الطائفة اليهودية في بنغازي.
مختارات

الذاكرة الليبية .. الطائفة اليهودية في بنغازي ..

الطائفة اليهودية في بنغازي.
الطائفة اليهودية في بنغازي.
الصورة: عن محمد العنيزي.

مدينة مفتوحة على البحر:

في العصر الحديث كانت بنغازي مدينة كوزموبوليتية استقر بها المالطيون واليونانيون والكريتيون والأفارقة والألبان والأرمن والعائلات الإيطالية القادمة مع الإحتلال الإيطالي إضافة إلى الطائفة اليهودية التي عاشت في بنغازي ..
واجتمعت في هذه المدينة الديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية وكانت بها كنائس للكاثوليك والأرثوذوكس ومعابد لليهود إلى جانب مساجد أهلها المسلمين .
استقبلت بنغازي الوافدين إليها من مختلف الأرجاء الذين جاؤوا من أجل العيش وكانوا تجارا وحرفيين وأصحاب مقاه .. وانصهر هذا الخليط في مدينة الملح المفتوحة على البحر بشاطيء طويل ترسو عنده السفن المحملة بالبضائع قادمة من اليونان وايطاليا وتركيا والإسكندرية .
وفي الوقت ذاته كانت بنغازي محطة لإستقبال القوافل القادمة من بر السودان محملة بالرقيق وريش النعام وأنياب الفيل وجلود الماعز والصمغ العربي.

اليهود في المجتمع البنغازي:

استقرت الطائفة اليهودية في مدينة بنغازي بعد قدومها من أماكن مختلفة اثناء العهد العثماني .. فقد توافدت الأسر اليهودية إلى بنغازي قادمة من تونس وطرابلس وأزمير والمغرب ومن جبل طارق واسبانيا .
عاش اليهود موزعين وسط المدينة ولم تجمعهم حارة واحدة أو حي خاص بهم وكانوا يقطنون في:
شارع البلدية ــ شارع عمر المختار ــ شارع عصمان ــ شارع الشويخات ــ شارع قزير ــ شارع البحر ــ شارع بن عيسى ــ شارع الوحيشي ــ شارع المهدوي ..وغيرها .
امتلك اليهود العقارات والمنازل والمتاجر وكانوا يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية دون أي مضايقات من السكان المحليين ..
مارس اليهود التجارة على نحو واسع إلى جانب بعض الحرف الأخرى لكن التجارة كانت الحرفة الأغلب عندهم وكانوا يتاجرون في الملابس والأقمشة والأحذية والعطور والأخشاب والمشروبات الغازية والمشروبات الكحولية ويستوردون المواد الغذائية ويبيعونها بالجملة .
وفي عام 1907 عندما التهم الحريق سوق الظلام في بنغازي أرسل التجار اليهود إلى المنظمة اليهودية الإقليمية في لندن مطالبين بتعويضهم عن خسائرهم وقد تم لهم ذلك.

الطائفة اليهودية في بنغازي.
الطائفة اليهودية في بنغازي.
الصورة: عن محمد العنيزي.

ومن أشهر محلات اليهود في بنغازي :
ــ محل أقمشة ( ريناتو تشوبا ) بشارع عمر المختار
ــ محل حياكة ( جناح ) بشارع عمر المختار
ــ محل أقمشة ( ماير عبطة ) بشارع عمر المختار
ــ محل أقمشة ( خان بدوسة ) بسوق الظلام
ــ محل أقمشة ( خان بدوسة ) بشارع الإستقلال
ــ محل عطور ( الغزيل ) أكبر محل للعطور بشاع عمر المختار
ومن أشهر محلات بيع الخمور :
ــ محل ( برامينو) لبيع المشروبات الكحولية بشارع قزير .. وكان يبيع النبيذ و ( البوخة) المحلية وهي نوعان ( بوخة نملية ــ بوخة عادية ) .
ــ حانة ( راشيل خلفون ) بسوق الخضارة .. وحانة ( فضلون ) بشارع ايطاليا
وكان اليهود أصحاب محلات بيع الخمور يجلبون النبيذ من معاصر الجبل الأخضر ..
ولأن اليهود أصحاب رؤوس أموال فقد امتلكوا خلال العهد الإيطالي أسهما في الشركات الإيطالية .
كما استطاعوا الحصول على حق احتكار ريش النعام وكانوا يصدرونه إلى ايطاليا وفرنسا بثلاثة اضعاف ثمنه ويوردون خيوط الحرير الصيني عن طريق مرسيليا .
وفي الفترة مابين 1922 ــ 1928 أسس اليهودي (هارون خلفون ) أول شركة ملاحة في بنغازي بعدد باخرتين صغيرتين حيث ساهمت هذه الشركة في نقل الأغنام إلى الإسكندرية ونقل البضائع من ميناء بنغازي إلى الموانيء الليبية .

