شخصيات

المجاهد الشيخ قجة عبدالله.. حياته وجهاده

دراسة موجزة

المجاهد قجه عبدالله (الصورة: عن الشبكة)


حياته :

   المجاهد قجة عبد الله القرعاني التباوي هو احد المجاهدين الذين شاركوا في التصدي للاستعمار الفرنسي في جنوب ليبيا فيما كان يسمى السودان الأوسط حيث كان تحت القيادة السنوسية هناك التي كان يقودها السيد محمد المهدي بن علي السنوسي بمنطقة قرو احد مناطق التبو القبائل التي ينتمي إليها قجة. تتلمذ المجاهد قجة عبد الله على يد السيد محمد المهدي بن علي السنوسي بزاوية قرو التي تقع بإقليم تيبستي الجنوبي تلك المنطقة التي توفى فيها السيد محمد المهدي ودفن فيها سنة 1902 م وقد حفظ القران هناك وتعلم تعاليم الشريعة الإسلامية.

ولد في بمنطقة أبشّة، وحارب القوات الفرنسية في إقليم تيبستي صحبة شيخ الشهداء عمر المختار ثم جاء إلى ليبيا لنصرة أخوته صحبة ثلة من المجاهدين من أبناء عمومته وغادرتها أثناء الاحتلال الايطالي، ثم جاء إلى ليبيا بعد الاستقلال ومكث فيها حتى عام 1961ف، ثم رجع إلى “أبشّة” وتوفى هناك (1).

  المجاهد قجة عبد الله ينتمي إلى فرع البديات من القرعان فرع من قبائل التبو وقد اشتهر في برقة باسم قجة وقجة السوداني لأنه جاء مع المجاهدين من السودان الأوسط ( تشاد والنيجر حالياً). ذكره الكثير من المؤرخين بقجة القرعاني وقجة التشادي وقجة السوداني بالرغم بأنه جاء إلى برقة قبل أن يظهر اسم تشاد على السطح وتصبح دولة.

أشار احد المراجع إلى أن المجاهد قجة عبد الله ينتمي إلى قبيلة البديات وهي قبيلة من تبو الجنوب دزا وهو يتكلم العربية إضافة إلى لغته التباوية باللهجة الدزية أي لهجة تبو دزا.

  تزوج عام 1913م من أرملة الشهيد المجاهد عبد الله الفضيل بومرزوق الجلولي من قبيلة ازوية احد قادة المجاهدين ضد القوات الفرنسية ورئيس زاوية كلكا والشهير باسم عبد الله طوير (2).

  وصل إلى برقة البيضاء عقب الهجوم الايطالي على سواحل برقة وطرابلس عن طريق الكفرة أو تازر كما كانت تسمى قديما مع كوكبة من المجاهدين من التبو منهم المجاهد الشيخ أرديه اوشا والمجاهد لودة يسكي وارقي وقد استضافهم المجاهد محمد ملكني في بيته (3).

  عينه السيد محمد إدريس محمد المهدي بن علي السنوسي قائداً لمنطقة برقة الوسطى، وقد حضر معه المجاهد محمد ملكني والمجاهد هرنجي \لمي والمجاهد سلمي شدة والمجاهد صالح اردموني والمجاهد طاهر إبراهيم إلى قمينس حيث اجتماع فيها مع مجموعة من المجاهدين  (4).

  بسبب سياسة الحكام من الايطالي إلى الملكي إلى الجمهوري إلى الجماهيري أطلق عليه قجة القرعاني دون ذكر اسم التباوي وذلك لغرض تفكيك الأمة التباوية حيث تم حصر فرع القرعان في الصحراء في بحر الغزال البعيد عن أي سلطة.

ولكن السؤال هنا لماذا لم يذكر اسم التبو عند ذكر المجاهد قجة ؟

الجواب هنا يقول :- هو لعدم إحياء التبو والخوف من هذا المكون الذي يشتهر بالشجاعة والأقدام على الصعاب، وحتى لا يظهر أبطال التبو الكبار أمثال السلطان شهاي وعثمان كلوي وعبد القادر تركي ومينا صالح وغيرهم.

منذ أن ظهرت سياسة فرق تسد واضحة في العهد العثماني الأول صارت هناك سياسة تفكيك للتبو وإنهاء هذه القومية من الوجود بان تم تقسيمها إلى أقسام وأجزاء وكل جزء جعل وكأنه لا يمت للآخر بصلة صار هناك تدا في جنوب ليبيا وشمال تشاد وشرق وشمال النيجر، والدزا في شمال تشاد وشرق وشمال النيجر، كما قسم التبو إلى تدا والدزا وقرعان. كما حاول العثمانيون طمس كيان التبو حيث أظهرت المينا لتحل محل السلطان.

