الروائي الليبي إبراهيم الكوني
حوارات

إبراهيم الكوني: الصحراء وطن الرؤى السماوية وإلا لما كانت مبدع الديانات (2 ـــ 4)

بوابة الوسط

يحظى الروائي الليبي ذو الأصول الأمازيغية إبراهيم الكوني بسيرة ومكانة عالمية في عالم الرواية الرحب بعدما أدرك أزمة الهوية مبكراً، واتخذ من الصحراء كَنزا رُوحيا استخرج منه «وصايا الزمان«، و«منازل الحقيقة«، وسجل كلمته عن «عالم ظلّ مهمشاً ومنفياً« عبر عشرات الروايات بـ«استنطاق كائنات هذا الوطن المنسي الذي لم ير العالم فيه سوى خيالات عابرة لأمة ابتليت بالضياع»، ليجسد ملحمة الصحراء الكبرى، ويعيد تصور العالم عن الصحراء التي تعود جذورها إلى فجر التاريخ، ويدخلها حرم الرواية العالمية بترجمة رواياته إلى 40 ثقافةً ولساناً.
مدونة الكوني السردية «بعثت تراث الأمازيغ والصحراء الكبرى من تحت ركام التاريخ«، وتمكن من خلالها أن «يهدم الأسطورة السائدة في القرن العشرين، التي تبنت مقولة «الرواية ابنة المدينة« ليبرهن أنها، أي الرواية، «عمل إنساني قبل أن يكون حكراً على المدينة». في الجزء الثاني من حوار «الوسط» الشامل مع الكوني، يخبرنا عن قضايا الهوية والأقليات وتراجيديا الأمازيغ وهوية الشمال الأفريقي.

الروائي الليبي إبراهيم الكوني
الروائي الليبي إبراهيم الكوني

تراث لأمازيغ بلسان عربي مبين

• تخيرت اللغة العربية دون غيرها لسانا لتأريخ «تراث وهوية الأمازيغ«، فلماذا العربية دون غيرها من اللغات التسع التي تتقنها؟ ولماذا اتخذت من اللغة الكلاسيكية أسلوباً لك، رغم أنه مما يؤسف أنها لم تعد مفهومة لدى كثير من القراء وأحياناً بعض المتخصصين؟ وهل ثمة تعارض بينها وبين مفهوم الهوية لديك؟

