شخصيات

الشيخ على يحيى معمر

 .

سليمان دوغة

 .

مولده:

ولد الشيخ علي يحى معمر بمدينة (نالوت) بليبيا سنة 1919م من أبوين متوسطي الحال اعتمدا في معيشتهما على الفلاحة وتربية المواشي وما تنتجه الأم من الحياكة شأنهما في ذلك شأن أغلب الأسر الليبية التي لم يتوفر لها نصيب من الثقافة والعلم لكنها كانت محافظة متدينة على جانب من الخلق القويم انطبع بهما ابنهما “علي” فشب نسخة طبق الأصل عنها أو أكثر تمسكا ومحافظة منها.

الشيخ على يحيى معمر

دراسته:

كانت أسرته تسكن قرية “تكويت” احدى قرى ضواحي مدينة نالوت وعندما تاهل للدراسة أدخله والده كتاب القرية الذي كان يديره المرحوم العزابي عبد الله بن مسعود الكباوي تعلم فيه مبادئ القراءة والكتابة وبعض سور القران الكريم ثم دخل المدرسة الابيتدائية التي فتحتها الحكومة الايطالية وسرعان ما ظهر نبوغه وتجلت مواهبه بين زملائه الأمر الذي لفت اليه استاذه المرحوم عيسى يحى الباروني الكباوي وصادف أن استقدمت البلاد الليبية شيخا من علماء جربة ليدرس الفقه الاباظي وجملة من العلوم هو الشيخ رمضان بن يحيى الليني الجربي (هو تلميذ قطب الأئمة الحاج محمد بن يوسف اطفيش الجزائري)، فانضم الى حلقته ولازمه في أوقات فراغه بالإضافة إلى دراسته الأساسية بالمدرسة.

في سنة 1927 سافر إلى جربة حيث انضم إلى حلقة شيخه الليني الذي بارح (نالوت) قبله بقليل، انتقل بعد ذلك إلى جامع الزيتونة بتونس العاصمة وفي عطلة من عطل الصيف عاد إلى جربة حيث كون بها جمعية من زملائه الطلبة تتولى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم عاد إلى تونس ومنها سافر إلى الجزائر حوالي سنة 1937م قاصدا معهد الحياة بالقرارة، وهنا حط الترحال في طلب العلم، وقد أقام بها سبع سنوات كاملة، تتلمذ فيها على شيخ بيوض ابراهيم والشيخ عدون وغيرهما وقد آنس فيه أساتذته الكفاية العلمية فأسندوا إليه مهمة التدريس بالمعهد، فكان طالبا ومدرسا في آن واحد مما ساعده على التوسع في البحث والاستزادة من المعرفة.

نشاطه:

شارك في جميع أنشطة معهد الحياة من دروس وجمعيات أدبية وفرق فنية ومسرحية، وبرز محررا في مجلة الشباب كما برز في أناشيده الممتازة التي كان ينشئها في المناسبات والتي تمتاز بحسن السبك والمتانة والحماس والوطنية، قال الشيخ سليمان عون الله أحد أساتذة الشيخ على: “أناشيده تلهب المشاعر، وتحرك الشجون، وتترك الجبان الرعديد ليثا هصوراً”.

لما رجع إلى ليبيا سنة 1945 شمر عن ساعد الجد وبدأ في العمل على الرفع من مستوى الشباب عمليا وفكريا فألهب مشاعرهم وشوقهم إلى المثابرة والصبر وأنار سبل الرضا والتقدم أمامهم، فكان من ثمرات هذا النشاط انشاؤه مجلة للشباب سماها “اليراع” صدر منها ثلاثة أعداد ثم صودرت لأسباب سياسية توجت بافتتاحية لعيسى جرناز وبقصيدة للشيخ على يحى معمر منها هذه الأبيات:

الجهل قيد لكل فكر عادل.. وبه العدا في كيدها تتأنق

بعثات علم في الجهاد صوابر.. ترنو إليك بعبرة تترقرق

وعلى يديها في خلاصك آية.. ومن الشهائد شاهد ومصدق

لولا الضائقة المالية التي صادفته أبان عودته إلى الوطن ولولا ذلك لكان له شأن غير الشأن الأول، سيما في مضمار السياسة والثقافة والفكر عاد إلى وطنه والبلاد تشكو من القحط فاضطر – بعد أن نفد ما وجد عند والده والذي استهلك معظمه في زواجه – اضطر للبحث عن مورد لرزقه ينفق منه على أسرته التي تتألف من أب وأم وزوجته فلم يجد أفضل من مهنة التدريس فتدرج في أروقته من مدرس إلى مدير مدرسة إلى موجه تربوي متنقلا بين نالوت و جادو و غريان وأخيرا استقر به المقام في طرابلس الغرب في وظيفة مرموق بأمانة التربية والتعليم ( الوزارة ) استراح فيه مبجلا مكرما بين الذين يعرفون للعلم فضله وللأخلاق مزيتها حتى وافته المنية رحمه الله وهو في مكتبه يؤدي عمله.

