من أعمال التشكيلي مصباح الكبير
قصة

الأثرياء يتسولون أيضًا

Mosbah_Alkbier_01

ظل صامتًا حينما دفع به ابنه الكرسي المتحرك بعد صلاة العصر، ليضعه عند مدخل الفيلا المهيبة التي كانت لا تخلو لحظة من الزوّار، الأصدقاء، والولائم، ها هو الآن كل يوم يتكوم وحيدًا في المكان نفسه بعد انصراف ابنه، ليختلس من الشمس لذعة دفء تفتقد إليها أطرافه نصف المشلولة، يتنفس هواء الشارع، يملأ عينيه بوجوه بشر كاد ينسى ملامحهم.

سبحان الله، لا يصدق نفسه، كل هذه الأموال، العقارات، الأولاد، البنات، والأحفاد، ليس له سوى هذا الكرسي المتحرك، أدرك أن كل ما يملكه مجرد ورق، مستندات، دفتر شيكات ليس أكثر، قال لنفسه، مهما امتلكت من ملايين فلا تحمل إلا ما تتسع له جيوبك، ابتسم بشفتيه الكسولتين، ثم أضاف، ولن تتسع لك كل المساحات إلا بحجم جسمك، حيزك مجرد فراش، أو كرسي متحرك، هذه الفيلا ليس لك منها الآن إلا بقعة هذا الكرسي.

سرح نحو الماضي، أيام العنفوان، والسلطان، والقوة، كيف كان يشرف على البناء وكلما اقترح عليه المهندس تصميمًا، طلب منه أن يزيد مساحات الحجرات، تتسع الرغبات، تتقلص الأمكنة، تتسع الأمكنة، تتقلص الرغبات.

تأمل يده الممددة الملتصقة بذراع الكرسي، وكفه المنفرجة، شدّ انتباهه ضجيج أطفال، بعضهم من أحفاده الذين لا يحفظ أسماءهم.. البعض الآخر من أطفال الشارع، تحسر على طفولته، وشبابه، وكهولته، ها هو العمر مرق في لمحة بصر، فجأة اقترب منه طفل، ألقى في راحة يده المشلولة نصف دينار معدني، وركض بسرعة مواصلًا لعبه مع سرب الأطفال، دمعت عيناه وهو يرمق العملة المعدنية عاجزًا عن القبض عليها، أو إزاحتها بعيدًا عن يده.

مقالات ذات علاقة

مكابدات يومية

الجيلاني طريبشان

نص الاسطورة

إبراهيم الككلي

عزورة القايلة وسلاّل القلوب والعصفورة

عزة المقهور

اترك تعليق