هل أنا من اختار استخدام العربية يا تـُرى؟، أم أن الأصح أن نقول إن العربية هي التي اختارتني؟ بلى! العربية هي التي اختارتني، لأنني عندما خرجت من فردوسي المفقود، ونزلت ساحة الدنيا، كانت اللغة المستخدمة في مدارس الواحة، هي تلك اللغة التي خبأها لي هناك ولاة الفتح، هي العربية، وحثوني على استعمالها كبديل للغتي الأصلية، التي قطعوا دابرها حتى من المعاملات اليومية، كما قطعوا دابرها قبلها من الألسن، بوصفها لغة وثنية!
وهو عمل لم أندم عليه؛ لأن اللغات هي الذخيرة التي على فتى سخّر نفسه لرسالة أن يتزوّد منها كل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهو ما كان لي هاجسا في مرحلة مبكرة جداً، ولم أخرج من ليبيا منذ نصف قرن إلا لاصطياد غنيمة لا تقدّر بثمن، كما هو الحال مع اقتناء اللغات، سيما بعد أن أدركتُ في مرحلة تالية، مع بداية العهد الذي أبرمته مع جناب الكتاب، أن اللغة الواحدة، أو حتى اللغتين، هي حُكم مجاني على النفس بالمنفى، لا على مستوى التجربة الدنيوية وحسب، ولكن على مستوى أعظم شأنا؛ وهو التجربة الوجودية. ولولا الهوس الوجداني باللغة لما كشفت لي العربية عن أبعادها الغيبية؛ ربما مكافأةً لي على إخلاصي لها؟، لأن رهاني مع أي لغة ينطلق من تميمة سحرية لا تجارى وهي: الحب!
فليس رهانا يسيراً أن نتقن لغة أجنبية في سنّ الأحد عشر عاماً، سيما إذا كانت لغة ثرية، بقدر ما هي مركبة مثل العربية، لنختط بها متوناً أدبية خلال ثماني سنوات فقط من تعلمها، سيما إذا علمنا أنها لغة مسكونة بلغة أخرى ميتة في الواقع، هي ما تسميه أنت الكلاسيكية، لأن صلة اللغة العربية الكلاسيكية بسليلتها الأحدث عهداً، هي صلة أبعد منالا من صلة اللاتينية مثلا بسليلتها الإيطالية، وعندما نقرأ في المدارس الشعر العربي الكلاسيكي مشفوعاً في الهوامش بتراجم جلّ مفرداته، فهذا يعني في عُرف اللغات أننا نتعامل مع لغتين في الواقع لا لغة واحدة.
ولكن المفاجأة أن العربية لا تحوي ذخيرة لغة أخرى هي سلف للغتها المستخدمة، ولكنها تُخفي لغة أخرى ذات قواسم مشتركة مع لغتى الأم، كما برهنت في موسوعتي السباعية: «بيان في لغة اللاهوت» التي لم تقرأ بكل أسف وهي ما أسميته في ذلك البيان «اللغة البدئية« أو المنسية، التي كانت نواة لكل لغات العالم القديمة، بما في ذلك العربية. ليس هذا وحسب ولكن العربية تتستر على ذخيرة لغة رابعة علّها الأعظم شأنا على الإطلاق وهي ما يمكن أن نسميه «لغة الروح« وذلك لهويتها الاستسرارية التي لن نخطئ فيما إذا سمحنا لأنفسنا أن نصفها بـ«الهوية الميثولوجية».
وهي الهوية الاستثنائية التي تهب اللغة عمقا روحيا جديرا بأن نعتمده دليلا في رحلة بحثنا الأوليسيّ في مجاهل الوجود هو في الأساس رهين لغة. فهذا البعد الرابع في حساب العدد يبدو غائبا مستعيرا خصال الحجر السادس عشر في لعبة البستان الفلسفي الياباني الذي يحوي حجرا مستترا واحدا يتوارى عن الأنظار حيثما ولى المشاهد. ولكن ظهوره رهين غياب، بدليل له آخر في أرض البستان عند استبدال الموقع. فالواجب يقضي أن نستجلي مواهب اللغات إذا شئنا أن تهبنا اللغات نفسها.
وإذا كنت مدينا للعربية التي اختارتني فراهنتُ عليها في رحلتي فإني أستطيع أن أقول بدون فخر إن العربية حديثة لشخصي أيضا بعد أن رفعت رايتها عاليا في المحافل الثقافية الدولية بتجربة استغرقت حتى الآن نصف قرن، وهي شهادة اعترف لي بها العالم في حين حاول السفهاء وحفنة من ضعاف النفوس أن ينالوا منها بوحي من أيديولوجياتهم الزائفة التي أساءت في مجملها للثقافة العربية محاولة بكل ما أوتيت من زور أن تبقيها أسيرة مفاهيم لا يتخيل هؤلاء كم هي عنصرية!

الأقليات وتراجيديا الأمازيغ

• ماذا عن وجه الشبه بين «تراجيديا الأمازيغ«، كأقلية، وما جرت به وقائع الأيام لنظيرتها من شعوب الشتات أو الأقليات حول العالم؟

لا مستقبل لأمازيغ ولا لأقليات في ظل هيمنة وباء الحداثة المسمى: أيديولوجيا: الأيديولوجيا كتنين برؤوس ثلاثة، وربما حتى بأربعة؛ إذا أضفنا الأيديولوجيا الليبرالية أيضا إلى الثالوث القديم: الديني والقومي والأممي، فالكل على خلاف في كل شيء، باستثناء أمر واحد هو: هوية الأقليات، هذه الهويات الشقية التي تُعامل بروح عداء، كثيراً ما تمادى ليتحول منزلة تبيح الإبادة العرقية حرفياً، لا ثقافياً وحسب، وهو ما لا يتم بالطبع بدون حجج لا تلبث أن تستقيم في شرائع. فالنزعة السائدة في الدولة الدينية مثالا تحتكم إلى سدة الدين في اضطهاد الأقلية الثقافية، ولا تستحي أن تبرر سياستها في حق الهويات المغلوبة على أمرها بخطورة المطالبة بأية حقوق، لأن أي مساس بوحدة الأمة هو مساس بدين الأمة. أما العقلية السائدة في الدولة القومية فتجاهر علناً بخطورة المطالبة بحقوق، لأن ذاك رجس من عمل الاستعمار الذي يتآمر دوما على سيادة الدولة القومية.
ولا يختلف الأمر في ظل الدولة الأممية التي تسعى لإقامة النعيم المفقود على الأرض، وتبرر هضم حقوق الأقليات، أو الهويات الثقافية بعدم وجود حاجة لمثل هذه النزاعات، مادامت الغاية هي ذوبان القوميات، وغيرها من الهويات، في الدولة الأممية المنشودة. وقد تغنت الأيديولوجيات الشيوعية بهذه المعزوفة طوال عشرات السنين من حكمها، وفي وقت كانت فيه القومية المهيمنة هي خليفة الله على الأرض، وكل ما سواها في الواقع باطل. وهو ما حدث ويحدث مع شريكتيها الدولة القومية والدينية.