كان يلقي المواعظ والدروس بالمساجد وفي صفوف العامة والطلبة عملا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان ينشر مقالاته الدينية والأدبية والاجتماعية والتاريخية بمختلف الجرائد والمجلات الخاصة: الشباب، المسلمون، الأزهر، الأسبوع السياسي، المعلم، الرسالة وغيرها أما نشاطه السياسي فقد اقتصر أول الأمر – أيام رجوعه إلى ليبيا – على الانتساب إلى “الحزب الوطني” الذي تأسس بعد خروج ايطاليا من القطر الليبي مباشرة لكن سرعان ماتخلى عنه لما تحقق أنه لافائدة ترجى من هذه الحزب فقطع صلته السياسية كلية وتفرغ للنشاط الثقافي والعمل في الحقل الاجتماعي.

وقد بذل مجهودا كبيرا في تأسيس مدرسة ابتدائية في جادو وتحقق له ذلك كما سعى في تأسيس معهد للمعلمين هناك سماه معهد اسماعيل الجيطالي للمعلمين كما كان له الفضل الكبير في تأسيس “جمعية الفتح” و”مدرسة الفتح” بمدينة طرابلس الغرب وذلك في أواسط السبعينات ولاتزال قائمة إلى اليوم تشهد له بالفضل في ميدان الاصلاح والتربية والتوجيه.

حياته الأدبية:

كانت حياة الشيخ على معمر حافلة بالنشاط الأدبي والإنتاج الفكري شعرا ونثرا وقد امتاز في كتابه بالأسلوب الرصين والتحليل والنقد الذي يكشف عن ذوق سليم، وكفاية علمية وامتلاك لأدوات النقد – حسب مستواه – من رصيد لغوي معتبر، واطلاع على أساليب الكتابة الأدبية الفنية والمام بقواعد اللغة العربية من نحو وصرف وعروض وبلاغة وغيرها وسعة اطلاع في مختلف المعارف ماظهر في تآليفه التي تمتاز بجودة الأسلوب امتاعا واقناعا، يقول بعد نقده لقصيدة لأحد زملائه وما أثارته حوله من زوابع من المنتصرين لصاحب القصيدة: ” لكن الحكم الأدبي في تقدير الفن والأدب انما هو الذي يستطيع تعليل حكمه كما يقول العقاد فاذا عجز عن الحكم استطاع أن يعلل عجزه بكلام سائغ في الإفهام ولا يكون ذلك إلا ناقد ذو ثقافة أدبية واسعة وطبيعة فنية موهوبة ونظر مميز فاحص فهو الذي يمكنه أن يميز الجوهر من الخزف والدر من الصدف وهذا التمييز هو المعول عليه في تقدير الحق وه الحكم الأدبي الصحيح الذي يرمقه المعنيون بدراسة التواريخ الأدبية للأمم والأفراد ثم هو الذي يبقى على الزمن على حين تطير الفواقع والقواقع وتموت التقاريظ الأدبية الرخيصة “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

من أشعاره نورد الأبيات التالية:

