من أعمال التشكيلية خلود الزوي
قصة

الخرساء

من أعمال التشكيلية خلود الزوي
من أعمال التشكيلية خلود الزوي


… أصيل صيفي خانق.. مُشبَعٌ برائحة أعشابٍ محترقة.
انتهين لتوِّهن من المخْض.. وبدأن في ارتشاف اللبن الطريّ.
الخرساء التي كانت طيلة الوقت ترقب عملية المخْض باهتمام.. أخذت تنظر إلى الشَّكْوة المسنَدة إلى الجدار.. وفي عينيها نظرة توسُّل.
ـــ اجبري بخاطرها.. خلِّيها تمخض.
قالت أُمها:
ـــ الدنيا مبنيّة على جبر الخواطر.
أفرغت اللبن في السطل.. سكبت قدحاً كبيراً من الماء في الشكوة.. نفختْها.. أحكمت رباطها.. رفعتْها فوق ركبتَي الخرساء.. الجالسة على البرميل المعدني وعيناها تطفحان بالعرفان.


تتمايل مع الشكوة.. ترتكز على مشطَي قدميها بالتناوب.. تهتز.. تُغمض عينيها مُنتشية.. وهي تسمع صوت اندلاق السائل.. غامت معالم الأشياء من حولها.. غدت مُجرَّد أشباح.. ثُمَّ تلاشت تحت غُلالة ضبابية شفَّافة.


أنزلت القِربة.. طرحتْها أرضاً.. طبطبت عليها برفق.. أخذت تضغط على أسفلها لتدفع الزبدة إلى الفم.. ولكن.. لايزال اللبن بلون الماء!


ملأت الشَّكْوة بأنفاسها من جديد.. نفخت فيها من روحها.. وشرعت في المخْض.. واصلت التمايل مع القِربة.. الاهتزاز.. الانتشاء.. الإنصات إلى نشيد السائل الصاعد الهابط.. المتوافق مع ضربات القلب.. تنحني.. تُقرِّب أُذنها بين الحين والحين.. تُصيخ.. لعلها تسمع صوتاً آخر.. مُختلفاً.. مُدمدماً.. مَكتوماً.
… لم تنتبه إلى أنَّ القمر قد نَهض من خلف الغابة.

(1999)

مقالات ذات علاقة

 ليلها ليلين

محمد دربي

أحلى المفاتيح

الصديق بودوارة

فرج

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق