حوارات

الروائية الواعدة عائشة صالح…. اخترت نشر روايتي الأولى خارج ليبيا لأني أستهدف القارئ العربي

حاورها / مهنّد شريفة

الروائية الليبية الشابة عائشة صالح

حالما نغوص في عالمٍ يتجرأ فيه الخيال على الحلم بل على العمل على تحقيق الحلم والاثبات طوال الوقت على أن الخط الفاصل بين الأحلام والأوهام هو ما يحدده حجم وعينا وماهية فهمنا للأمور من حولنا وكيف نتسلح بشغف الاحاطة بما يدور وراء الحُجب خارج سقف السماء التي ماهي إلا غلاف جوي يُحصّن ديمومة استمرارنا فوق البسيطة،بيد أنها ليست عائقًا يحول بيننا وبين أن نعرف …وخلال العقود الأخيرة خيضت عدة تجارب كتب لها النجاح والسداد في مجال أدب الخيال العلمي لتُسخّر المنظومة العلمية في الجنس الروائي والقصصي تتكىء في ذلك على أهم المرجعيات العلمية وما توصل إليه العلم في آفاق البحث عن تساؤلات الوجود حول طبيعة التركيبة الفيزيائية للأكوان وللكواكب …وفي هذا الحوار نستضيف الروائية الواعدة عائشة صالح التي امتشقت قلمها وترجمت بشغف طفلة حالمة على صدر الأيام رؤاها واسقاطاتها من خلال أولى إصداراتها الأدبية في رواية رحلة كايا.

صدر لك قبل مدة باكورة أعمالك الروائية(رحلة كايا) هلاّ حدثتنا عن هذه الرواية ؟ ولماذا آثرت نشرها عبر دار نشر غير ليبية ؟
رحلة كايا هي رحلة عبر الزمن تبدأ بسفر جماعي لجزيرة ليموريا بالكامل إلى المستقبل بعد فك شفرة السفر عبر الزمن من قبل جد كايا السيد فلافيوس فتتحول إلى جزيرة تواكب التطور والعلوم والتكنولوجيا بعد أن كانت مأوى للعصابات و للقراصنة
ثم تظهر بطلة الرواية الأميرة كايا والتي تشعر أن ليموريا رغم تطورها الكبير ينقصها شيء ما لم تفهم ما هو بالضبط حتى يأتيها الهام أو حلم يتكرر عليها مرارًا ويصبح أوضح حتى يقودها في النهاية لكسر حاجز السفر إلى الأراضي المحرمة على سكان ليموريا خلف المحيط لتجد نفسها في رحلة زمكانية إلى الماضي البعيد لتكتشف حضارات عريقة و تتعلم دروس عديدة كما تبدأ بالخوض في رحلة لاكتشاف ذاتها من جديد.
وفيما يتصل بمسألة نشرها خارج ليبيا فقد اخترت نشرها خارج ليبيا أولًا لأني أستهدف القارئ العربي بصفة عامة فلو نشرتها داخل ليبيا فعلى الأغلب ستبقى فقط محصورة هنا
علاوة على أن حتى معارض الكتاب كمعرض طرابلس لم تقام فعالياته منذ سنوات
و دور النشر المحلية رغم جهودهم إلا أن الظروف لازالت تمنعهم من الانتشار ومواكبة دور النشر العربية الأخرى.
بينما دول الجوار خصوصًا مصر معروفة بدور نشرها التي تشارك في مختلف المعارض العربية و يخصصون مجهودات طيبة في نشر الثقافة و القراءة فمبجرد ما وقعت عقد مع دار مصرية نزلت رحلة كايا بمعرض جدة الدولي للكتاب شهر 12 من العام الماضي ثم تواجدت في البحرين بمهرجان الأيام الثقافي حتى عادت للقاهرة مع معرض القاهرة للكتاب … و لولا ظروف الحجر واقفال المطارات لتواجدت في معارض عربية أخرى.

