المقالة

استمر صنماً

أحدهم قال بأن ليبيا بلاداً يحكمها السلوك الميليشاوي والداعشي منذ زمن بعيد، لن تكتفي برفض كلامه فقط وسرد المناقض له، بل ستحمل قنبلة وتفجر رأسه اللعينة التي تطاولت على الثوار، الذين نالوا قداستهم من معارضتهم للقذافي، وكانوا قبل ذلك، مجرد مخلوقات أقل من ليبية، بالكاد تجرؤ على طلب تحسين ظروف تقديم المكرونة لها في السجن.

أنت لست المقصود  هنا، بل الرجل الذي مر للتو بجوار النافذة وله رأس.

لا تقلق، أنت أكبر من أن يجرؤ أحد على  الكلام عن طينك الفاخر، المرصع بالألماس منذ بدء الخليقة، فما بالك أن يجمعك في حديث مع مكرونة الحبس الرديئة القبيحة!

أحدهم قال رأياً بموضوعية وتجرد، ستخرج أنت مثل ديك الساعة القديمة، تنعق بوجهه، وتنعته بأقذع الصفات، لأنه لا يعجبك أو لا يوافق مصلحتك أو لأن مراحل نموك مرت بلا تربية، هذا الخروج في العالم الإفتراضي، حقيقة يماثله في العالم الواقعي، اخراج بندقية وإطلاق الرصاص غير العشوائي على الخصم.

وهنا أنا لا  أقصدك أنت تحديداً، بل أعني الرجل الذي مر منذ قليل  بجانب النافذة.

ذاك، ديك الساعة القديمة المعطوبة، الذي لا زال يتبع الإسلوب البشري الأول في حل المشاكل، وفقاً لكتالوج الغراب.

أحدهم تكلم بما فكر، وعمل كيف دبر، ولبس كيف أراد، وعاش كما اختار، ولم يكن إنساناً ألياً كما تريده سلالتك الملائكية، ستأته حاملاً العصا وتدق رأسه حتى تنفلق ويخرج منها الدم والأفكار، أما الأفكار فتذهب هباءً، وأما ما يجعل الدم يسيل فسيحتاج إلى فتوى، توغل فيها أنت وعصاك وصبيانك، كلا قد لاأكون أقصد صبيانك أنت، بل صبيان ذاك الرجل الذي مر بجوار النافذة، ملبياً نفير الملائكة الليبية.

أحدهم الذي هو نكره ومبني للمجهول، بيقين، لايقبل الدحض لديك، سيقول بأن المجتمع الليبي مجتمع بشري، يطفو على سطح متعفن من انعدام القيم، وتنقصه التربية قبل البنية التحتية والمستشفيات والخبز والغاز والديمقراطية وحرية التعبير، مجتمع تشيع فيه عادات السرقة والعنف اللفظي والخمول والتعدي على الأعراض، لمستوى الاعتياد، وفي نفس الوقت يطالب بجعل الدين مصدراً وحيداً للتشريع!!

وهو نتيجة  إفلاسه يلجأ لذلك الميكانيزم الدفاعي، الذي يعطه الإحساس بأنه أفضل من على وجه البسيطة، ستعتقد أنت أن النكرة المبني للمجهول الذي قال ذلك، يطعن في تاريخ ليبيا الذي هو تاريخك، ولافرق، وعليه يجب صلبه عارياً  والتمثيل به، حتى تسقط عنه الهوية الليبية العظيمة وتخرج عيونه من أنفه.

وكما سبق القول منذ قرون، أنا لا أقصدك أنت، بل الرجل الذي يمر بجوار النافذة وليس له أصل ولا منبت،  حتى أن زريعة البصل أكثر عراقة منه في ليبيا، فتسلسلها معروف منذ خمسمائة سنة قبل الميلاد، أما هو فلا.

أحدهم سيتكلم في تلفزيون أو جريدة أو جدار مبكى فيسبوكي، سيزعجك أن تمر به صامتاً، ستشجع مارك زوكر بيرج، ليضيف علامة الإصبع الوسطى، لتصبح أنت أكثر من يعطي بها الردود للأخرين، وهنا أنا أيضاً لا أعنيك ولا أعنى جلالة إصبعك الطاهرة، وهل أنت أنت حقاً حتى تشك بأن الكلام موجه إليك، كلا أنت مخلوق لم ينجب مثله في البلاد، النسخة الوحيدة الجميلة الفريدة، الما فوق بشرية.

أحدهم يمشي في الشارع، اخترقت رأسه عبارات الرصاص اللفظي الطائش، فقال لكم (لمو عيالكم يا هوه) ستسب العرب وتنسى الموضوع الأساسي، وهو انهيار القيم، وتجدها فرصة لغزو مسلح على الشعوب والقبائل، وتنتهي الغارة أخر الليل بالسبايا، كلا لن تكون أنت من حرف الكلام عن مواضعه، وصال وجال حتى ارتقى أوباش الخلق على أفاضلهم.

لن تكون أنت، بل الرجل الذي مر تواً بجوار النافذة، عليه لعنة الله، وبركاتك أنت لهذه اللعنة

أحدهم يغني، أحدهم يرسم، أحدهم لا يشاطرك إنعدام الموهبة، أحدهم مختلف عنك قلباً وقالباً، ولا يجمعك به إلا الجنسية الليبية، سامحها الله، سيقتلك غيضاً بموهبته، تلجأ لعصاك مرة عاشرة ولمأربها المتعددة، وتضعها في تروس حلمه أو موهبته من تلقاء نفسك الأمارة بالتقويم، وإن اعترض جسمت له عزو المرجاوي في شخصك وكلامك.

أخ.. ليس منا من بلغ له الفطام صبي، ولم يجهل على العالمين، ليس منا،  ليس منا بل من ذرية ذاك الذي يمر بجوار النافذة منذ عشرات السنين، والذي ليس له شغل إلا إفساد حياتنا الرائعة.

حاول أن تسبه قليلاً لكي تسهم في تغيير فيزياء الكم وتطوير علاج الصرع، وإعادة إعمار ليبيا، حتى لا تقع مثله مرات من أجل أن تنهض مرة.

إياك أن تتغير وتتوقف عن السب، أخي الليبي، اصمد مثل صنم عريق، تزداد قيمته مع عدم تغيره،  صنم يقاوم عوامل التعرية والتغيير، لكنه لا يستطيع أن يمنع فأساً، قد لا تكون بلغت الحول،  من أن تهشمه في لحظات وتحيله ركاما!

إن بلغك صوت التهشيم، لا تكترث، ليس سوى صوت تحطم زجاج النافذة، التي يمر بجوارها ذاك الرجل، الذي لست أنت هو على الإطلاق.

لا تكترث واستمر صنماً!

يليق بك أن تستمر، كما يليق بالأصنام أن تتهشم.

_________________________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

تاريخنا المجهول

تهاني دربي

البديل الوهمي للثقافة

المشرف العام

أين ليبيا التي عرفت؟ (23)

المشرف العام

تعليق واحد

حسين بن قرين درمشاكي 22 أغسطس, 2020 at 18:03

لقد نطقت سيدتي بلسان كل هؤلاء وأولئك الذين أبدا ليسوا من الذين لا يعنيهم تهشم زجاج نفوافذ البيوت حين يطالها بطش من يسوقون لآلة الدمار العابر لنوافذ العقل قبل نوافذ البيوت دون إحساس بمرور الملائكة في ساعات الفجر الذي تأخر ذلك الديك في اعلان بزوغه..تحياتي استاذة..

رد

اترك تعليق