الروائي د.أحمد إبراهيم الفقيه.
حوارات

الشخصية في الفن أكبر من الشخصية في الحياة

أحمد إبراهيم الفقيه: من الذي جعل ثقافتنا العربية المصدر الأكبر لقوى التطرف والغلو.

حاورته: خلود الفلاح

الروائي د.أحمد إبراهيم الفقيه.
الروائي د.أحمد إبراهيم الفقيه.
الصورة: صحيفة العرب.

الكاتب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه، ولد بمدينة مزدة، نشر أولى كتاباته في الصحف العام 1959، وكان عمره خمسة عشر عاما، أي أن عمره الأدبي اليوم قد بلغ ستين عاما تقريبا، رحلة طويلة، أنجز خلالها أكثر من مئة كتاب، بينها خمسة وخمسون كتابا سرديا توزعت بين، أربع وعشرين رواية وإحدى وثلاثين مجموعة قصصية، وعشرة كتب سيرة ذاتية، وسبعة كتب تضم أكثر من أربعين نصا مسرحيا. إضافة إلى تراجم وأدب رحلات ونصوص تأملات.

عالم مواز

في روايته “خالتي غزالة تسافر في فندق عائم إلى أمريكا” تدور الأحداث في منطقة حدودية بين الفانتازيا والواقع والخيال. نسأل إبراهيم الفقيه عن سبب ولعه بهذه المنطقة في كتاباته السردية، ليجيبنا “شكرا لهذا السؤال الذي سأتوقف عنده قليلا لأنه يصلح أن يكون مفتاحا لفهم أسلوبي في الكتابة السردية والمدرسة التي اعتمدها في وضع استراتيجيات السرد والتعامل مع تقنياته وصولا إلى تحقيق أقصى درجة من النفاذ إلى عمق الأحداث والأشخاص وتقديمها ليس بأسلوب الترحيل والنقل للعالم الواقعي ولكن بخلق العالم الموازي الذي يكون صنوا للحياة ومعادلا رمزيا وفنيا لها، وهذه في ما أرى هي وظيفة الفن، وهذه حدود قدراته وليس أن يكون إعادة إنتاج لها طبق الأصل لأن تلك مهمة مستحيلة، الإبداع الأدبي خاصة في مجال السرد، هو تناول فني وجمالي للحياة، ينقل للقارئ إحساسا بهذه الحياة ومحاولة لفهمها بما في ذلك ما يمور في النفس البشرية من مشاعر وانفعالات، لذلك نقول إن الشخصية في الفن أكبر من الشخصية في الحياة”.

ويتابع الكاتب “من هنا كان لا بد من رفد الواقع بوسائل أخرى تأتي من فوق الواقع ومن تحته ومن أمامه ومن خلفه وإعطاء هذه الروافد تسميات كثيرة مثل السريالية والفانتازيا والواقعية السحرية وصولا إلى مدارس العبث واللامعقول والدادية والتجريد في الرسم وغيرها، لذلك فإن أغلب كتاباتي تنتمي إلى ذلك النوع من الكتابة الإبداعية السردية التي نقول عنها إنها لا تهمل الواقع ولكنها لا تكتفي به”.

ونتطرق في حديثنا مع الفقيه حول بعض شخصيات رواياته مثل رشيد الأزرق بطل رواية “العائد من موته”، ونسأله إن كان حقق حلمه بليبيا جديدة بعيدة عن القذافي ونظامه، فيقول “ما كان يهم رشيد الأزرق، هو أن يرى زوال العدو الذي طارده وأفسد عليه حياته، وصادر حقه في الوجود والعمل، ومنعه من أن يواصل طموحه في بناء المشاريع والمعمار الذي يعود على البلاد بالخير والفائدة. ولابد أنه كان سعيدا أن يرى نهاية عهد الاستبداد وأن يرى مصرع المستبد الذي طارده حتى أوشك على قتله”.

رواية “العائد من موته”، اعتبرت وثيقة إدانة لنظام القذافي. وإن كان يرى نفسه كاتبا له التزامات سياسية لا بد من الترويج لها في أعماله، يؤكد الفقيه أن الرواية لم تكن معنية بحاكم بعينه أو شخص بعينه، فاسم القذافي لم يرد في الرواية، رغم أن القارئ الذي يطابق الأحداث سيعرف أن الحاكم كان هو ذاك الرجل، ولكنه يلفت إلى أنه معني بالظاهرة ومعني بالسلطة في أشكالها الفاسدة والتسلطية، السلطة المطلقة التي يقولون عنها فساد مطلق، ولا يأتي اهتمامه من أنه كاتب له التزامات سياسية كما جاء في نص السؤال، إذ يشدد أنه ليس كذلك مطلقا، إنما هو كاتب له التزام إنساني واهتمامات إنسانية، والأدب الذي تحدث عن الديكتاتور والطغيان يمثل جزءا عزيزا وثمينا وراقيا من مكتبة السرد العالمي، وأريد أن أحظى بشرف أن يكون لي إسهام في هذا النوع من الأدب.