حاولت الأنظمة الليبية التي حكمت ليبيا أن تمحي شيء اسمه التبو بتقزيم التبو واعتبار القرعان قبيلة ليس من التبو كما فعلت مع قبائل بني سليم وفروعها السعادي الحرابي والجبارنة.

  رغم جهود الكثير من المقاومين من التبو في الدفاع عن جنوب ليبيا وشمال تشاد وشمال وشرق النيجر إلا أنهم صاروا من المكونات المغضوب عليهم من الحكام بسبب شجاعتهم وقوتهم في محاربة الأعداء. لقد أثبتت مشاركة التبو في محاربة الاستعمار الفرنسي في أوائل القرن التاسع عشر القوة والعزيمة التي صارت تخيف الحكام الذين رأوا بان يطمس تاريخ التبو وان يتم تفكيك التبو ويذوب في القوميات الأخرى مثلما ذابت قوميات في السابق وانتهت.

  برغم أنهم كانوا أكثر المجاهدين الذين حاربوا تحت قيادة السيد محمد المهدي بن علي السنوسي بحكم أن الأرض التي جرت عليها المعارك والتي شارك فيها السيد محمد المهدي والسيد احمد الشريف هي أراضي تباوية سكانها من التبو. وبالرغم من مجهودات التبو واستضافتهم وحارستهم السيد محمد المهدي والسيد احمد الشريف إلا أن التبو وتاريخهم أهمل في العصر الملكي.

 ورغم جهود التبو في حماية الجنوب الليبي إلا أن التبو وتاريخهم وموطنهم أهمل من قبل العصر الجمهوري والجماهيري.

  قبل أن يأتي إلى برقة لمحاربة الايطاليين شارك المجاهد قجة في محاربة الفرنسيين مع أبناء عمومته من التبو وكان قريباً من زعماء الحركة السنوسية، وهناك تعرف على المجاهد عمر المختار والمجاهد احمد الشريف والسيد محمد المهدي بن علي السنوسي.

تعرف عليه أهل برقة خاصة برقة البيضاء وعرفوه باسم قجة ويقولون له قجة السوداني نسبة للمكان الذي قدم منه وهو السودان الأوسط تشاد حالياً وبحكم انه مسلم كان يتحدث العربية وحافظ للقران والأحاديث النبوية ولكن لغته الأم هي اللغة التباوية باللهجة الدزية التي يتحدث بها تبو الجنوب. عند وصله إلى برقة كان في استقباله أبناء عمومته من تبو برقة بالكفرة حيث استضافه المجاهد محمد ملكني في بيته مع عدد من أبناء عمومته من تبو دزا فرع القرعان فهو إي فرع القرعان في الأصل تبو تم فصلهم عن التبو الأم حتى يتم السيطرة على الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها التبو بما فيهم القرعان ويظن الكثير من القرعان خاصة الشباب بأنهم ليسوا من تبو أنما هم قرعان ولكن الحقيقة أن التبو تعرضوا إلى هجوم من الدول الاستعمارية خاصة الدولة العثمانية والمستعمرات الفرنسية وحتى الايطالية والانجليزية نهيك عن الأنظمة التي تعاقبت حكم ليبيا بعد سنة 1951م رغم أن هذه الأنظمة تعرفهم عندما تكون في حاجة لهم فالسنوسية عندما كانوا على أرضهم في قور وتيبستي كان ظاهرياً يتعاملون معهم كتبو أم باطنياً فكانوا ينظرون إليهم كسوادين نسبة إلى السودان الأوسط تشاد. فالتبو امة كبيرة فككها الاستعمار حتى أنهم وصول إلى موزمبيق وبروندي وبركينا فاسو وكينا وتشاد، بعضهم صاروا حكاماً مثل الرئيس السابق لتشاد كوكاني وادي والذي له صلة قرابة بأحد سلاطين التبو في ليبيا والذي لازالت أطلال قصره موجودة بمنطقة تازربو وكذلك حسين حبري، وتأكيداً لانتشار قبائل التبو في إفريقيا يؤكد تقرير صحفي قام به مندوب مجلة ايطالية في الستينات من القرن العشرين فقد كان يقوم باستطلاع صحفي في إفريقيا حيث انه صادف احد قبائل التبو كانت نازحة من إقليم التبو فقد وجد تلك القبيلة في غرب موزامبيق وهذه القبيلة تدعى تكوا وأشار بان هذه القبيلة من أصل تباوي وكانت تختلف عن زنوج إفريقيا في الملامح (5).