نحن شبان البلاد حاملوا بند الجهاد

لسنا نرضى باضطهاد ابدا لا نستكين

نحن للشعب حماة نحن في الارض كماة

نحن للمجد بناة لا نرى مستبعدين

نحن سادات البرايا نحن خواض المنايا

نحن للعز ضحايا نبتني المجد الرصين

إن عدا عادٍ وثبنا فقتلنا وضربنا

لسنا نرضى الذل جبنا لا نذل لانهين

نطرد العادين قهرا ونرى الإذعان كفرا

هل درى العادون أنّا الحتف للمستعمرين

شعبنا أرقى المعالي حائزا كل الكمال

إننا أسد الغوالي نحرس الغاب الأمين

عش فريدا في الزمان في رواق من أماني

بالغا أقصى الأمالي رغم أنف المعتدين

هذه نموذج من شعره يمثل مرحلة النشأة وذلك حين كان طالبا وفي فترة التلقي والتحصيل كما تمثل مرحلة النضج والوعي وذلك ما كتبه في آخر حياته أما ما بين ذلك فلن نستطيع أن نقول عنه شيئا ولكن يمكن أن نستانس بما قاله الشيخ سالم ابن يعقوب في أدب على يحى معمر لأنه عاشره طويلا وعرف عنه الكثير يقول: “كان الشيخ على يحي معمر رحمه الله ولوعاً بالأدب نثره وشعره قديمه وحديثه لصفاء نفسيته ورقة وجدانه ورهافة عاطفته وخصب شاعريته ما ظهر في كتابته وتآليفه فيما بعد من جمال الأسلوب ودقة المعنى وحلو العبارة وليس عجبا أن نرى منه مثل هذا وهو الذي تتلميذ على كبار العلماء أمثال الشيخ الليني بجربة والشيخ ابراهيم بيوض والشيخ عدون وغيرهم وهو الذي عاش في ذلك الجو العبق بالمعرفة والملي بالأنشطة الطالبية المتنوعة المتطلع الى غد افضل للدين والحياة في دنيا الاسلام وقد كان له فيه القدح المعلي حيث شارك في كل خلية فيه بما أوتى من شجاعة أدبية وذكاء وصدق نية وحسن استعداد يلقي القصائد الشعرية وينظم الاناشيد الحماسية ويؤلف المسرحيات التاريخية ويرتجل الخطب النارية مما جعل منه رائد الشباب وقائده آنذاك”.

مؤلفاته:

كتب الشيخ على يحى معمر في مواضيع مختلفة كالفقه والتاريخ والأدب والسير والسياسة والاجتماع وحقق وعلق ونشر مقالات عديدة وكتابات تمتاز بمميزات أجملها ابو اليقظان في تقريظه لمؤلفه “الاباضية في موكب التاريخ” لأن ما نلمسه في هذا الكتاب من أسلوب رائق ولغة بسيطة ومنطق مقبول في العرض والمناقشة وتواضع في التعبير.

يقول ابو اليقظان: “تسلمت شطرا من كتابك الاباظية في موكب التاريخ فتصفحت مقدمته وشطرا منه فوجدته كتابا بديعا في فنه وديعا في أسلوبه ينساب كالماء في الأغصان وقت الربيع أو كالنسيم فيه يأخذ من يانع الزهر ولا يكاد يشعر به الإنسان إلا وقد بلغ الغاية بين تجاويف القلوب ولفائف النفوس توخيت في أسلوبه الوداعة والبساطة لا حدة ولا عنصرية ولا إجحاف بحق الامة في تاريخ أسلافها وهكذا ذهبت كالسهم الى اللب فاقتنصته بلباقة وطعمت به لفائفه وأغشيته كالطبيب حتى ركزته في بؤرة مرض من المريض بدون أن يشعر بمرارة الدواء حتى يجد راحة الشفاء.. هكذا فليكن الدعاة. أسلوب متواضع رصين يأخذ طريقه الى القلوب فبارك الله لك في قلمك السيال وفكرك المنتج وضميرك اليقظ”.

قائمة المؤلفات:

الكتب:

1- الاباضية في موكب التاريخ ( أربع حلقات )

2- الاباضية بين الفرق الاسلامية

3- سمر أسرة مسلمة

4- الميثاق الغليظ

5- الفتاة الليبية ومشاكل الحياة

6- الأقانيم الثلاثة

7- الاسلام والقيم الانسانية

8- فلسطين بين المهاجرين والانصار

الرسائل:

1- أجوبة وفتاوى

2- صلاة الجمعة

3- أحكام السفر في الإسلام

4- مسلم لكنه يحلق ويدخن بالاشتراك مع الشيخ بيوض ابراهيم

5- الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ( مخطوط )

6- الحقوق في الأموال ( مخطوط )

البحوث:

1- مناقشة للشيخ خليل المزوغي

2- بحث قيم حول أجوبة أبى يعقوب يوسف بن خلفون

3- بحث قدمه الى موسوعة الحضارة العربية

المقالات:

أولا المنشورة:

1- الحزم في التربية ( نشر التوثيق والبحوث التربوية )