الحياة الإجتماعية:

اندمجت العائلات اليهودية في المجتمع البنغازي وتعايشت مع العائلات العربية ولم يحدث أي اعتداءات بين الطرفين وكان اليهود يمارسون حياتهم اليومية من تجارة ومعاملات بيع وشراء وأداء لطقوس العبادة ولم تحدث وشائج مصاهرة بين الطرفين إلا في حالات ليست بالكثيرة بزواج بعض المسلمين من يهوديات أشهرن إسلامهن..
وفي الشريعة اليهودية إجازة التعامل بالربا مع الأجنبي غير اليهودي ولذلك كانوا يستفيدون من القروض التي يمنحونها للآخرين مقابل نسبة من الأرباح فوق مبلغ القرض.
واليهود يعملون طوال أيام الأسبوع إلى غروب يوم الجمعة حيث تبدأ عطلتهم وتستمر حتى غروب شمس يوم السبت فيتوقفون عن العمل والتجارة والبيع والشراء ولا يمسون النقود ولا يركبون الدواب ولا يوقدون النار في بيوتهم وإذا احتاجوا لها فإنهم يستعينون بغير اليهودي ليوقدها لهم .
وكانوا يدفنون موتاهم بمقبرة خاصة بهم تقع في منطقة ( الزريريعية ) وتعرف باسم ( جبانة اليهود ) وموقعها حاليا الحديقة المقابلة لمعهد محمد الدرة للحاسوب .
كان من أشهر الشخصيات اليهودية في بنغازي رئيس الطائفة اليهودية ( إليا فرحون ) و كان عضوا ممثلا عن الطائفة اليهودية في مجلس نواب برقة الذي تشكل عام 1920 وكذلك اليهودي ( يوسف جويلي ) رئيس الطائفة اليهودية و ( خان بدوسة ) وهو من التجار الأغنياء في مدينة بنغازي والحاخام (خاموس فلاح ) الذي كان من أكبر الحاخامات سنا ويقيم في شارع المهدوي ..و(ريناتو تشوبا ) التاجر المعروف الذي كان عضوا بالمجلس البلدي عام 1943 وعضوا في جمعية عمر المختار عند تأسيسها في نفس العام .
وعلى الرغم من التعايش السلمي في المجتمع البنغازي لليهود مع باقي السكان إلا أن الوقائع التاريخية لم تسجل أن يهوديا ليبيا دافع عن المدينة التي ولد وتربى فيها اثناء الغزو الإيطالي عام 1911 بل على العكس من ذلك فقد هادن اليهود ايطاليا واستفادوا من الحكومة الإيطالية في الحصول على الإمتيازات وممارسة التجارة والكسب المادي ..كما أنهم كانوا على اتصال دائم بالمنظمات الصهيونية العالمية التي كانت تروج لفكرة أرض الميعاد.

الأكل:

اشتهر اليهود بأكل الأسماك و ( الحرايمي ) و ( الفاصوليا بالكرشة ) و ( الفاصوليا بالكوارع ) و ( الطبيخة أو الصلصة ) والحلوى وشرب النبيذ ( العراقي ) وقد أخذ السكان العرب عن اليهود هذه الأكلات وظلت حتى وقتنا الحالي .. كما يأكل اليهود لحم العجل ولحم الضأن ويحرمون أكل لحم الإبل ويستعملون الفلفل والتوابل في طعامهم.

الطائفة اليهودية في بنغازي.
الطائفة اليهودية في بنغازي.
الصورة: عن محمد العنيزي.

دور العبادة اليهودية:

1 . محكمة الأحبار ( المحكمة الحاخامية ) :
تم تشييدها عام 1911من قبل أصحاب رؤوس الأموال وتقع خلف ميدان البلدية وكان يتولى أمر هذه المحكمة أحد الحاخامات وهي تدير شؤون اليهود الإجتماعية .
2 . مدرسة تلمود توراة :
وكان مقرها في المعبد اليهودي الذي شيده راحمين فرجون عام 1850بشارع المهدوي .. وهي مدرسة دينية لتعليم اليهود أمور دينهم حيث يدرسون فيها التوراة والتعاليم الدينية وهي تابعة لمجلس الطائفة اليهودية في بنغازي ويشرف عليها أحد أعضاء المجلس .
وكانت تقام فيها الإحتفالات الدينية وتردد الأناشيد .. وفي إحدى هذه الإحتفالات عام 1944 علق اليهود صور هرتزل وبن جوريون وموشي شاريت ومثلوا مسرحية تناولت سيرة النبي يوسف بن يعقوب في جراج بشارع غريبيل علقوا أمامه العلم الإسرائيلي .
3 . الكنيسة اليهودية :
وكانت تقع في شارع سيدي سعيد المتفرع من شارع عصمان وفيها يؤدي اليهود صلاتهم .
مدرسة الملكة مرغريتا :
في عام 1936 شيدت السلطات الإيطالية مدرسة خاصة بابناء الطائفة اليهودية تقع على شاطيء البحر بجانب مبنى السجن مقابل مقبرة خريبيش وأطلق عليها اسم ( مدرسة الملكة مرغريتا ايلينا الإبتدائية ) زوجة ملك ايطاليا فيكتوريو عمانويل الثالث وهي يهودية الأصل من الجبل الأسود .. وظل مبنى المدرسة قائما حتى عهد المملكة الليبية حيث تحول لمقر لكلية الحقوق ثم أزيل حوالي عام 70 / 1971 وذلك بعد الإنقلاب العسكري في سبتمبر 1969.