 كان المجاهد قجة عبدالله من محبي المزاح والفكاهة  حيث كان يشتهر إضافة إلى شجاعته وكرمه بالبسمة والمزاح حيث يشير احد المصادر إلى انه في احد الأيام حينما كان قادماً للجهاد وخلال تواجده في بيت المجاهد محمد ملكني والذي كان في استضافته هو وعدد من رفاقه سال المجاهد قجة المجاهد محمد ملكني عن معنى الحقيقي لكنية ملكني فأجابه ملكني انه لقب دلالة على اللون وصغر السن، ولكن المجاهد قجة أجابه بان اللقب وحسب تفسيري باللغة العربية تعني ملك النيل وذي الحكمة والعقل الذي لا يهزه شيء والذي يعد بيته مقصد لكل زائر (6).

وصول قجة إلى برقة :

 عندما جاء المجاهد قجة عبدالله البديي القرعاني التباوي من ابشة وصل برقة حيث التقاه الشيخ المجاهد محمد ملكني واستضافه في بيته بمدينة الكفرة أو كما كان يسميها التبو في الماضي تازر تم تكليف المجاهد قجة كقائد لمجموعة من المجاهدين أكثر مائة كانوا من التبو دزا .

ومما يؤكد قيادة قجة عبدالله للمجاهدين ما أورده المجاهد شعبان عبدالقادر مصطفى المسماري في سيرته الجهادية حيث ذكر بأنه حارب تحت قيادة المجاهد قجة (7).

تأكيدا لما ورد يقول احد المصادر :-

” عندما تأسس دور اجدابيا كان السيد محمود بوهدمة من أوائل المشاركين فيه حيث شغل موقع نائب القائد العسكري، وقد شعل موقع القائد قجة عبدالله احد كبار المجاهدين المعروفين آنذاك ” (8).

  لقد شارك المجاهد قجة عبدالله القرعاني التباوي الكثير من المعارك نذك من على سبيل المثال لا الحصر معركة الحسين ومعركة بئر بلال أو الكراهب.

معركة الحسين عام 1915م ودوره فيها :

تم تكليف المجاهد قجة عبدالله كقائد دور من ادوار الجهاد في برقة ضم قبائل العليا (العواقير والمغاربة) والمرابطين في برقة البيضاء خاصة في المناطق القريبة من قمينس واجدابيا وسلطان وجنوب سلوق.

قاد المجاهد قجة عبدالله المجاهدين ضد القوات الايطالية في معركة بالقرب من منطقة قمينس ببرقة تعرف باسم معركة الحسين. حيث أشير بأنه كان قائدا لدور العواقير إبان حركة الجهاد وحقق معهم انتصار عظيم في معركة الحسين بنواحي قمينـس سنة 1915، وأشير بان هذه المعركة قد تم فيها قتل الكثير من جنود الطليان الأمر الذي أدى إلى تجمد التحرك العسكري الذي كانت القوات الإيطالية تحاول القيام به من سلوق إلى قمينس إلى اجدابيا لفترة من الزمن(9).

معركة بئر بلال 10 يونيو 1923م ودوره فيها

يقول احد المصادر واصفا بداية انطلاق معركة بئر بلال :-

” وذات ليلة بعد صلاة العشاء قدمت إحدى الدوريات التي كانت مرابطة على نقطة القطفية وأفادت بأنها رأت قافلة من السيارات قادمة من جهة الشرق إلى نقطة القطفية ولم تدخل النقطة بل باتت بجوارها.

 تشاور القائدان صالح باشا وقجه عبدالله مع المشايخ في الأمر واتفقوا على ملاقات هذه القوة في خور أبلال حيث تأكد لديهم بإحساسهم بأن هذه القوة إنما جاءت طالبة لهم لا محالة في ذلك فتوجهوا مساء إلى خور بلال الذي يبعد عنهم 5 كيلومتر فقط ورتبوا رجالا على الطريق القديمة للسيارات ورتبوا الخيالة بمكان منخفض يبعد عنهم بحوالي ثلاثة كيلومترات وأمروهم بالاختفاء بهذا المكان حتى تتلحم المعركة بين الفريقين ثم يهجمون على العدو من الجهة الشرقية.

