من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
قصة

المرابط

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
من أعمال التشكيلي عادل الفورتية


بخور الجاوي يملأ اركان الصالة، يتصاعد في خيوط متعرجة، يصطدم بالسقف ، ويعرج الي الانوف التي غطتها اللثم البيضاء، صوت الدفوف يلهب المشاعر، يزيدها حماسا و نشوة, فتهتز الروس المنسجمة مع الايقاع.

 في المنتصف ثلاث رجال انتابتهم حالة هستيرية، يسقطون ارضا ، يرتعشون كمن اصابتهم حمي التيفود ، يصيحون الله الله الله الله ثم تسكن اجسادهم ،تتيبس ، تتشنج حتي يخيل اليك انهم في سكرات الموت، المرابط حسن كالمايستروا يجوب الحلقة ، يمسك البندير ، يلاعبه في حركة بهلاونية مبهرة، بعد كل شطحة ينشد قصيدة صوفية، يتمايل معها، صوته الخن يطفي علي المكان شيئا من القداسة، تردد معه الرؤس المتمايلة الله الله الله ، يضرب صدره بيده ، يحاول التقيء ولمزيد من الاثارة والتشويق لايخرج من فمه شي، يحاول مرة اخري، يلفض الجاوية في البندير، تدحرج عليه مصدرتا زمجرة خفيفة ، يلقيها في البخارة فيتصاعد الدخان وتتصاعد اصوات البنادير.

عند منتصف الليل، اقترب من المرابط رجل قصير يبدوا أنه ليس من المنطقة، يمسك بامرأة بالكاد تستطيع السير، تسبل ردائها علي رأسها المرتعش:

– أمي مريضة ونبوك يا سيدي تاخدنا إلي ضريح أبوك نتبارك بيه.

قالها الرجل القصير وهو يخفض راسه في تودد.

كان الليل يسدل عبائته القاتمة، ويغرق الاشياء الحية والميتة في وحل السكون، إلا من عزف منفرد لجندب يغازل محبوبته. انطلق الاثنان ثالثهم المرأة المريضة، يتلمسون طريقهم في الظلام الي الضريح. المرابط حسن في الأمام يحمل مصباحا صغيرا، الرجل القصير ورائة وهو يسند المرأة تجر اقدامها ببطء، كان ضريح المرابط الأب في السفح تناثرت المقابر حوله، كان عبارة عن حجرة بيضاوية ذات مدخل خفيض مبنية بالطوب، تعلوها أعلام خضراء وأخري بيضاء.

اقتربوا، شيئا فشيئا يتنامى الرعب في قلوبهم بين القبور، وعلي حين غرة صوت نحنحة يمزق استار الصمت، كان اتي من ضريح المرابط، صاح الرجل القصير أبوك جانا يا مرابط، ولى ثلاثتهم الأدبار، المرأة المريضة في المقدمة، تجري كحصان جانح، وقد انحلت عقد أرجلها.

في ضريح المرابط يبرز من المدخل رأس رجل ذو شعر كث، وثياب رثة، عيناه مشدوهتان يحمل مسبحة طويلة وهو يرقب في الظلام الثلاثة الهاربون:

– هييي هييي.. أنا سالم ليش هربتو!!!!

مقالات ذات علاقة

هَجْعَة

حسين بن قرين درمشاكي

أحضر الموت إلى بيته

رشاد علوه

غناء الغراب

فهيمة الشريف

اترك تعليق