متابعات

الإحتفاء بالإبداع إبداع / مرضيه النعاس أول روائية ليبية

الروائية مرضية النعاس
الروائية مرضية النعاس

ليس الحب والخير والسلام والأمان والأمل والخصب والنماء والفرح مجرد معان زائدة ولا مفردات ابتدعها الأدباء والفلاسفة ليصفوا بها ما يجول في صدورهم وأذهانهم، ويلقونها بعد ذلك لتغدو مشاعا فيتلقفها الانتهازيون وصائدوا الفرص وتجار الشعارات من سياسيين ومروجي أيديلوجيات، يفرغونها مما تنطوي عليه من ثراء  بالمعاني والقيم ويحولونها إلى  شعارات براقة يغوون بها بسطاء الناس وحسيري النظر والقاصرين من أجل السطرة عليهم والتحكم بهم واتخاذهم مطايا يصلون على ظهورها إلى أغراضهم التي لا تجاوز أفق  انتهازيتهم ولا تجاوز دناءة نزوعاتهم الإستحواذية والتسلطية، ليس الأمر كذلك بالمطلق، بل الحب والخير والسلام والأمان والأمل والخصب والنماء والفرح بعض من أسماء الحياة والوجود الحسنى ومن تجلياتهما التي تعلن ثراءهما وتؤكد عمقهما ورحابتهما وشمولهما، وما انشغال المبدعين من فلاسفة وادباء وفنانين بهذه الأسماء المباركة إلا انشغال  بالوجود والحياة لا هدف له غير تنقيتهما مما يرين عليهما من غبار الإعتياد على السائد مهما يكن من بشاعته وشروره، ومن ملوثات الإبتذال والتبلد، وتجليتهما بنور الفكر والوجدان والحس الإنساني، من أجل أن يتيحوا لأخيهم الإنسان سبلا للتحرر من تجسدات الفناء والعدم التي تحاصره من كل الجهات وتقبض بمخالبها على حنجرته.

وبهذا المعنى ليس الإبداع هو الآخر مجرد يمكن المرور بها دون اكتراث ولا تجاوزها ببساطة، بل هو تجل آخر من تجليات الحياة والوجود، وإسم إضافي من أسماءهما الحسنى،  والى ذلك فالإبداع  جهاد حقيقي، بل هو الجهاد الحق  الذي يوافق أسمى معاني الإنسانية، وأوامر الخالق تعالى ونواهيه، الإبداع جهاد يزري بالعداوات الصبيانية والتقاتل العبثي لوجه الفناء والعدم، ويخزي كل الممارسات الصفيقة والمجانية التي لا يخفي حقيقتها ولا ينفي تهافتها أن تنتحل لها تسمية الجهاد زورا، إذ لا معنى للجهاد بمعزل عن الإبداع، والحرص على تأكيد معاني وقيم الوجود،  ولاقيمة له إلا من حيث هو تأكيد لهذا المعنى.

هذا لتقديم المقتضب محاولة لقراءة السنة الحميدة التي استنها.. أصدقاء دار الفقيه حسن.. ويصرون على الوفاء بها في لقاء شهري عند الثلاثاء الأول من كل شهر، والتي جاء في إطارها الإحتفاء بالكاتبة والروائية السيدة مرضيه النعاس وبابداعها يوم 6 أكتوبر حيث استقبل أصدقاء دار الفقيه حسن ضيوفهم من مثقفين ومبدعين نقادا وأدباء وفنانين، ومن مهتمين بالشأن الثقافي الذي لا ينفصل بحال عن الهم الإنساني العام ليحتفوا بإبداع صاحبة أول رواية ليبية تكتب بقلم نسائي.

وقد استهل الناقد والكاتب الروائي والمسرحي منصور ابوشناف الذي ادار اللقاء، بكلمة تقديمية تحدث فيها عن بدايات السيدة مرضية النعاس التي ولدت في مدينة درنه وهي واحدة من مراكز التنوير والنهضة التي طمحت اليها نفوس الطلائع الليبية المثقفة والمستنيرة، وقد حملت مرضيه النعاس تلك الطموحات شأن ابنا جيلها جيل خمسينيات القرن العشرين الذي عايش أحداثا مهمة، ومثل أبناء وبنات جيلها نادت بضرورة نشر المعرفة وتيسير سبلها، ولم يفت الأستاذ أبو شناف التأكيد على أن مرضيه النعاس هي صاحبة أول رواية نسائية ليبية، وذلك بروايتها.. شئ من الدفء.. ليقدم بعد ذلك الكاتبتين أسماء الأسطى وحواء القمودي، اللتين أعدت كل منهما ورقة حول ابداع مرضيه النعاس.

