المقالة

الطلاب يستعيدون دورهم المفقود

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

في العهد الملكي شكل الطلاب أهم حزب سياسي في البلاد، حيث كانت الأحزاب محظورة منذ عشية الاستقلال، وكانوا يخرجون في مظاهرات صاخبة ويصطدمون بالقوات المتحركة احتجاجا على ما يجري في البلاد، أو تأييدا ورفضا لما يجري في المنطقة، وتحولوا إلى ترمومتر يقيس درجة حرارة المجتمع في غياب الأحزاب، وقدموا شهداء في يناير عام 1964 في بنغازي والزاوية، ولكنهم أيضا تمكنوا من إسقاط حكومات.

في ذلك الوقت كان الطالب الليبي يعي دوره ويتحمل مسؤولية كونه يمثل طليعة المجتمع، ولم تبخل الدولة عليه بشيء فقد كان الطالب الجامعي يتقاضى منحة شهرية تغنيه عن أي عمل آخر، وكان يرتدي زيا محترما من الجامعة، عبارة عن سترة زرقاء عليها شعار الجامعة، وسروال رمادي وقميص أبيض وربطة عنق، كما كان يتمتع بخدمات القسم الداخلي لمن جاء من خارج المدينة.

لم يستطع القذافي الانفراد الكامل بالسلطة إلا عندما قضى على الحركة الطلابية في السابع من أبريل عام 1976، لذلك كان يقول كل ليلة هي ليلة الفاتح، وكل يوم هو السابع من أبريل، بعد أن اقتحم جنود يرتدون الملابس المدنية حرم الجامعتين في طرابلس وبنغازي. في البداية حاول القذافي احتواء الحركة الطلابية، وعندما فشل سعى إلى تدميرها، وشنق قادتها أمام مقر الاتحاد الاشتراكي في بنغازي، ثم كل يوم سبعة أبريل في الجامعتين، وحتى ينهي التمرد عند الطلاب طبق التدريب العسكري العام عليهم، فتحول الطلاب إلى جنود يطيعون الأوامر وهم يقفون في طابور يشرف عليه جندي جاهل، وبعد أن قضى على الطلاب تفرغ للشرائح الأخرى، فعندما كان الطلاب يتظاهرون عام 1976 كان التجار يقولون لهم إن البلاد بخير، ولكن بعد عامين من قضاءه على الحركة الطلابية ألغى القذافي التجارة وأقفل كل الدكاكين.

بحركة السلم التي انطلقت من جامعة طرابلس يستأنف الطلاب دورهم، الذي توقف منذ عام 1976، وما يؤكد نضجهم هو رفضهم الانزواء تحت شعارات جميع الأحزاب، واصرارهم على أن من حارب الشرعية لا يستطيع حمايتها، وكانت مسيرتهم التي انطلقت من الجامعة سيرا على الأقدام إلى المؤتمر الوطني العام في منتهى التنظيم والسلمية، وتؤكد عودة الطلاب إلى دورهم الطليعي، بداية عودة الشرائح الأخرى من المجتمع لدورها النقابي والتنويري، في وقت نحتاج فيه إلى مثل هذه الأدوار، بعد أن تحولت الأحزاب الوليدة إلى قوة تجر البلاد إلى الخلف بدلا من أن تدفعها إلى الأمام، وبعد أن أوصلت البلاد إلى شفا حرب أهلية من خلال المليشيات التي سيطرت عليها، ومن خلال الزعماء الجهويين الذين أخذوا يقرعون طبول الحرب.

حجم الطلاب هو الأكبر في مجتمع شاب. أكبر من كل المليشيات مجتمعة، وأكبر من مؤيدي الأحزاب الكسيحة، ومن الممكن أن يتحولوا إلى قوة دافعة تخرج البلاد من عنق الزجاجة، إذا لم يتحولوا إلى مطية تركبها نفس الأحزاب، وإذا حافظوا على استقلالهم، ثم بدأوا في تصعيد نضالهم السلمي، عندها يمكنهم دفع الكثير من أعضاء حزب الكنبة إلى الخروج إلى الميادين، كما يمكنهم إعادة المواطن الذي صنع الثورة إلى ثورته التي خطفها من لم يشارك فيها.

عندما يستيقظ الطلاب تستيقظ كل البلاد، وعندما يغفون يغفى الجميع، وتتحول البلاد إلى لقمة سائغة لأي طاغية جديد، ومن المهم الآن تعميم هذا الحراك على كل الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية في البلاد، وحتى لو ضيع الطلاب عاما من دراستهم سيربحون المستقبل، أما إذا أصروا على الدراسة فقط والبلاد تسير إلى الهاوية فسيخسرون دراستهم وأيضا سيخسرون المستقبل.

لن أتحول إلى واعظ ووصي على الطلاب. هم أعرف بدورهم مني، وهم أكثر وعيا بهذا الدور. فقط رأيتهم ينهضون من الرماد، فأحببت أن أحي يقظتهم على الأقل بتحية الصباح.

مقالات ذات علاقة

اللغة العربية في يومها العالمي

زهرة سليمان أوشن

بنغازي في الشتاء

المشرف العام

سماتٌ باقياتٌ

محمد دربي

اترك تعليق