هل كان دافعك للكتابة في هذا النوع هو التحرر والملل من نمطية الأساليب الكلاسيكية التي أستهلكت فيها الموضوعات الاجتماعية والعاطفية ؟
منذ طفولتي كنت أطالع الروايات العالمية المترجمة للعربية و التي كانت دور النشر تحرص على جلبها للساحة العربية فظهرت أعمال تحترم عقل القارئ وتضيف له عمق في التفكير و توسع من مداركه و مخيلته و تضيف له عمق جديد مهما كان نوعها الأدبي مغامرات فانتازيا بوليسية أو إجتماعية.
ثم توقفت فترة طويلة عن عالم الروايات مع انشغالي بدراستي في كلية الطب وتعمقي في مجال التنمية الذاتية و اكتشاف الذات ولكن تزامنًا مع عودتي للبحث من جديد عن الروايات الموجودة في الساحة العربية تفاجأت ببعض الأعمال التي لا ترقى للمستوى الذي تضيف فيه شيء جديد للقارئ عدا تشويقه بطريقة درامية روتينية لا تختلف عن المسلسلات التي تعرض على الشاشة الكبيرة و رغم ذلك تحقق أعلى المبيعات.
فبدلا من إلقاء اللوم على من ينشرون تلك الأعمال قررت أن أنضم لكوكبة الأدباء الذين يكتبون من أجل تقديم رسالة وشيء مختلف على الساحة فسيطرت على مخيلتي فكرة رحلة كايا فوجدتها شيء مشوق يشد انتباه القارئ في حين يثري عقله بمعلومات تفيده في حياته جمعت فيها بين الخيال العلمي من نظريات فيزيائية لها وزنها كالسفر عبر الزمن والعوالم المتوازية في حين أضفت إليها بعض اللمسات الساحرة من التنمية الذاتية ووضعتها في قالب روائي تشويقي وفي شكل مغامرة تذكرنا برحلات السندباد كما توسع من مخيلتنا لتأخذنا بعيدًا ولكنها في الحقيقة تجعلنا أقرب من ذواتنا.
فلو قررت عمل كتاب فيزيائي يتحدث عن تلك النظريات بتوسع أو كتاب تحفيزي يتحدث عن الاتصال بالداخل فرسالتي لن تصل للكثير من القراء العرب حيث الشريحة الأكبر والإعلانات الأكثر تكون للأعمال الروائية وهذا شيء طبيعي فالقارئ لابد أن يجد شيء مشوق يحفزه على الاستمرار في القراءة وسط هذا العصر المليء بالمشتتات ووسائل الترفيه التي تجعل القراءة خيار ممل و بعيد المنال.
فأنا أرى في الكتابة وسيلة لايصال رسائل تلامس القارئ بعمق و أرى في رحلة كايا رواية تحفيزية لبدء رحلة تغيير حقيقية من الداخل وخوض مرحلة و مغامرة جديدة في الحياة.

رواية رحلة كايا

طغى عنصر المعلوماتية والأسلوب التقريري في نصك الروائي الذي ارتكز مثلاً على استدعاء بعض طرائق الاستشفاء التي كانت متبعة في حضارات غابرة،أمن باب الوصول السريع للقارئ وظّفتِ هذه الثيمة أثناء السرد ؟
أنا مهتمة فعلًا بالبحث عن هكذا معلومات عريقة و أصيلة فأحببت أن أعيد احياء ما قد يفيدنا من الحضارات السابقة لنا لندمج بين الأصالة و الحداثة.
فليس كل شيء من الماضي يستحق النسف والنسيان فالتجربة البشرية المتراكمة عبر قرون لم تكن مجرد ماضٍ وخرافات و أوهام بل فيها اسرار وعلوم نفتقدها في عصرنا الحالي الذي طغت فيه المادة على كل شيء.
فنحن لا نعيش في أكثر العصور تطورًا بل كانت هناك حضارات سابقة فاقت تطورنا بما لا يمكننا حتى تخيله.
علاوة على ذلك فالسرد المعلوماتي في الرواية كان لايجاد الفرصة لايصال معلومات تثري قراء الروايات و تفتح لهم التساؤلات وآفاق جديدة للبحث والاستكشاف فالتشويق بحد ذاته ليس هدفًا و إنما وسيلة لشد انتباه القارئ حتى يحين موعد اعطائه جرعات معلوماتية تثري تفكيره و تضيف له شيء حتى إن لم يتفق معه على الأقل يكن على دراية به فيتوسع ويتمدد.

ماهي الجدوى برأيك من انتاج أعمال تنتمي للخيال العلمي لاسيّما ونحن محاطون ببيئة ما تزال تتوارث القيم الغيبية وتُخضع البديهيات للنقاش ؟
لا أعلم بالضبط نوايا من برزوا في الكتابة ضمن هذا اللون الأدبي.
و لكن بالنسبة لي أرى أن هناك موجة وعي و صحوة في الفكر العربي بدأت تزداد شيئا فشيئًا و تبحث عن الجديد خصوصًا مع الانفتاح العالمي الكبير.
فوجود هذه الصحوة أحدث فجوة يحتاج سدها أعمال كتلك التي تدمج الخيال العلمي بالفانتازيا
و اختياري لهذا النوع من الكتابة لأني وجدت نفسي فيه فلم أختره بناءً على فكر المجتمعات العربية أو غيرها ولكن وجدت نفسي مهتمة منذ سنوات بهذه المجالات حتى شعرت بأن هناك فائض يرغب في أن يعبر عن نفسه من خلالي فتخلل الكثير من السطور و الفصول برواية رحلة كايا بشكل تلقائي و سلس دون أن يكون مجهدًا أو شاقًا.

