قصة

الحـفــل

سيدي.. لا اعرف من أين ابدأ؟ ولكن الخطأ خطأي، فما كان يجدر بي اصطحاب ولدي الشرير معي، ولكن كان هدفي أن يدخل ولدي السرور على ابنتكم الكريمة، وأن يشاركها فرحتها ببلوغها عامها السابع، كنت اعتقد أن الأطفال يتحلون بالبراءة والطيبة ولكن ولدي اثبت أن رؤيتي كانت خاطئة ولم يدر بخلدي – على الإطلاق – أن ولدي سوف يعكر صفو احتفال ابنتكم على هذا النحو. بالفعل لم يكن ولدي مهذبا ولا في مستوى سلوك ابنتكم الراقي، تصور أن هذا الفار – كما تلقبه أمه – قال لي بعد أن أشبعته ضربا أن ابنتكم الكريمة تعمدت أهانته وتحقيره أمام أصحابها، أليس هذا مضحكا وتفكيرا ساذجا ؟ من أين له ابن إل… أن يعرف معنى الإهانة والكرامة وفي مثل هذا العمر ؟ شرحت له إن ابنتكم الكريمة تمزح معه، وأنها طفلة مهذبة – صانها الله ورعاها – ولكنه كتم عبراته ولاذ بالصمت موجها لي نظرة حادة ومتحدية عبر دمعتين متحجرتين في عينيه الخبيثتين.

لقد اجتهدت أن اعلم ولدي الطاعة والقناعة، وغنيت على رأسه مرارا أن القناعة – كما لا يخفى عليكم – كنز لا يفنى، وألا ينظر لمن هم في الأعلى بل يتمعن في من هم تحت، عندها سيكون راضيا بما قسمه الله لنا، وسيعيش سعيدا طوال حياته في الدنيا والآخرة، علمته – سيدي – أن يطيع الآخرين وان يقول الحق ولو كان على نفسه، وولدي – والحق يقال – صبور ومجتهد في دراسته ويعمل كالبغل،وفوق ذلك هو قنوع، فقد يمضي العام بحذاء واحد،ويرتدي كنزه صوفية الشتاء بطوله، ينهي فروضه المدرسية ويخرج للعب مع أقرانه في الشارع، ويبدو أن سبب مصائبي في هذا الولد من تأثير الشارع واحتكاكه بباقي الأولاد غير المهذبين الحاقدين الحاسدين لكل ما هو طيب ونبيل، لذلك قررت منذ اليوم أن امنعه من الاختلاط بهم وإلا – بالله عليك – كيف أفسر كلامه حين قال لي أن ابنتكم الكريمة رمت بهديته في كيس القمامة أمام جميع أصحابها، وانه شعر بالغضب من تصرفها غير اللائق – لا سمح الله – وتصور معي خيال الأطفال حين يجنح نحو البعيد، حين قال إنها تعمدت أهانته واتخاذه وسيلة للتسلية أمام أصحابها، أفهمته بعد أن قرصت إذنه إنها لا تهينه ولكنها طفلة بريئة وقلبها أصفى من بياض الثلج وفي رقة الفراشات، وذات أخلاق رفيعة وتربية راقية، وأنها قصدت أن تدخل البهجة على أصحابها وصويحباتها، وهذه هي الحقيقة فقد اخبرني إن أصحابها انفجروا بالضحك من تصرفها إزاء هديته، قلت له : إنها لا تهدف – إطلاقا – للسخرية منك أيها المغفل ولقد صدقت أمك حين تصفك بالفار، وسبب هذا اللقب – سيدي الكريم – أن ولدي يحب كل أنواع الجبن، ونتيجة لارتفاع أسعارها فقد كنت اجلب نوعا واحدا فقط هو (البقرة الضاحكة) على أمل أن يتعلم الحكمة من وراء سعادة هذه البقرة التي تدر الحليب ويستمتع بجبنها ملايين الأطفال في العالم، ولكن ولدي كره هذا النوع من الجبن، ويطلب مني ذلك النوع المليء بالفراغات، الذي يظهر في مسلسل الرسوم الهزلية (توم أند جيري)، قصدت من هذه الحكاية أن اريك كيف يفكر ويتصرف أبناء هذا الجيل، فهو يريد كل ما يراه، ولا يقنع بما قسمه الله، وكم أفهمته أن يرضى بحاله وان يسير بجانب الحائط وان يغلق عينيه وإذنيه وفمه، ولكن بعد تصرفه غير اللائق مع ابنتكم الكريمة سوف أغير أسلوب التربية معه.

سيدي.. اعرف أنكم تتحلون بقلب نبيل، وتعرفون أنني أخدمكم منذ عشرين عاما، لذلك آمل ألا تتأثر علاقتنا بتصرف سخيف من ولدي، هم أطفال وسينسون سؤ الفهم البسيط هذا، المهم عندي أن أظل أخدمكم بإخلاص واعدك أن اربي هذا الصبي ليصبح مهذبا، وألا يبالغ في تفسير التصرفات وخاصة من الأسر الكريمة مثل أسرتكم.

تقبلوا تحياتي

مقالات ذات علاقة

سيـرة الجـد الهـارب

إبراهيم بيوض

في غـرفة التحقـيق

رمضان أبوخيط

الغراب الأبيض

حسين نصيب المالكي

اترك تعليق