طيوب عربية

المرأة العربية وكتابة الرواية… طريق للمقاومة وإنتاج متفاوت

القدس العربي

اذا عن انتشار الروائيات بشكل قد يفوق عدد الروائيين؟ وماذا عن مشاركة المرأة ونتاجها الروائي الذي بدأ يفرض نفسه ويتميز في الساحة الأدبية، أهو التحرر من سطوة الذكورة؟ أم من قيود المجتمع والانطلاق نحو آفاق أرحب وأوسع؟ وماذا عن مشوارها الذي قطعته في سبيل ذلك؟ في هذا الاستطلاع نتعرف على بعض الآراء عبر نماذج عربية مختلفة.

المرأة العربية وكتابة الرواية… طريق للمقاومة وإنتاج متفاوت

> محاولات الوجود

بداية يقول الأديب السوداني طارق الطيب: قد تكون هذه المقولة صحيحة في ما يتعلق بتزايد عدد الروائيات في الحقبة الأخيرة، لكنني ما زلت أرى أن عدد الروائيين ما زال أكبر، هذا من ناحية الكم. من قبل لم يكن هذا النوع من الفن – وأقصد الرواية تحديدا- متاحا للمرأة كي تمارسه بلا معوقات، ونحن نعرف أن بعض الكاتبات كن في ما مضى يلجأن للكتابة تحت أسماء مستعارة خشية استهجان ورفض العائلة والأقارب والمعارف؛ على اعتبار أن كتابة الأدب منهن (قلة أدب). وبما أن تعليم المرأة قد أصبح حقا متاحا لها، وأصبحت النساء مشارِكات في كل المهن تقريبا، فلا عجب أن تشارك المرأة في الفنون بشكل عام والرواية بشكل خاص، وقد أثبتت جدارتها في الكتابة الأدبية وأخذتها مأخذ الجد ومازالت تعاني من أجل إيصال صوتها ومشاعرها ووجودها. من ناحية أخرى، ليس كل ما تكتبه المرأة هو فن رفيع، الأمر ينسحب كذلك على الرجال، لكنني أظن أن هذا الوعي بالانتشار الواضح نابع من رؤية ذكورية إلى حد ما، تلك الرؤية التي تعتبر أن المرأة اقتحمت مجالا للظهور العلني ككاتبة أو كمتحدثة أو مسؤولة ذات منصب أدبي؛ فبدا كأن الأمر ظاهرة، وهو في ظني تطور طبيعي وحميد، والزمن سيغربل ويصفي كل فن وسيُبقي ما يستحق البقاء ولو بعد حين.

> تاريخ ممتد وقضايا جديدة

وتقول الكاتبة الليبية انتصار بوراوي، إن تاريخ كتابة المرأة في مجال الرواية طويل وممتد، منذ أكثر من مئة عام، فبداية دخول المرأة لعالم كتابة الرواية كانت عبر رواية «حسن العواقب» التي ألفتها الكاتبة اللبنانية زينب فواز، ونشرت عام 1899، ثم انتقلت فيها الرواية النسائية العربية عبر محطات كثيرة ومتنوعة، كانت أبرزها حقبة ستينيات القرن العشرين التي حدثت فيها نقلة في كتابة الروائية العربية من خلال أسماء طرحت نتاجا مغايرا، خرج من رحم التمرد والبحث عن العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة في المجتمعات العربية، كانت أبرزها الروائية ليلى بعلبكي، أميلي نصر الله، غادة السمان وكولييت خوري في لبنان، لطيفة الزيات ونوال السعداوي في مصر، لطيفة الدليمي في العراق، مرورا بالأجيال التالية من الروائيات العربيات اللواتي فتحن آفاقا وعوالم كثيرة، تنقلت فيها الروائية العربية بين الكتابة عن الجسد وأعطابه، وتعامل الرجل العربي مع المرأة، وتعرية تشوهات وازدواجية وفصامية الرجل العربي مع المرأة، من خلال الأجيال التالية للروائيات العربيات، مثل سلوى النعيمي، فضيلة الفاروق، علوية صبح، وهدى بركات، وروائيات أخريات كانت عوالم رواياتهن مهجوسة بقضايا الوطن، مثل المصرية رضوى عاشور والفلسطينية سحر خليفة، وروائيات كان مجال عوالمهن بين القرى والأرياف وعالم الاستعباد وواقع النساء المعمد بقسوة الحياة والتسلط الذكوري، مثل روايات سلوى بكر، ميرال الطحاوي، والليبية نجوى بن شتوان، كل ذلك الثراء في مواضيع روايات المرأة العربية يعبر عن نقلة كبيرة شهدتها الألفية الجديدة في مجال كتابة المرأة الروائية، التي كانت دائما تحصر ضمن إطار الرواية النسائية أو النسوية، الذي لم يعد هو الرئيسي في عالم الكاتبة الروائية، فلم تعد عوالمها الروائية محصورة، في علاقتها بالرجل والبحث عن الخلاص من ثقل المجتمع وتسلطه عليها فقط، وإنما تعدته إلى خوض تجارب روائية عرضت فيها لقضايا الثورات والإرهاب والاستبداد السياسي، وعرضت من خلال مضامين وأحداث رواياتها، لتأثير الجماعات المتطرفة على المجتمعات العربية، وعلى المرأة وعلى مصير الأوطان. كل ذلك جعلها محل منافسة في الجوائز العربية للرواية، وانتزعت أيضا الكثير من الجوائز في مجال الرواية ولعل ترشح سبع روائيات على جائزة البوكر في القائمة الطويلة لهذا العام هو برهان حقيقي على جدارة الكاتبة الروائــــية العربــــية من حيث القيمة الأدبية والفكـــــرية والبناء السردي واللغة وثراء عوالمها الروائية، وعلى تزايد أعداد الروائيات العربيات من جنسيات عربية مختلفة وتميزهن بشكل لافت.

> طريق للمقاومة

أما الكاتب السوري باسم سليمان فيقول إن الرواية إلى حدّ ما قد نجت من الجنوسة على عكس الشعر! وما أقصده هنا، يتأتّى من إرث صبغ الشعر بأنّه ذكوري الطابع، إضافة إلى ما تعلّق به من كهانة وسياسة، ودور اجتماعي، لم تنجح الأنثى في حيازتها إلّا بشكل استثنائي عبر التاريخ، ويزاد على ما سبق أنّ صفة السيرة الذاتية كثيرًا ما تلصق بالشعر وهذا الأمر يرتب نتائج كبيرة على الحياة الشخصية. ومن هنا، تفضل الأنثى، خاصة في مجتمعاتنا، أن تذهب باتجاه السرد الروائي، لأنّ فكرة التخييل تسمح لها بوضع قناع يحميها من المساءلة الاجتماعية بنسبة أكبر من حالة قول الشعر. ظهرت الرواية عندما بدأت الفردية تقف وجهًا لوجه ضد الصيغ الاجتماعية للوجود البشري، ومع تنامي الاستقلال الاقتصادي للفرد، الذي لم تقطف الأنثى ثماره بشكل مؤكد إلّا في القرن العشرين، الأمر الذي سمح لها بأن تعبّر عن نفسها أكثر عبر الرواية وبطريقة أقل خطورة من الشعر، لكن ذهاب الأنثى إلى الرواية، ليس لأنّها الدرب الأقل خطورة فقط، بل لأنّ الرواية تاريخ مواز للتاريخ الرسمي الذي يكتب بأقلام الذكــورة، ومن هذه النقطة تصبح الرواية طريقة مقاومة أكثر نجاعة من الشعر الذي ذهب إلى خصوصية التجربة الفردية الذاتية بطريقة تكاد أن تكون نرسيسية.

> معيار الكتابة الجيدة

وترى الكاتبة المصرية منال فارق أننا اليوم أمام تدفق سردي يشي بتحرر فكري، ومحاولة لفهم الذات، والدخول في عمق بنيتها، وهو منجز سردي ضخم، ومتشعب، لا نستطيع حصره، خاصة مع عدم وجود بيانات حقيقيه عن الروائيين وما يصدر، إلا قائمة البوكر التي لا تخلو من مصالح، فنحن لم نتابع ولن نتابع كُتّابا (نساء ورجالا) لم يتم ترشيحهم لها ليس عن ضعف أعمالهم، ولكن لكونهم بعيدا عن منصات الإعلام ويعملون في صمت، ممارسين فعل الكتابة والحياة في توازن خاص بهم، يعبرون عن عالمهم ومحيطهم، فيسردون في هدوء وبدون صخب، حياة مختلفة عن أبطالهم الذين لا نعرفهم، مقابل مد إعلامي يقدم ما تتبنى دور النشر الكبرى، ويخضع لمعايير تطرحها الجوائز المتاحة ولجان تحكميها، لكنه في النهاية وعلى عكس المنجز المختفي في أروقة العالم البعيد عن الأضواء، لن يشكل ذاكره جمعية، ليس عن ضعف في بنيته ولا في بنائه، ولكن لأنه، خضع لمعايير تختلف عن المعايير التي تتبناها الذاكرة الإنسانية الجماعية. وستظل الرواية منجزا مهما فهي ذاكرة تسجل حيوات الإنسان الداخلية بكل ما يعبره، ولكنها الآن تمر بمخاض خاص بها، سينتج عنه الكثير، وتبقى الكتابة الجيدة هي التي تترك أثرها بعد عمر وعقود.

> تخطي الخوف

أما الشاعرة الفلسطينية ابتسام أبوسعدة فتقول إن هناك ظهور مميز للكاتبات في الفترة الأخيرة، عكس ما كان عليه الوضع في السابق، فقد كانت الكاتبات يخفن من الجهر بكتاباتهن، ومنهن من تكتب باسم مستعار خوفًا من الأهل والمجتمع، أما الآن في عصر وسائل الاتصال الاجتماعية، نجد أن هناك فضاء أوسع للكتابة، وعرض المواهب، ومنه انطلق العديد من الكاتبات والروائيات اللاتي وثقن في أنفسهن أكثر بعد أخذ آراء القراء والنقاد، فبدأن في الظهور أكثر وتشجعن على نشر رواياتهن المختبئة في الأدراج، وفي هذا المجال، لا تنافس المرأة الرجل، لكنها تسعى لإظهار إبداعها، وعلى الرغم من نجاحها وتميزها، إلا أن الانتقادات لا تزال تطالها وتقلل من شأنها، وتتهمها بالنسوية والذاتية، وعدم خوض المشاهد الجريئة في روايتها، ما زال مجتمع المثقفين يرى المرأة على أنها جمال متحرك خُلق للتأليه لا للإبداع، لكن عدد الكاتبات لم ولن يتعدى الكتاب، لأن بعضهن لا يزلن يعشن بعقلية الخوف من العائلة والمجتمع.

> الذات والوطن

وترى الشاعرة اليمنية عائشة المحرابي أن المرأة قطعت أشواطا بعيدة في المساواة مع الرجل، من حيث حقوقها المدنية والسياسية، أرادت أن تحقق ذاتها هذه المرة لا من باب المساواة المجتمعية، ولكن من باب الأدب، أحسب أنها وجدت باب السرد هو أوسع باب يمكن لها أن تلج من خلاله، وأن تعبر عن مكنوناتها، وعن أمانيها وآمالها لا باعتبارها فردا، ولكن كمجموع المرأة، وفي بعض الحالات تتفوق المرأة الروائية على ذاتها، وتصبح أداة تعبيرية عن مجموع الشعب أو الأمة.

> النسوية المزعومة

ويرى الأكاديمي الجزائري سعيد موفقي أنّه من الخطأ أن تمارس الكتابة من أجل الكتابة والحضور، وهو الأمر الذي وقع في ملابساته كثير من الكاتبات والكتّاب، إنّ ظاهرة الأدب النّسوي في حدّ ذاتها تحتاج إلى صياغة دقيقة وتحديد مفهوم واضح، حتى لا يفهم من ممارستها مجرّد استرداد حقّ يُعتقد أنّه مستلب من قبل الرّجل، ربّما تكون الكتابة النّسوية قد ظلمت بهذا المعنى، لأنّ الكتابة عموما لا يمكن تجنيسها، لذكورة أو الأنوثة، صحيح أن لكلّ منهما خصوصيته النفسية والذهنية، ولكن في ظل قراءة موضوعية نزيهة، قد تجتهده الكتابة النّسوية وتفوق الكتابة الرّجالية، قوة إبداعية أو فكرية، ولا يمكن أن تكون كثرة الكتابة وتراكم الأسماء أن نتخذها ذريعة للتفوّق، فمثلما هناك رداءة في الكتابة الذكورية فهناك رداءة في الكتابة الأنثوية، على اعتبار المنافسة أنّ المرأة تفوّقت على الرّجل بهذا المعيار البسيط والسّاذج، فالعملية الإبداعية لا يمكن أن نقيّدها بهذا التفكير، فقد نظلم النّص النّسوي الذي قد يستحقّ التنويه على أساس أنّه كتابة وإبداع وكفى.

مقالات ذات علاقة

وجوه الاحتفاء الشعري في مهرجان الشعر العربي- الدورة الثالثة

فراس حج محمد (فلسطين)

في بيت آن فرانك

مهند سليمان

في ذكرى الرحيل: علاقتي البحثية بالشاعر محمود درويش

فراس حج محمد (فلسطين)

اترك تعليق