ثالوث الدولة الدينية والأممية والقومية يناصب الأقليات العداء.. ويبيح الإبادة العرقية والثقافية

ففي عام 1967 قامت الدولة الدينية في ليبيا آنذاك بإجلاء الجالية اليهودية المقيمة في ليبيا منذ ما قبل التاريخ، مستجيبة لهوس الغوغاء المصابين بسعار القومية بتأثير من أجهزة مصر الناصرية الإعلامية، كردة فعل لهزيمة عام 67، ليدفع مواطنون ليبيون مقيمون في بلدهم منذ الأزل ثمن فاتورة، لا ذنب لهم فيها على نحو جماعي؛ ليدانوا بدون توجيه تهمة، ودون أن يتمكنوا من الترافع عن أنفسهم في بلية كهذه؛ لأن أي بلية يمكن أن تقارن بطرد مواطنين من وطن أسلافهم لا لشيء إلا لأنهم أقلية، لا حول لهم ولا قوة أمام البلاء، ليؤخذوا بجريرة أغراب في بلد يعتنق الدين الذي تُحذر إحدى وصاياه من الاقتصاص من إنسان بذنب إنسان آخر في الآية العظيمة: «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
هذه الجريمة تكررت مرة أخرى في ظل الدولة القومية الناشئة في ليبيا؛ أي في عام 1970، عندما أصدر مجلس الثورة، الذي تولى الحكم بانقلاب أسقط الحكم الملكي، قرارا بطرد الأقلية الإيطالية بدعوى ارتباط وجودها بوجود الاستعمار الإيطالي، في وقت نعلم فيه جميعا أن أسلاف هذه الجالية كانوا قد استوطنوا ليبيا قبل العهد الاستعماري، وأسلاف أسلافهم كانوا يقيمون في ليبيا منذ العهد الروماني؛ أي آلاف أعوام مضت، فإذا بالأخلاف المساكين يقعون ضحية إجلاء بجرة قلم، لتوجّه الطعنة المميتة لوصية الديانة الثاوية التي تحذر من وجوب عمل كل ما بالوسع للحيلولة دون أن يُهجَّر الناس من أوطانهم لما في ذلك من عواقب وخيمة.
ولم تكتف الدولة القومية بهذا الجور في حق أناس هم مواطنوها، لمجرد أنهم أقلية بلا حول أو قوة، ولكنها خططت لنفي مكون أساسي في أنثروبولوجيا الإنسان الليبي وهم الطوارق، إلى دولة النيجر على نحو جماعي قسري أيضا، ولم تكن لتشفع لهم في هذه المؤامرة هويتهم كمواطنين أصليين، ولا دورهم في حماية ليبيا عبر التاريخ من الغزوات الاستعمارية الكثيرة، وكاد هذا الكيد الطائش أن يوضع موضع التنفيذ، لولا الخوف من ردود فعله الدولية في تلك المرحلة الحرجة من الثمانينيات التي كان فيها النظام يعاني تحديات عالمية ما لبثت أن استقامت تاليا في حرف حصار سياسي واقتصادي، دفع المواطنون الليبيون له ثمناً موجعاً، استغرق سبع سنوات عجاف. أما عن اضطهاد الأمازيغ في هذه المرحلة من الدولة القومية فقد بلغ الذروة، لا على مستوى القمع الثقافي وحسب، ولكن على مستوى تقلد المناصب القيادية أيضا، بل وحتى المناصب الأقل أهمية.

