المقالة

الـشَّــوراخ!!؟؟

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
من أعمال التشكيلي عادل الفورتية

 
إنه شخصٌ استثنائيٌّ.. مختلفٌ حدَّ التقزُّزِ.. هو ذلك الذي انتفضَ آمرًا أهلَ العرسِ حين سقطت طاسة شاي فانكسرَت قائلاً في حكمةٍ بليغةٍ ” ما توقفوش العرس.. خلُّوا الأمور تمشي ” فغدت مثلًا..!!
إنه شخصٌ مثيرٌ للانتباه بطرائقَ مختلفةٍ، طرائقَ سمجةٍ واعتباطيَّةٍ وعبثيَّةٍ، مثيرٌ للعواصفِ من نسمةٍ عابرةٍ، مثيرٌ للفوضى، لكنَّهُ أكثرُ إثارةِ للشفقة عليهِ من كلِّ هذا..


الشوراخ.. يخرج من مكانٍ غير منظورٍ، كما يقولُ معلقِّو الكرة، يخرجُ في كلِّ الأوقاتِ ليعلنَ عن حضورِه.. ، وهو حضورٌ – غالبًا – ما يثير سخط النَّاسِ عليه، واستصغاره.. مجرَّد الحضورِ ولو كانَ فاضحًا ومأسويًّا، ومثيرًا للتأفُّفِ منه، هو تمامًا كحضورِ الصُّراخِ تعبيرًا عنِ الألمِ، أو القيء تعبيرًا عن إصابة المعدة ببكتيريا ضارَّة..


الشوراخ.. لا ينتبه له أحدٌ إلا إذا لجأ للشورخة، واستخدم إمكانياته العالية في الإعلان عن وجوده، كأن يأتي متأخِّرًا في صلاةِ الجمعَةِ ويشقُّ الصفوفَ، ويتخطَّى الرقاب، حتى يقفَ بالصَّفِّ الأوَّلِ.. ثم ينظرُ يمنةً وشمالاً ويتنحنح مرتين أو ثلاث ليطمئنَّ على أنَّ الجميعَ قد شاهدوه.. ثم يكبِّر للصلاة..


الشوراخ.. يمكن أن يقفَ رافعًا صوته، معارضًا الخطيب، أو منبِّهًا الإمام، أو داعيًا إلى أمرٍ ما، دائمًا لا يعنيه.. وموش في محله أبدًا.. في إطار الشورخة..!


الشوراخ عالي الصَّوتِ جدًّا.. وهذا مهمٌّ للفت الانتباه إليه، فهو يوقنُ جيِّدًا أنَّ لا أحدَ يسمعُهُ.


الشوراخ يمكن أن يقف في المقبرة.. ليقول أي شيء: هاتوا رملة.. اسمينتوا.. الفاتحة يا جماعة.. ديروا طابور.. اللِّي حضر عزَّا.. المهم حقُّوني وخلاص..!!
وهو كثيرُ التَّلفُّتِ لأنَّهُ يعتقد أنَّ أحدًا لا يراه.. من مؤهلاتِهِ الشورخيَّةِ الصراخ وإثارة الضجيج، وإثارة الفتنِ في كثيرٍ من الأحيانِ، الشوراخ يملك جرابًا مملوءًا بالعصيِّ، عصا القبيلة ليتكئ عليها عندَ الضرورةِ، فهو في الحقيقة لا قبيلةَ له في هذا البلد، وعصا الوطن إن كان عليه أن يزايد على أهل البلد الأصليِّين.. وعصا الدين إذا كان لزامًا أن يخوض في فتوى ما.. أو عصا الشهادة، ليزعمَ أنَّ شعبًا كاملاً من أهله وأبناء عمومته شهداء.. وهو في الحقيقة لا ينتمي للشهادَةِ بقطرة دمٍ، ولا بنقطة مسكٍ، ولا للحربِ ولو بسماعِ جلجلتها..!!


الشوراخ حريصٌ على تأكيدِ صفتِهِ النادرة، بـ (تكبير الشورِّخ)، فإن دخلَ أيَّ مكانٍ يقلب الدنيا، فهو يكبِّرُ الأشياءَ بمكبِّرٍ من نوعيَّة تلكم التي يمكنها أن ترصدَ حركة نملة على سطح القمر، إن وجدت هناك طبعًا..!


الشوراخ يعرف كلَّ شيءٍ ، وأي شيءٍ ، ويفتي في كلِّ شيء، ويعاند في كلِّ شيء.. ويمكنه تحليل أي شيء وتسفيه أي شيء.. بدءًا من طريقة عمل (الزميتة) وانتهاءً بالمركبات الفضائيَّة، نعم، إنه يعرفها فهو يركبها في رحلاته الشورخيَّة اليوميَّة..
أحاديث الشوراخ تتناول كلَّ شيء بسذاجةٍ مطلقةٍ، وسطحيَّة بالغةٍ، فهي عن الأدبِ والفنِّ والكرةِ، والعولمة وسباق التسلُّح، والحرب الباردة، والبورصة العالمية، وثقب الأوزون، والمسيخ الدجَّال.. ومليون موضوع آخر.. وكلُّها ليسَ له عنها فكرة واضحة..!


الشوراخ مريضٌ، والمرضُ تاجٌ على رأسه لا يراه.. بينما يراه الأسوياءُ غيرُهُ، غيرُ الشوراخة..


الشوراخ كائنٌ نرجسيٌّ، يقفُ أمامَ مرآته طويلاً عشرات المرات في اليوم ناظرًا إلى وجهه، ليطمئنَّ على مؤهلات الشورخة عنده، يتفقَّدها عنصرًا عنصرًا ويمضي إلى عالم الشورخة بكلِّ ثقةٍ.


الشوراخ يفتعلُ مشاكلَ لا يحلُّها سواه، ليس لعجز الآخرين، وإنما لأنها تعني غيرَه..!!

الشورخة فوضى عارمة، فوضى خلَّاقة، وهدَّامة، ومربكة، هي فوضى الفوضى..!
الشوراخ… أخٍّ منه ومن شورخته التي تشرخ القلب، إنها تملك خاء الأوساخ والأكواخ والأفراخ، والأسباخ..!


والشورخة ليست حكرًا على أحدٍ، فقد يكون الشوراخ مواطنًا بسيطًا مغمورًا، مغمورًا بالشورخة حتى أخمص قدميه.. وقد يكون إنسانًا متعلِّمًا، وقد يكون شيخ قبيلة يتعب قبيلته بما يثيره من فوضى، وقد يكون مسؤولاً معتبرًا ينزف شورخةً.. ومنهم ساسة وزراء وحكَّامٌ وملوك ورؤوساء دول. كم أنها ليست مقتصرَةً على الذكور، ثمَّة كبار الشوراخات..


وليست الشورخة محكومةً بزمنٍ معيَّنٍ، فلكلِّ زمنٍ شوراخوه..
والحديث عنه يطول بلا انتهاء.. ولا شكَّ أنكم تعرفون كثيرًا من صفاتهم وتصرُّفاتهم وعاهاتهم.. ويمكن أن تضيفوها وأنتم تتذكَّرونهم من الأهل والأصدقاء وزملاء العمل والمشاهير..
وسأتوقَّف..!!!


فقد شعرت أن حديثي عنهم _ وهم لا يستحقونه – قد يراه بعضكم (تكبير اشورِّخ)..
 

مقالات ذات علاقة

الفونشة… يا نغما في خاطري

سالم العوكلي

الانتحار في الرواية الليبية

شكري الميدي أجي

المثقفون حمار ليبيا القصير

سالم العوكلي

اترك تعليق