الهامش الثقافي

من ناحية أخرى يشير الفقيه إلى أنه ليس ناقدا ولا محللا للأعمال الأدبية ليجيب عن سؤالي، ما إذا كان الروائيون يسقطون شخصيتهم على الشخصيات الروائية، ويضيف “لكل شيخ طريقته كما يقولون، ولعل هناك من ينظر إلى حياته الشخصية وسيرته الذاتية بحثا عن مادة يستخدمها في رواياته، ما أعرفه بالنسبة إلى الصنعة هو أن الروائي لكي يصنع شخصية روائية غالبا ما يستمد ملامحها من عدة أشخاص يعرفهم، حتى وهو يكتب عن شخص رآه يمثل بالنسبة إليه نموذجا روائيا لا يستطيع أن يكتفي به وإنما لا بد أن يضيف إليه ملامح شخصيات أخرى يعرفها أو تعيها الذاكرة أو ربما قرأ عنها في تراجم وسير ذاتية ليستطيع أن يخلق شخصية لها وجود وحيوية ومصداقية”.

تناول فني وجمالي للحياة

ويتابع الفقيه “لا أدري إن كنت اتفق أو لا اتفق مع فكرة أن الرواية المؤلفة من قبل كُتاب ليبيين لا تحظى بالاهتمام الكافي، ما يجب الإشارة إليه هنا، أن ليبيا ليست مركزا ثقافيا من مراكز الثقافة العربية مثل مصر أو لبنان أو الشام أو العراق، بل والمملكة المغربية في السنوات الأخيرة، إنها من بلدان الهامش ثقافيا، وظلت كذلك بسبب السياسة التي لم تكن تعطي للثقافة والإبداع الأدبي والفني كبير اهتمام، بل عملت على إقصائه وتهميشه وانزوائه في الأركان المعتمة، ولذلك فإنه لا لوم على الأوساط الثقافية في العالم العربي التي لم تسلط ما يكفي من الأضواء على عطاء وإبداع الكُتّاب الليبيين، أما محليا فلا بد من القول أن هناك عوامل ضعف تغلبت على عوامل القوة”.

ويرى محدثنا أن في الحراك الثقافي الليبي، هناك ومضات لا تضيء حتى تنطفئ، ويكفي أن ننظر إلى واقعنا خلال الأعوام الثمانية الأخيرة من عمر ثورة 17 فبراير فلا نكاد نجد صحيفة أو مجلة ثقافية أو أي منبر يفخر بأنه قادر على الوصول بإنتاج الأدباء الليبيين إلى القارئ في شتى الأوطان العربية بل هو لا يصل بهذا الإنتاج حتى إلى قراء حاضرة واحدة من حواضر ليبيا. ولكن مع ذلك يقر بأن الصورة ليست قاتمة.

يرفض ضيفنا الفكرة القائلة بوصول الرواية المترجمة  إلى القارئ بشكل أكبر من الرواية العربية، مشددا على أن ميزة الأدب وميزة الفن بكل ما يحتويانه من أنواع وألوان، يعبران عن وحدة المشاعر الإنسانية، ويشكلان رابطا يربط البشر ويوصل بينهم مهما اختلفت الأوطان والأعراق والألوان والديانات، بل ومهما اختلفت الأزمنة وتباينت الأجيال، ومن هنا تكون الإجابة أنه لا يقيم اعتبارا لحقيقة من أين جاء هذا الغذاء الروحي والوجداني ومن أي مصدر انطلق حتى وصل إلى حيث أكون.

من ناحية أخرى يقول الفقيه “يبدو مرعبا حقا أن تكون ثقافتنا العربية الإسلامية هي المصدر الأكبر لقوى التطرف والغلو التي أنتجت القاعدة وداعش، أكبر ظاهرتين إرهابيتين عرفهما العالم في المرحلة الراهنة، وتجلى في أفعالهما نوع من التوحش والإجرام. يكاد يكون فريدا وعجيبا ولا وجود لنظائر له في جرائم العصور الحديثة.

والسؤال المطروح على العقول العربية وعلى أهل السلطة والقيادة والنفوذ والتوجيه. لماذا الثقافة العربية الإسلامية؟ إذ لا جواب إلا الجمود، نعم إنه الجمود، والقوالب المتحجرة، الناتجة عن القهر والقمع وغياب الاجتهاد وغياب حرية البحث والتفكير والقول.  وبناء على ذلك سؤالنا هو، هل يستطيع المثقف العربي أن يفعل أو لا يفعل؟

__________________

نشر بموقع صحيفة العرب.

مقالات ذات علاقة

محمد الزواوي.. الفنان والإنسان

المشرف العام

الروائية الواعدة عائشة صالح…. اخترت نشر روايتي الأولى خارج ليبيا لأني أستهدف القارئ العربي

مهند سليمان

الدكتور محمد المفتي لـ(السقيفة الليبية): النسيج الاجتماعي الليبي أصابه الكثير من الأذى..

حنان كابو

اترك تعليق