وقد أكدت الكاتبة والباحثة أسماء الأسطى في مستهل ورقتها على أهمية وضرورة القراءة التاريخية والتمعن في السيرة الإبداعية لكاتبة تتميز بالريادة في مجال الكتابة الأدبية النسائية، لتقدم بعد هذا الإستهلال سردا تاريخيا ضافيا لتاريخ الثقافة الحديثة في ليبيا وذلك منذ افتتاح المدرسة الرشيدية للبنات في عام  1892 وافتتاح مكتب الفنون والصنائع الاسلامية والذي الحق به قسم خاص بالبنات، كما تحدثت عن أثر الهجرة التي أضطرت إليها بعض الأسر الليبية في ظل الاحتلال الإيطالي وما اسهمت به بنات تلك الأسر التي عادت بعد الإستقلال في الرفع من مستوى التعليم الذي كانت تتلقاه الليبيات، وفي الارتقاء بالمستوى الثقافي العام للمجتمع كله، وفي سياق سردها التاريخي \كرت الباحثة أسماء الأسطى  أسماء بعض رائدات النهوض الثقافي والإجتماعي في ليبيا الحديثة حيث ذكرت اسماء السيدات جميله ونديمه الازمرلي، فاطمه وصالحه ظافر، رباب أدهم، خدوجه الشلي، حميده العنيزي، زعيمه الباروني، حميده أبوبكر الكيلاني، وخديجه الجهمي، كما تطرقت بعلاقة االسيدة مرضيه النعاس بمن عرفت منهن و لتقدم من بعد سردا دقيقا للسيرة العملية والإبداعية للمحتفى بها حيث تحدثت عن كتاباتها الصحفية والأدبية وعن المنابر الإعلامية التي عملت فيها ونشر كتاباتها عبرها، لتخلص في نهاية ورقتها إلى أن الهدف من قراءتها التاريخية لإبداع السيدة مرضيه النعاس، هو إبراز ما تعيشه المرأة وتعانيه ويعكسه عملها الإبداعي.

وقد جعلت الشاعرة والكاتبة الصحفية حواء القمودي لورقتها عنوان.. فتاة غير عادية، على لوحة الشرف.. وأختارت لها أن تكون قراءة لرواية.. المظروف الأزرق، التي رأت أن كاتبتها أرادت للزمن فيها أن يكون زمن اجتماعيا، فلم تلجأ إلى زمن تاريخي أو أسطوري أو حتى واقعي ، بل أن الرواية جاءت لرصد زمن اجتماعي  جديد يتكون في الأفق ودون غفلة منها عن عن زمن اجتماعي قائم تعريه وتكشفه، ومن خلال السنة شخوص الرواية تسلقه بشدة، وحتى الأمكنة.. كما رأت الشاعرة حواء القمودي..  التي جعلتها الكاتبة مسرحا لأحداث روايتها كانت أمكنة مجتمع جديد يتكون، ومدينة تنهض على أكتاف جيل مغاير جيل يحلم، يحب، يكتب، لتخلص من من بعد إلى تحليل نقدي لشخصيات الرواية وأحداثها، ولتقول في نهاية ورقتها.. رأينا كيف أن الكاتبة لم تتقوقع داخل حدود المشكلات الخاصة بالمرأة، ولم تجعل من تلك الصحفية الصغيرة المختبئة وراء إسم مستعار كيانا مريضا في مجتمع منغلق ومتخلف، بل جعلت منها أداة من أدوات النهضة وعينا ترى، عين تتجاوز حدود آنيتها وذاتها المقموعة لترى اتساع رقعة القمع، والتفاف أنشوطة الظلم على قطاعات كثيرة في مجتمع يتململ ويعلن عن بداية جديدة…

وقد أثريت الأمسية إضافة إلى ماتضمنته الورقتان المقدمتتان فيها بتعليقات الكاتنب والناقد الأستاذ أمين مازن، والمخرج السينمائي الدكتور محمد المسماري، والناقد الفني الأستاذ رمضان سليم، والأعلامي المعروف الأستاذ علي شعيب، والشاعر جميل حماده.

مقالات ذات علاقة

إبراهيم الكونى من «ملتقى تونس للرواية»: «البيست سيلر» مجرد شهادة زور

المشرف العام

«العبارة» يسرد تاريخ عرائس الظل

عبدالسلام الفقهي

«أبدية» سالم بحرون في أزقة المدينة القديمة طرابلس

المشرف العام

اترك تعليق