رأينا في بعض أعمال أدب الخيال العلمي مثل سلسلة هاري بوتر ومن مفكرة رجل لم يولد للراحل يوسف القويري وفي روايات دان براون النزوع لفكرة التنبؤ بما سيكون عليه الحال بعد عقود من الزمن، لماذا قرنتِ بين الماضي كفرصة للنبش عن الأنا الفردية المفقودة وإعادة اكتشافها وبين بلوغ المستقبل ؟
سؤال عميق…
غالبًا ما يُصور لنا المستقبل على أنه الأكثر تطورًا والأكثر حداثة في التقنيات و العلوم وهو ما أظهرته أيضًا في روايتي رحلة كايا عبر السفر المستقبلي لجزيرة ليموريا بأكملها و لكن علينا أن ندرك أيضًا أن الحداثة و التطور المادي البحت ليس كل شيء.
فان لم يصاحب التطور العلمي تطور في الفكر البشري من العمق و في الذات الإنسانية من الداخل لن يكون تطورًا كاملاً وحقيقيًا إنما سيكون فقط قشور سرعان ما تتحطم بأبسط ضغط خارجي.
ولأن عصور المعلوماتية و السرعة تميل إلى زيادة المشاغل و كثرة الوسائل المشتتة للإنسان فرأيت في العودة لنمط الحياة الهادئة البطيئة و البسيطة في الماضي أفضل فرصة للاسترخاء و إعادة الاتصال بالذات مع البحث عن الأصالة و الأسرار التي كانت تعيشها الحضارات السابقة و المتقدمة علينا في الكثير من النواحي الغائبة عنًا.
ليكون الهدف في النهاية الجمع بين التطور المعلوماتي والتقني من جهة والتطور على المستوى البشري و الفردي من جهة أخرى.

كيف برأيك يمكن التمييز بين حاجة الجماعة للعودة للماضي ومسؤولياتها تجاه الحاضر والمستقبل؟
ليست هناك أي حاجة للعودة إلى الماضي أو لإنتظار المستقبل.
فرحلة كايا لا تدعو أبدًا لذلك فواحدة من أهم الدروس التي تعلمتها كايا هي كيف تعيش اللحظة الحاضرة بعمق فكما أخبرها المعلم هوانغ بأن اللحظات الوحيدة التي نكون فيها على قيد الحياة هي اللحظات التي نعيشها بعمق كما هي.
يمكن أن نقول بان كايا سافرت إلى الماضي لتتعلم حكمة وفن عيش اللحظة و تدرك ان الماضي و المستقبل كله وهم فقط الحاضر هو الحقيقة الوحيدة.
فكل ما نمتلك التحكم فيه هو الحاضر لذلك الاستثمار في اللحظة الآنية هو ما يوصلنا لبناء واقع مختلف و جديد تمامًا.

كلمة أخيرة…
أختم بهذا الاقتباس من رواية رحلة كايا
المتعة في الرحلة و التعلم في الطريق و ليس في نهاية الوصول
شكرًا لكم على هذا الحوار و هذه الأسئلة العميقة و القيمة
بارك الله جهودكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عائشة صالح
طرابلس – ليبيا
مواليد شهر يناير 1991
طبيبة باطنة بمركز طرابلس الجامعي
من خريجي الأكاديمية الدولية للتنمية الذاتية
رحلة كايا أولى أعمالها الروائية صدر منها الجزء الأول عن دار كتاب للنشر و التوزيع في القاهرة
بينما الجزء الثاني جاهز للنشر قريبًا .

مقالات ذات علاقة

علي الحبيب بوخريص: أنني مقتنع بأن السياسة في معناها الراشد تصلح ولا تفسد!!

المشرف العام

الإعلامي عزالدين عبدالكريم لفسانيا: على ما أرى فإن الإعلام لا علاقة له بصفته

سالم البرغوتي

محمد الزروق: الكتابة تأخذني من العالم المليء بالتناقضات والسلبيات

حنان كابو

اترك تعليق