 في وقت الضحى طلبت الرجال من رؤسائهم الإذن لإعداد الشاي حيث أنهم لم يروا للعدو أثرا ولم يسمعوا لسياراته حسا فأذنوا لهم بذلك وأخذت الرجال تتوارد على بير بلال لجلب المياه منه وفي هذه الأثناء جاءت قوة من السيارات على حين غفلة برياسة متصرف المنطقة فوجدت ثلاثة من الرجال على البير فسألوهم عن مكان الدور فقالوا لا ندري إنما نحن حصادة زرع ولا نعلم شيئا فسألوهم أين الزرع فقالوا أنه في الجهة الغربية فأمرهم المتصرف بالركوب معهم في السيارات وبمجرد ركوبهم حمل جيش المسلمين على العدو وسط إطلاق نار كثيف فبرزت المدرعات بين الجيشين ظنا منهم أن هذه المدرعات سترهبهم وترعبهم ويخشون بأسها ولكن ما حدث هو العكس تماما فلم يعبأ المجاهدون بالمدرعات بل كانوا يتعلقون بأعلاها وأشعلوا النار فيها عند ذلك هجم السبيب حسب الخطة المرسومة ولما عاين العدو ذلك عول على الفرار خشية تطويقهم فلم يجدهم ذلك نفعا ولم ينجو من ذلك الجيش إلا القليل وكان أول الفارين هو المتصرف نفسه وحاشيته وفنيت هذه القوة الطاغية بأكملها. وقد استشهد يوم ابلال هذا أو يوم الكراهب كما يطلق عليه أحيانا من مشاهير الرجال الشيخ المهدي الحرنه والشيخ نصر الأعمى والبكباشي عبدالسلام إدريس واليوزباشي أحمد الشامخ وغيرهم ” (10).

  وفق ما تشير إليه المصادر التاريخية لقد صدرت الأوامر من السيد إدريس السنوسي بشان استدعاء المجاهد قجة عبدالله وكلفه بقيادة مجموعة من المجاهدين المحاربين القدماء ومن أبناء قبيلة التبو وان يتوجه بهم إليه ببرقة الوسطى. وأشير بأنه بتاريخ الأول من رمضان من سنة 1341هجري تحرك قوات ايطالية وزحفت نحو القوة التي يقودها الشيخ المجاهد قجة القرعاني التباوي ولكن أثناء مراقبة الدور أو القوة التي يقودها المجاهد قجة لاحظت قوة العدو فقام المجاهد قجة وقواته بالانسحاب أمامها وذلك حتى يتم محاصرتها بين القوة التي يقودها والقوة التي يقودها الشيخ المجاهد صالح الاطيوش، وتشير المصادر بان المجاهد قجة استمر في الانسحاب مع قوته نحو منطقة الزويتينة للوصول إلى القوة التي يقودها المجاهد صالح الاطيوش المتواجدة هناك. وعند وصوله إلى منطقة الزويتينة لم يجد المجاهد صالح الاطيوش وقواته حيث غادرت تلك القوة المكان إلى اجدابيا بعد سماعها أخبار عن تعرض اجدابيا إلى هجوم من القوات الايطالية والتي زحفت عن طريق انتلات.

ولكن هنا يرد سؤال يقول :- ما القصد من المجاهد قجة عبدالله من الذهاب إلى الزويتينة ؟

الإجابة تقول :- بأنه كان يقصد من ذلك هو الاتصال بالمجاهد صالح الاطيوش وقواته هناك لكي يقومان بالتنسيق للهجوم والتصدي على القوات الايطالية التي اعترضت المجاهد قجة وقواته، وبعد أن رأى قوتها واستعدادها قرر الانسحاب أمامها لأنه رأى بان المعركة سوف تكون غير متكافئة لهذا قرر الانسحاب والاتصال بالمجاهد صالح الاطيوش، وفي هذا يقول احد المصادر :- ” في اليوم الأول من رمضان سنة 1341 هجري زحفت قوة من الايطاليين على دور قجة عبد الله فلما رأى قوتها واستعدادها انسحب أمامها وكان قصده الاتصال بجيش صالح الاطيوش في الزويتينة كي يتلاقى الجيشان على تلك القوة ومن أبادتها إبادة تامة ” (11).

 تشير المصادر بأنه عند وصول المجاهد قجة عبد الله إلى منطقة الزويتينة فوجئ بان المجاهد صالح الاطيوش وقواته ليست بالمنطقة وعلم بان المجاهد صالح الاطيوش وقواته قد ذهبوا لملاقات القوات الايطالية التي زحفت نحو اجدابيا، وتشير المصادر بان المجاهد قجة قرر الالتحاق بقواته بقوات صالح الاطيوش لصد هجوم القوات الايطالية لهذا واصل مسيره نحو القوة التي يقودها المجاهد صالح الاطيوش وهناك التقى المجاهد قجة والمجاهد صالح الاطيوش في موقع يقال له الشلالات وهو قريب من منطقة اجدابيا فاجتماع المجاهد قجة عبدالله القرعاني التباوي ورفاقه مع المجاهد صالح الاطيوش المغربي ورفاقه وصاروا يخططون للقضاء على القوات الايطالية الزاحفة نحو اجدابيا وقد استقر نقاشهم على الاستعداد لمواجهة العدو عن طريق الزويتينة وطريق انتلات. وتشير المصادر بأنه في الرابع من رمضان سنة 1341 هجري دارت معركة بين القوات التي يقودها المجاهد قجة عبدالله والمجاهد صالح الاطيوش من طرف والقوات الايطالية من طرف آخر، وقد كانت المعركة عنيفة جدا سقط فيها الكثير من الشهداء والجرحى إضافة إلى قتل عدد من الجنود الايطاليين، وقد استخدم الايطاليون في هذه المعركة المدرعات والطائرات لأول مرة وقد تم احتلال اجدابيا وعلى اثر ذلك انسحبت قوات المجاهدين إلى الواحات القريبة حيث اتجه البعض إلى واحات جالو واوجلة واجخرة ومرادة، هذا وقد توجه المجاهد قجة عبد الله بقواته نحو غيزل أما المجاهد صالح الاطيوش وقواته انسحبوا إلى الوادي الفارغ عند بئر يقال له معطن أبي الطفل، كما توجه أعداد من قوات المجاهد صالح الاطيوش نحو نجوعهم خوفا على عائلاتهم حيث يقول مصدر في ذلك :-

