استفسرت بحركة من رأسها ..

– عفواً . خدمة بسيطة لو سمحت..

همست في ارتباك و ارتياب:

– تفضل !..

– لعل الموقف غريب .. اسمحي لي ..

تكلمت بصبر نافد:

– تفضل !..

– أريد رأيك في هذا الثوب ..

نظرت في وجهه بقسوة و استنكاف:

– العب مع جماعتك !.

بنغازي 17-4-1977م

مقالات ذات علاقة

نوّارة الفهم

رضوان أبوشويشة

زَهرة تحت الرُكام

سمية أبوبكر الغناي

قلب أم في جسد الوطن

محمد ناجي

اترك تعليق