الشاعر السنوسي حبيب
قراءات

اسم لا يغيب

الشاعر الراحل .. السنوسي حبيب
الشاعر الراحل .. السنوسي حبيب
تصوير: طارق الهوني

سيأتي زمن يكون لتاريخ الشعر الليبي سؤاله،سيتوقف كثيرا عند الشاعر “سنوسي حبيب” وعند آخر ما صدر له من كتب (أتذكر) يقول أنها ليست سيرة لكنها سيرة،فيها من الصدق حد الطفولة وفيها من البوح حد الأمومة وفيها من الحزن حد الوداع الأخير،كأنك حميمه الوحيد وكأنه حميمك الوحيد والتقيتما بعد سنين من البعاد،كانه ينتظر اللحظة التي يفصح فيها الطفل البديع عن حكاية حياته وما جرى فيها،” أتذكر ” كتبها وهو على حرف الرحيل،وهو يحكي بكل ما في جداول الربيع من انسياب،في كل كتاب حكايته لا تقرأ لرجل يبكي،بل إنك لا تحس برائحة الموت،يحكي عن خفايا خصوصياته دون شك في الذي بينك وبينه من حب شفيف يتألق،حكى عن تالا واسمها الأمازيغي وعن شقيقه الأصغر والوثيقة الممزقة،عن الدكان والمقهى والعمال،حكى عن هون ومدينتها القديمة بإسهاب وأكثر مما حكى عن سجنه،حكي دون مرارة ودون تحسر على زمن مضى أو على زمن لن يكون له معه موعدا،كتبها بنفس هادئة وقلب مطمئن رغم يقينه أن رحيله على بعد الوريد منه،حكى فيها عن أصدقاء السجن الطويل كأنما يحكي عن مغامرة مثيرة ليست حقيقية،لكنها في الواقع حقيقية،ونحن نعلم أنها حقيقية وبكل تفاصيلها حقيقية لكنه رواها حكاية عبرت ذات زمن لا يعلمه،بهدوء كتبها وبهدوء استرجع رحلة الحرف ورحلة الألم،وكان قويا وكانت لغته كأنها لغة رجل آخر لا يعرفه،كتبها وهو يتنقل بين هون طرابلس وتونس وباريس مثل فارس شجاع يطارد معركته الحاسمة،كنا نلتقي وكان يبتسم عندما نلتقي ” عمي يوسف ” كانت تلك هي التميمة التي يناديني بها وكنت أحبها منه،والآن وهو هناك وأنا هنا أراه يزداد قربا كلما ازداد بعد الزمان بيننا،وتبقى كلمة وهي أن سنوسي حبيب دون غيره استطاع بمجهوده الشخصي وعبر سنين أن يحافظ على المدينة القديمة في هون لأنه كان يؤمن أن التاريخ وطن مثلما الحاضر وطن.

هنا قصيدة من روائعه الأخيرة.

رومنتيكيات سنوسي حبيب..يناير 2011

الرمل مبتهج بك

يتأوه موجه تحت قارب جسدك

المبتهج بحمولته

يناغم عنب الشفتين

تفاح الصدر

ويشاكس فلّ الجيد

ياسمين الشفتين

إذ تنزلقين على صفحة الكثيب

مجذّفة بقدميك الصغيرتين

تاركة لشعرك العنان أن يمسّد على كتفيك

منسابا حتى أعلى الكثيب

ولعيني ان تستمتعا

بحمرة شفق الغروب

إذ تتلألأ على وجنتيك

ولأيدي الصديقات

أن تضج بالتصفيق

حين تصلين قبلي

إلى وهدة الكثيب

تاركة لي

متعة أن اتبع أثرك على الرمل

مبتهجا بما يتيحه

الغروب من نعومة

وما يثيره حضورك من نشوى

يتضوّع المساء بفوحك

ينشر طراوته المبتردة

يسلس الرمل بنعومته الدافئة

يهديك القمر ذوب بياضه

تقتسمان بهاء التألق

تزهو بك رمال زلة

فتفرش فروها بساطا لقدميك

تندسّ حبيباتها بين الأصابع

دافعة دفئها في تنميل خدر

حيث يهدر الشعراء المجعجعون

كلماتهم عبثا

في وصف ما لا يوصف

وتكونين الأجدر بكل الكلام الجميل

تزهر على طرف اللسان المغازلة

أيتها البضة كسمكة بلطي

والرشيقة كغزالة صحراوية

كيف التقى البحر والرمل في فيروز عينيك

كيف اجتمعت النخلة والزيتونة

في قوامك البض الرشيق

رشيقة وممتلئة

ضاحكة وصارمة

قريبة ونائية

صامتة وجميلة الثرثرة

مقالات ذات علاقة

(خرّيجات قاريونس)… روايتان في رواية

يونس شعبان الفنادي

قراءة في «التجريف الثقافي» لعمر أبوالقاسم الككلي

إبراهيم حميدان

شاعرة الحلم والحب والوطن بين فصيح اللغة وصريح اللهجة

نيفين الهوني

اترك تعليق