” توجه قجة عبدالله بالجيش النظامي إلى غيزل بينما نزل صالح باشا لطيوش بالوادي الفارغ بموقع معطن أبي الطفل ولم يكن معه إلا القليل من جيشه حيث توجه اغلبهم إلى أهله خوفا على العيال والمال ” (12).

مرت أيام ثم اقبل شيوخ القبائل على المجاهد صالح الاطيوش في الوادي الفارغ وتشاوروا فيما بينهم بشان مقاومة القوات الايطالية ونتج عن الاجتماع القبول بأحد خيارين وهما الحرب إلى النهاية أو الاستسلام للقوات الايطالية ومن هذين الخيارين اتفقوا على خيار الحرب إلى النهاية. بعد ذلك أرسل المجتمعون وفد من المشايخ إلى المجاهد قجة عبدالله القرعاني التباوي لكي يطلبوا منه القدوم مع قواته، اجتمع المجاهد قجة بمجموعته والتي كان معظمها من التبو واخبرهم ما جاء به المشايخ، وفي نهاية الاجتماع قرروا الانتقال إلى خور بو اجدارية. ومضوا إلى خور بو اجدارية لملاقات القوة الايطالية لتربص للقوات الايطالية هناك، يشير نفس المصدر بأنه في احد الليالي بعد صلاة العشاء لاحظت قوة الاستطلاع التابعة للمجاهدين قدوم رتل من السيارات الايطالية قادم من جهة الشرق متجه نحو منطقة القطفية وعلى الفور اتجهت قوة الاستطلاع وأخبرت قوات المجاهدين التي كانت متمركزة عند نقطة القطفية بما رأت. وقد أشارت قوة الاستطلاع بان ذلك الرتل لم يدخل منطقة القطفية بل تعسكر بجوارها. وعندما وصلت المعلومات إلى المجاهد قجة عبدالله والمجاهد صالح الاطيوش خطط الاثنان للهجوم على هذا الرتل وتفق جميع المجاهدين على ملاقات الرتل عند خور ابلال بعد أن تأكدوا بان هذا الرتل والذي كان يحمل على ظهره قوة كبيرة من الجنود الايطاليين أن سبب قدومه هو للهجوم عليهم. وإضافة المصادر التاريخية بان المجاهد قجة عبدالله توجه بقوته نحو خور بلال مساءا وهو يبعد عنهم بحوالي خمسة كيلو متر. وقد تم تكليف عدد من المجاهدين بالتربص للقوات الايطالية عند الطريق القديمة للسيارات وكلف فرسان على الخيول في مكان منخفض يبعد عنهم بحوالي ثلاثة كيلو متر وقد أمروهم بالاختفاء إلى أن تتم بدء المعركة وبعد ذلك يتم الهجوم على القوات الايطالية من جهة الشرقية، تشير المصادر بأنه مر جز من الوقت ولم تظهر القوات الايطالية فاطمئن المجاهدين وشعر بعضهم بان الجو هادي اخذ بعضهم الأذن من رؤسائهم لتجهيز الشاي وشرعوا بذلك بعد اخذ الأذن، كما نزل بعضهم لجلب الماء من بئر بلال، وتشير المصادر التاريخية وبينما والمجاهدين في استراحة إذ بقوة من السيارات تقبل برياسة متصرف المنطقة فوجود ثلاثة رجال على البئر فسألهم عن مكان المجاهدين فأفادوهم بأنهم حصاد زرع ولا يعرفون أي أخبار عن المجاهدين أو الدور، فسألهم أين الزرع فأفادوهم في الجهة الغربية فأمرهم المتصرف بالركوب معهم في السيارات وبمجرد ركوبهم قامت القوة التي يقودها المجاهد قجة عبدالله بإطلاق نار كثيف فبرزت المدرعات بين القوة التي يقودها المجاهد قجة. حيث كان الغرض من إظهار المدرعات من قبل القوات الايطالية هو إرهاب المجاهدين ولكن المجاهدين لم يخشوا المدرعات فحدث صدام وقام المجاهدون بالتعلق بالمدرعات وأشعلوا فيها النار حيث يقول احد المصادر في ذلك :-