مطربون شعبيون يهود:

اشتهر في بنغازي العديد من المطربين الشعبيين اليهود الذين كانوا يحيون حفلات الأفراح والختان .
ومن أشهرهم المطرب ( بن نحاس ) الذي اشتهر في الأفراح في سنوات التسعينيات من القرن التاسع عشر ومن أغانيه :
(ماللي فوق الوادي جانا .. كيف نديروا يا مطرانا) ..
( بنت ادقول قزاز يهودي .. رقت عودي .. خلتني نندب شلودي )
ومن المطربين اليهود الذين كانوا يحيون الحفلات في بعض مقاهي المدينة وخاصة في ليالي شهر رمضان المطرب (هارون خيري ) والمطرب ( سحنتي ) وكانا يغنيان بصحبة ضابط ايقاع وعازف مزمار ويصدحان حتى وقت السحور .. كذلك اشتهر من بين المطربين الشعبيين اليهود المطرب ( زقنيني ) ..
تأثر المطربون الشعبيون اليهود بالمطرب اليهودي التونسي شيخ العفريت الذي كان يغني من التراث التونسي ورددوا أغانيه ومن أشهرها :
ياصاحبي ما يغروك وضحكاتهم مايدوموا
والحوت في البحر عوام وهم بلا بحر يعوموا
واشتهرت في مدينة بنغازي المطربات الشعبيات اليهوديات (بطة) و(سالمة) و(تركية) لكن أكثرهن شهرة كانت الفنانة الشعبية (بطة) وهي مكفوفة وقبل أن تؤدي نوبتها الغنائية تشترط على أهل الفرح أن يحضروا لها زجاجة (بوخة) ويجهزوا صحن عشاء لزوجها .
ومن أشهر أغاني (بطة) :
ناخذ عالمدني ونتوب .. الغية بعد عزيز ذنوب
أما المطربة (سالمة) فكانت تحيي الأفراح وتحضر في المآتم تعدد مآثر الميت بمرثيات حزينة فتلهب مشاعر النسوة في المأتم ويزداد صراخهن وعويلهن ويرددن معها وهن يمسكن بالعصي وينقرن فوق طاولة أو صندوق من الخشب وكانت النسوة اليهوديات يرددن في المآتم أيضا أغاني الرثاء الحزينة مثل النسوة المسلمات .
اليهود عام 1967 :
ألقت نكسة الحرب عام 1967 بظلالها على الشعوب العربية والإسلامية التي تضامنت مع قضية الشعب العربي الفلسطيني بعد هزيمة الجيش العربي واحتلال اسرائيل لأجزاء أخرى من الوطن العربي .. وخرج الليبيون في مدينتي طرابلس وبنغازي غاضبين وأحرقوا متاجر اليهود .. ورحل معظم أفراد الطائفة اليهودية من بنغازي وطرابلس إلى ايطاليا وفلسطين وظل منهم عدد محدود جدا في مدينة بنغازي ليرحلوا بعد عام 1969 ..

_____________________________________________________________

المصادر:
ــ الجالية اليهودية في اقليم برقة تحت الإستعمار الإيطالي 1911 ــ 1942 .. تأليف سليمان خطاب سويكر .
ــ عرض للوقائع التاريخية البرقاوية ( التاريخ الكرونولوجي ) لبرقة .. تأليف الأب فرانسيسكو روفيري .. ترجمة وتقديم د . ابراهيم المهدوي .
ــ بنغازي في العقد الثاني من القرن العشرين .. تأليف الديريكو تيجاني .. ترجمة رؤوف بن عامر .
ــ مقابلات شخصية مع بعض السكان المحليين من ابناء المدينة المعاصرين لليهود .

مقالات ذات علاقة

من “الكواكبي” عبدالرحمن… إلى “شلقم” عبدالرحمن

المشرف العام

أول أديب روسي يزور ليبيا عام 1884

المشرف العام

إلى أسرة موقع بلد الطيوب

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق