المقالة

القفة.. “عيد كبيرة” بالخروف الوطني

وقبل أن يجيء حجاج بيت الله , يكون (العيد الكبير) عيد الأضحى وعيد “اللحم “كما يسمونّه الآن , تهلّ بشائره وتفوح في الأجواء تلك الرائحة , رائحة قطعان “السعي” , خراف وماعز وبقر, ولكن “الخروف الوطني ” هو السيد بلا منازع , وحين تكون فلاحا في سوق الجمعة,لن ترضى إلاّ أن تكون أضحيتك قد عاشت معك عاما أو عدة أشهر قبل ” العيد الكبير”, وهكذا

سنعيش تلك الفرحة حتى قبل مجيئها شهورا , وتلك البنت ” حواء ” تتنافس واخوتها لتقديم “الصفصفة “والشعير وحتى قشور الفول , هكذا تحاول أن تدلل هذا الخروف الذي تقول أمها أنه “مبارك ” لأنه ضحية العيد , وستشرح معلمتها بالصف الثالت “أبلة نوارة ” حكاية ابراهيم النبي وابنه اسماعيل ” عليهما السلام “وذلك الكبش ذو القرنين والذي نزل به “الملاك جبريل ” هدية من الله تعالى , وحين عودتها وصديقاتها من مدرسة “حليمة السعدية ” تبدأ حكاية البنات المتباهيات بكبش العيد ,شكل صوفه وقرنيه وحتى أن سعاد الصغيرة أجلسها أبيها على ظهره فلم تصل رجلاها الأرض, تضحك البنات من تخيل صديقتهم على ظهر الكبش, يواصلن طريق العودة من المدرسة ,

ولكن حواء مشغولة بتخيل “ملاك بأجنحة بيض وكبش عظيم واسماعيل النبي الصغير يتبع خطى أبيه طائعا يستسلم لسكينه, لكن الملاك يصل والكبش يفدي ذاك الولد الذي أطاع فنجا , وحين تعود تسأل أخيها محمد:

” باهي لو الملاك جبريل ما جاش بالكبش العظيم شن بيصير ”

فيجيبها ” أولا الملاك يجي بهدية الله لعبده النبي ابراهيم عليه السلام ,

وثانيا حيذبحوا الأولاد بدل الخرفان ؟ ” . تصرخ “كيف يذبحوهم ؟؟يرتفع صوت ضحكه :قائلا ” لازم تسالي عن كل حاجة ,” نبي نعرف ونفهم .؟”
., فتهزّ رأسها الصغير لتنفض صورة أخافتها ’ ولتركض لبنات السانية تحكي لهم ماقال أخيها , فتصرخ واحدة ” ياريت خلي نفتكوا من الاولاد ”  فتمتد إليها ايديهن تعابثها ”  تو نحرشوا خوك وتي روحك لطريحة ”

وهكذا يمضي نهار وليل, ويكون موسم “العيد الكبيرة “(  الوقفة   ) وما أدراك ماهي, حيث البهجة تغمر السانية والكل ينشغل بتجهيز معداته , والنسوة يملأن البيوت بفوح “الكسكسي ” كالعادة في أغلب المواسم , أمّا نحن الصغيرات فنلهو قرب “خروف العيد ” نعدّ على أصابعنا الساعات المتبقية , ونمسح على قرون الكبش , أو نمرر اليد على ذاك الشعر الناعم للماعز .

لكنّ ما الذي يجعل العيد أكثر جمالا,عدا أنّه مناسبة دينية لها قدسيتها,حين في هدأة الصباح يرتفع صوت يتسلل إلى أذاننا ثم يتسرب إلى القلب فتفيض عيون بالدمع : لبيك اللهم لبيك ,لبيك لاشريك لك لبيك ,إن الحمد والنعمة لك والملك ,لاشريك لك .

سأتخيل المشهد سأعيدّ ترتيبه كما عاشته البنت حواء, ,حيث تلك السانية “فم الحياش ” والبيوت المنفتحة على عيد حقيقي , مضمخ بالألفة مزروع بضحكات الصغار ومسيج بذاك الحنان, نتشارك الفرحة مع أشجار الزيتون والتوت,حيث في أغصانها ستكون تلك الأخشاب المتينة معلقة بحبال أمتن ,

بعضنا لن تشهد ذبح الخروف المحبوب الذي عاشت معه حكايات لأشهر, بعضنا من الجسارة لتشارك بمسك أحد قرنيه,وبعضنا ستبكي بحرقة ,

لكنّ العشية وهى تتهادي عبر أغصان التوت والزيتون وجريد النخل, سترى  بنات صغيرات يتبادلن قطع شواء, ويغرزن أصابعهن في تراب السانية ,

أو في حجر القفطان  حين تحرق أصابعهن حرارتها, والأمهات يتحلقن حول عالة الشاهي يرتحن ومع “طاسة الشاهي ” يتبادلن خبراتهن , ويتذوقن “القلاية ” حيث صواني متعددة تخبر عن مذاق كل واحدة , و”خبزة الفرن ”

تتراص على طبق السعف, يتنهدن وهنّ يسمعن صوت النداء يعلو,نداء

أذان المغرب وهناك حيث مصلى البير يتجمع الرجال للصلاة,يجلسون

بهدوء بعد الصلاة, قلوبهم تفيض بالمسامحة, وأرواحهم تتبتلل في محراب عيد حقيقي , والبنات الصغيرات مرسال محبة “طاسة الشاهي “بين “فم الحياش ” و”مصلى البير ” ’لكنّ عقل البنت حواء لم يكف عن السؤال :

وماذا يحدث لو أن الملاك جبريل لم ينزل بكبش عظيم من السماء .؟!

___________________

نشر بموقع بوابة أفريقيا الإخبارية.

مقالات ذات علاقة

عطلة جماعية

جمعة بوكليب

مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا (عراقة وأصالة)

المشرف العام

السيف والوقت

محمد دربي

اترك تعليق