” لم يعبأ المجاهدون بالمدرعات بل كانوا يتعلقون بأعلاها وأشعلوا النار فيها عند ذلك هجم السبيب حسب الخطة المرسومة ولما رأى العدو ذلك عول على الفرار خشية تطويقهم فلم يجدهم الفارين ذلك نفعا ولم ينجو من ذلك الجيش إلا القليل وكان الأول المتصرف نفسه وحاشيته وفنيت هذه القوة الطاغية بأكملها ” (13).

وأشير بان هذه المعركة سميت بعدة أسماء منها بئر بلال، ويوم ابلال، ويوم الكراهب، وبربش كما يطلق عليها الطليان، وقد استشهد في هذه المعركة الكثير من أمثال الشيخ المهدي الحرنة المغربي، والشيخ نصر الأعمى المغربي، والبكباشي عبد السلام إدريس، واليوز باشي احمد الشامخ وعبد السلام البرعصي (14).

بعد انتهاء معركة بئر بلال أو يوم الكراهب غنم المجاهدون 24 مدفع رشاش ومدفع كبير مدرع إلى جانب عدد كبير من البنادق والذخيرة (15).

وقد أشير بان معركة بئر بلال من ضمن المعارك التي كان لها نتائج هامة (16).

  اثر هزيمة بئر بلال بدأت السلطات الايطالية في ليبيا تلتمس الأعذار لهذه الهزيمة وتعمل ليلا ونهارا وبكل الوسائل والسبل لكي تمحي آثار هذه الهزيمة سواء كانت المادية أو المعنوية فمن الناحية المادية خسرت القوات الايطالية مدافع رشاش وذخيرة وبنادق.أما من الناحية المعنوية فقد أثرت هزيمة بئر بلال على معنويات الجنود والقواد الايطاليين وهبطت من عزائمهم ـ وهذا أدى إلى عواقب خطيرة على القوات الايطالية في ظل اشتداد المقاومة في برقة البيضاء خاصة بمنطقة  اجدابيا وازدياد الضغوط على المواقع الايطالية الأمامية والتي كانت تتعرض لهجمات مباشرة وهذا قلل من هيبة القوات الايطالية وهذا أدى إلى عواقب خطيرة على القوات الايطالية وهذا كله ساهم في التخطيط لحملة واسعة النطاق من قبل القوات الايطالية على منطقة اجدابيا وما جوارها من ضواحي وقرى وذلك من اجل القضاء على المقاومة والتي كان يقودها المجاهد قجة عبدالله القرعاني التباوي في تلك المنطقة.

دور المجاهد قجة في معركتى بئر بلال والبريقة الثانيتين 3ـ 9 ـ 1923 م

 تذكر المصادر إلى أن القوات الايطالية ببرقة عندما هزمت في البريقة وبئر بلال قررت القيام بحملة من ميناء البريقة، وأشير بان هذه الحملة قرر أن تقوم على مرحلتين الأولى بان تهجم القوات الايطالية على منطقة البريقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط غرب اجدابيا وذلك عن طريق هجوم بحري بسب الآثار التي سببتها هزيمتهم السابقة حيث كان شبح الهزيمة يخيم على نفوس الجنود الطليان , أما المرحلة الثانية فهي بالهجوم على بئر بلال بقوة  ميكانيكية تنطلق من اجدابيا  لاستعادة بعض هيبتها ولتأكيد سيادتها على المنطقة والثأر من هزائمها التي لحقتها من قبل المجاهدين، ومحاولة استرجاع معداتهم والياتهم وذخائرهم ودفن جنودهم الذين قتلوا في المعركة , مهد السلاح الجوي الايطالي لتحديد أماكن تواجد المجاهدين حيث أشير بان العمليات الجوية التي قام بها السلاح الجوي الايطالي بلغت في يوليو عام 1923م 57 عملية جوية 17 منها تمثلت في غارات بالقنابل على منطقة القطفية والبريقة حيث استهدفت وكما تشير المصادر نجوع الأهالي وحيواناتهم. وأشير بأنه في 20 أغسطس من عام 1923م وصلت بوارج حربية قادمة من ميناء الزويتينة وعلى ظهرها حوالي 1800 جندي، كما قامت طائرات بإنزال جنود بواسطة المظلات حيث كانت مهمتهم تجميع رفات القتلى الذين قتلوا في معركة بلال الأولى، ويضيف نفس المصدر بأنه في 25 أغسطس تم الاشتباك بين القوة التي يقودها المجاهد قجة عبدالله القرعاني التباوي مع القوات الايطالية الغازية حيث يقول المصدر مؤكدا ذلك :-

“وفى يوم 25/8/1923ف اشتبكت هذه القوات مع معسكر (قجة عبد الله) المتكون من ثلاثمائة فارس, لكن المجاهدين آثروا الانسحاب تحت ضغط المدافع الرشاشة والمدفعية الثقيلة “.