2- الطفل في القران الكريم

3- رد على الاستاذ خليل المصري

4- حاكم مصر والحكم الذاتي

5- الاستسلام ليس من خلق الاسلام

6- الحسبة في الاسلام واللجان الثورية ( الاسبوع السياسي )

ثانيا غير المنشورة

1- فتاوى لأسئلة واردة من أشخاص

2- الشعب المسخ

3- المؤتمرات الإسلامية صور من صور الإجماع

4- من هو صاحب السلطة في الإسلام

5- اللحوم المحرمة (مشروع للمناقشة)

6- حكومات بدون شعوب

7- لمحة تاريخية عن الاباضية

8- هل ضل العلماء بين المسجد والمؤتمر

التعاليق:

1- تعليق على كتاب الصوم لأبي زكرياء الجناوني

2- تعليق على كتاب الزكاة لأبي زكريا الجناوني

3- مقدمة لكتاب ” سير مشائخ نفوسة ” الذي حققه د.عمرو النامي

من مسرحياته:

1- مسرحية: ” ذي قار ” ذات المغازي السياسية

2- مسرحية محسن

وفاته:

توفي رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء 27 صفر 1400 ه الموافق 15 يناير 1980 م على الساعة الحادية عشرة. يقول الشيخ سالم بن يعقوب: “كان لهذا الجهد المضني المتواصل في الاغتراب والتنقل لتلقي العلم ثم لنشره عند استقراره ببلاده على اوسع نطاق مع قلة ذات اليد وعدم وجود المعين أثره الفعال في تدهور صحته يضاف اليه المضايقات السياسية الكثيرة التي لاحقته باستمرار في ذاته تندد عليه نشاطه الديني والعلمي وفي ابنائه بسجنه وتشريدهم عنه ولاننسى نكران جميله من بني جلدته مصداقا لقول الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد مرارة.. على النفس من وقع الحسام المهند

ولكن فقيدنا يستمر هازئا بكل ماذكر حتى تعاورته العلل المتنوعة وخاصة ضيق التنفس وضغط الدم وعسر الهضم فانهد كيانه وذوى عوده ولم تجده المعالجة حتى في الخارج بايطاليا فسقط في ميدان الجهاد شهيد العلم والواجب يرحمه الله يشهد بهذا ماتجمع لتشييع جثمانه الطاهر من حشود عظيمة ضمت علية القوم في العلم والسياسة والاقتصاد من الاصحاب والاصدقاء حتى ممن كان يناصبه العداء.

وقد رثاه شعراء عديدون وأبنه خطباء متعددون وسجل مناقبه ومآثره كتاب كثيرون ونحن في ختام العرض المقتضب نثبت أبياتا لأحد الشعراء الذين تأثروا لوفاة الشيخ على يحى معمر مطلع القصيدة:

من للكتاب وللقرطاس والقلم

من للمنابر، من للفقه والكلم

يقول الشاعر عمرو سعيد داوود في قصيدته في رثاء الشيخ في طرابلس 18 يناير 1981م (القصيدة طويلة بلغت أربعين بيتا وهذه بعض منها):

من للكتاب وللقرطاس والقلم

من للمنابر، من للفقه والكلم

سطرت تاريخنا رغم الأولى جحدوا

ما للنفوس من مجد، ومن عظم

في “موكب” توج الأجداد هامته

بالعلم ، بالدين بالأفاضل والشمم

في موكب نحن قد كنا طلائعه

إلى العلى ، حيث كان الغير في ظلم

ألم يكن حجة في الفقه ساطعة

مثل السراج، يضيء الكون في الظلم

كم وقفة منه ضد البغي صامدة

أمامه، لم يكن يوما بمنهزم

كم صرخة في سبيل الحق أطلقها

في وجه من عن سبيل الرشد في صمم

واسمر ليالي هدى ، تحت أنجمه

مع بنيك ، تجد فيضا من النعم

رسالة المسجد المعمور رصعها

بالدر حتى أتت في خير منتظم

يارب ادخله دارا أنت مدخلها

محمدا سيد الأعراب والعجم

وفيه عوض إلهي المسلمين وجد

فأنت خالق هذا الكون من عدم

مقالات ذات علاقة

الجيلاني الصافي كجدول الماء

مهند سليمان

عميد العرب أحمد الصالحين الهوني في ذكراه الثالثة عشر .. حاضر رغم الغياب

المشرف العام

كل يوم شخصية ليبية مشرقة (15).. السيدة حميدة العنيزي

حسين بن مادي

اترك تعليق