ويضيف نفس المصدر بان الجنود الايطاليين بعد انسحاب قوة قجة استمروا في تجميع جثث قتلاهم والذين بلغوا 189 قتيل من بينهم الماجور ميللي. ويضيف نفس المصدر بأنه بحلول فجر يوم 2 سبتمبر عام 1923م تحركت قوة ميكانيكية من منطقة اجدابيا معها سبع مصفحات ومائة وثمان عربات يقودها الكولونيل ازوني  باتجاه بئر بلال، وأثناء تحرك تلك القوة رصدها استطلاع المجاهدين الذين جهزوا أنفسهم للرد عليها بقوة وأشير بان المجاهدين في ذلك الوقت كانوا بقيادة المجاهد عمر المختار والمجاهد قجة عبد الله والمجاهد صالح الاطيوش وعدد من كبار المجاهدين حيث يؤكد المصدر ذلك بقوله :-

“بحلول فجر 2/9/1923ف تحركت القوات الميكانيكية من اجدابيا معهم سبع مصفحات ومائة وثمان عربات بقيادة الكولونيل (أزوني) متجهة نحو بئر بلال. وقد لاحظت دوريات المجاهدين هذه القوات فاستعدت لها وكان المجاهدون في هذا الوقت بقيادة عمر المختار وقجة عبد الله وصالح الأطيوش كما يوجد بالمعسكر الكثير من القادة الآخرين من أمثال الفضيل بوعمر وحسين الجويفي والعماري الصغير ومحمد الشويخ ومحمد بونجوى  ” (17).

   ويضيف نفس المصدر بأنه حدث اشتباك بين القوات الايطالية والمجاهدين وحدثت معركة استمرت حوالي أربع ساعات وسقط فيها 152 شهيد وجرح حوالي 200  مجاهد، وقد فضل المجاهدون الانسحاب نحو الجنوب، بعد ذلك جمع الايطاليون قتلاهم وقاموا نصب تذكاري على قبر القائد تلجر. مبعد ذلك اتخذ المجاهدون خطط منها الغارات الخاطفة على القوات الايطالية إلى أن تم إخضاع منطقة برقة الغربية للسيطرة الايطالية عام 1927م (18).

وفاته : سافر الشيخ المجاهد قجة عبدالله في مارس عام 1964م إلى السعودية لأداء فريضة الحج وقيل بان عمره في ذلك الوقت كان في حدود التسعين عاما وقد صادف بعض من رفاق الجهاد في ليبيا في مكة ودرت بينهم أحاديث عن الجهاد وأيام الجهاد بعد أن أصبح هو في تشاد ورفاقه في ليبيا بسبب التخطيط الاستعماري. توفي المجاهد قجة عبدالله  البدي القرعاني التباوي عام 1967 م (19).

الخلاصة : – اتضح بان المجاهد قجة قد شارك في محاربة الايطاليين منذ بداية الغزو وكان من أوائل المجاهدين الذين أتوا من خارج برقة لمحاربة الايطاليين وهذا القدوم لم يأت بمحض الصدفة أنما جاء نتيجة لأنه كان من ضمن المجاهدين الذين حاربوا الفرنسيين في السودان الأوسط وشمال تيبستي إضافة إلى إيمانه بالمعركة التي جاء من اجلها. واتضح أن المنطقة التي صار يتحرك فيها في جهاده ضد الايطاليين كانت تمثل منطقة رفاق درب في محاربة الفرنسيين في السودان الأوسط خاصة من قبيلة المغاربة وقبيلة العواقير. كما اتضح أن المجاهد قجة ليس هو التباوي الوحيد الذي طمس تاريخه بل هناك الكثير من التبو الذين طمس تاريخهم ولم يذكرهم البحاث والمؤرخين.

كما اتضح من الدراسة بان المؤامرة على التبو وعلى المجاهد قجة عبدالله كبيرة فقد طمس من اسم أمته وشعبه لينسى التاريخ شعبه وأمته عندما ابرزوا بأنه من القرعان ووصفه بالتشادي دون ذكر قبيلته الأم التبو تدا ودزا وكذلك لم يبرزوه الكتاب أو البحاث في كتاباتهم وأبحاثهم لمشاركتهم الحكام في هذه المؤامرة، وذكره في عدة مراجع كان شيء لازم على الباحث لان سطور من تاريخ ليبيا مدونة بدمائه ودماء رفاقه فلا يستطيع احد المرور إلا بذكره. لقد صار قجة همزة الوصل في تاريخ الجهاد الليبي ولا يستطيع احد أن يذكر تاريخ ليبيا خاصة برقة دون أن يذكر بطولات قجة ودوره. إن محاولات طمس تاريخ المجاهد قجة وذكره من قبل المؤرخين في لمحات بسيطة وبأنه تشادي أو سوداني دون أن ينسبه احد من الكتاب والمؤرخين إلى قبيلته الأم التبو ما هي إلا محاولات فاشلة لان التاريخ لا يستطيع ذكر تاريخ الجهاد الليبي ضد الايطاليين دون أن يذكر المجاهد قجة خاصة تاريخ برقة.

عليه فان هذه الدراسة ترى الأتي :-

  1. ضرورة الاهتمام بتاريخ جهاد الجنوب خاصة بمنطقة تيبستي وما حولها.
  2. البحث عن تاريخ المجاهدين بمنطقة تيبستي خاصة من التبو.
  3. الكشف عن حقيقة تفريق التبو.
  4. ضرورة الاهتمام بتاريخ المنطقة الحدودية بين تشاد وليبيا وبين النيجر وليبيا خاصة منطقة سلسلة جبال تيبستي.
  5. البحث عن سيرة المجاهد قجة عبد الله ودراستها.

الهوامش والمراجع

1- ذاكرة التاريخ : المجاهد قجة عبد الله التشادي، 6/10/2012م، الموقع التبو أبناء الصحراء ttps;//www.facebook.com.AltbwAbnaAlshra/photos.
2- صفحات من جهاد الليبيين في تشاد 2)) بقلم:- أبن ليبيا لقد تحالف المهاجرون الليبيون مع بعض القبائل التشاديـة
3- 30‏/06‏/2014 الموقع aljamahiriya onlin  
4- عبد الله لبن، عبد الله احمد ملكني، معجم التبو، ( ليبيا- تانيت للنشر والدراسات، مركز الدراسات التباوية، ط1)، ص 58.
5- المرجع السابق، ص 58.
6- عبد السلام ابورقيبة، ” الوجه الآخر لإفريقيا، مجلة ليبيا الحديثة، ص – ص 22- 26.
7- مقالات عن التبو – بيئتهم، تاريخهم، ثقافتهم، ترجمة عثمان المثلوثي، مراجعة عبد الله لبن، ( طرابلس – ليبيا : مركز الدراسات التباوية، 2015 )، ص، ص 92، 93.
8- سيرة المجاهد الجسور شعبان عبد القادر مصطفى المسماري، الموقع منتديات عيت ارفاد التميمي، الباحث الساعدي الحاسي،tamimi.owr.com/t19071-tapic
9- archive>. Libya-almastakbal.org. -8
10- محمد الصادق، ” الحق المبين في عقائد السنوسيين 2 “، 22/1/2008 الموقع،Libya- watanona.com/adab/malsadeq/ms22018a.hit.
11- ياسين ابو سيف ياسين، ” تاريخ ما غفله التاريخ – ملاحم الجهاد الوطني الليبي 9، 9/10/ 2010، الموقع ليبيا المستقبل الالكترونية www.Libya Almostakbal
12- المرجع السابق.
13- المرجع السابق.
14-  أبو إياد معركة بئر بلال | سعادى برقة http://almgarba.blogspot.com/p/blog-page_7130.html#ixzz5X7savfcx
15- المرجع السابق.
16- أبو إياد معركة بئر بلال | سعادى برقة http://almgarba.blogspot.com/p/blog-page_7130.html#ixzz5X7savfcx المرجع السابق.
17- المرجع السابق.
18- خليفة محمد التليسي، معجم معارك الجهاد في ليبيا 1911- 1931، ( طرابلس – ليبيا : الدار العربية للكتاب، 1980)،  ص – ص 140- 142.
19-   ذاكرة التاريخ : المجاهد قجة عبد الله التشادي، 6/10/2012م، التبو أبناء الصحراء https;//www.facebook.com.AltbwAbnaAlshra/photos.

مقالات ذات علاقة

25 عامًا على رحيل بنت الوطن

مهند سليمان

الفقيه المثقف الصوفي الشيخ أبوبكر بلطيّف

المشرف العام

التاسع من فبراير .. الذكرى التاسعة والثلاثون لوفاة الفنان الليبي الراحل علي الشعالية

المشرف العام

تعليق واحد

اليوم الوطني للثقافة التباوية – طيوب 15 سبتمبر, 2020 at 13:57

[…] المجاهد الشيخ قجة عبدالله.. حياته وجهاده […]

رد

اترك تعليق