لا مفر لتحقيق السلم بين الأمم إلا باعتناق الحب دينًا

ولكن السؤال الجدير بأن يطرح هو: هل فعلت هاتان الأيديولوجيتان، المعتنقتان من قبل الدولتين الدينية ثم القومية، خيراً بشعبهما بهاتين الحملتين؟ الواقع أنهما أحدثتا بالقوم شر، لأن ما لم يخطر ببال القائمين على أمرهما، أن غياب هاتين الهويتين الثقافيتين من واقع المجتمع الليبي جلب البؤس إلى هذا الواقع، بل سلب الليبيين سعادة لم تكن لتخطر للقوم على بال، لأن التجربة برهنت أن المجتمع المنغلق على نفسه، المعادي لوجود الآخر في رحابه، هو مجتمع مريض، والبؤس الروحي سيكون له قدر، والدليل ما أصاب الليبيين بعد هاتين التجربتين الأليمتين من أعراض نفسية، لم يكن عسيراً أن تُقرأ تاليا في مسلكهم، وفي علاقات بعضهم ببعض. علاقات مذمومة تنم عن توتر، بل وعن عصاب كفيل بأن يسمم حياة الأفراد، لتنتقل العدوى إلى المحيط الاجتماعي الأعم، ليفقد الليبيون سكينة كانت لهم دوما طبيعة ثانية، شهد بها لهم الأغراب طوال تاريخهم الحافل بحضور الآخر في رحابهم، دون أن يدروا أن تشخيص علّتهم الجديدة إنما يكمن في التنكر لهذ الآخر، ونفي حضوره بينهم، لأنه كان بمثابة التميمة السحرية التي كانت البلسم في علاقاتهم فيما بينهم؛ ليدركوا بعد فوات الأوان ما معنى أن يغيب في حضرة الإنسان ذلك الطيف الأبدي الذي استضافت فيه أمم أخرى ملاكا دون أن تعلم، وغيابه ليس مجرد غياب لذخيرة تسكن ما نسميه في أدبياتنا تنوعا، ولكنه تغريب بروح الملاك الذي أقبل على ديارنا يوما حاملا في أعطافه تزكية من رب الملاك، مخبّئا في القلب بشارة للمستضيف، هبة من رب الملاك!

هوية الشمال الأفريقي

• هل ترى التوسع العربي القديم في الشمال الأفريقي غزوا أم فتحا وما أثر هذا في منجزك؟

إذا كان الضمير العربي يشكو بالأمس من غياب الموقف النقدي، فهو اليوم يعاني غياب الحس النقدي. وهو بالطبع ورم لازم، ويلازم الصفوة حتى كاد يغدو في أدبياتها هوّية؛ فالقناعة المسبقة بأن وصية جسيمة مثل «خير أمة أخرجت للناس« امتياز ربوبي يمكن أن يُنال لا بحسن السيرة، ولكنها على سبيل الإرث، بأنه هبة تسكن الجينات، وليس عملا مكتسبا بالعرق والدم عبر مسيرة أجيال، وهو ما لعب دور البطولة في تسميم العقلية العربية وأفقدها الحس النقدي، وحرمها بالتالي من نعمة الفوز بالموقف النقدي من التاريخ؛ لأن لا سبيل للشفاء من الداء بدون الاعتراف بوجود الداء، وقبول الآخر رهين في النهاية بقبولنا المثول في حرم الضمير للاغتسال من خطايانا في حق الآخر، إذا شئنا أن نبني قنطرة لمستقبل يكفل لنا حضوراً في محراب الآخر؛ لأن لا غفران بالمجان. لا غفران بدون تكفير عن آثام. ولا تكفير عن آثام بدون اعتراف بالآثام. ولا اعتراف بدون تنصل من استكبار، وقبول بتسليم هو يقيناً منزلة في السِلم إلى الخلاص. أي أن اليقظة الحقيقية يقظة الضمير هي رهينة شفافية روحية سمحتُ لنفسي بأن أطلق عليها تعبيرا دنيويا لا أعرف عما إذا كان موفّقا حقا، وهو: الحس النقدي.
وهو إذا كان تشخيصا دنيويا بيد أنه لا يُعدم الروح الفلسفية التي عوّلتُ عليها دائما لا في أعمالي النظرية وحدها عبر تجربة نصف قرن، ولكنها كانت في تجربتي هاجسا نطقت به أعمالي السردية دوما. فما أدعو إليه العرب هو التحلي بالشجاعة في الموقف من هوية أهل شمال أفريقيا، لأن نزيف الماضي الفجيع لن يُغتفر بالنوايا الحسنة، المتمثلة في التغني بالهوية الدينية لتبرير غزوات كانت في الواقع حروب إبادة؛ لأن الحروب الصليبية التي نستنكرها في أدبياتنا كانت أيضا حروباً مقدسة، أي دينية، ولكن غسل نزيف الأمس رهين بالاعتراف بالهوية الثقافية للضحية، واللغة لن تكون في هذه الصفقة سوى كلمة السر، لأن أن نبخل على إنسان باستخدام لسانه لا يعني مجرد اضطهاد، ولكنه نفي لهذا الإنسان من خارطة المجتمع، وقطع لدابر هذا الإنسان من بُعد الوجود. فالعراك في شأن اللغة لم يعد اليوم مجرد حق مفروض بحرف حقوق الإنسان، ولكنه غدا واجبا مفروضا بحرف ما هو أعظم شأنا من حقوق الإنسان، وهو: الاعتراف للآخر بحق الوجود.
وعلّ السؤال المثير للفضول في مأساة الأمة الأمازيغية هو: لماذا تسامح العرب في شأن جليل الأهمية كالهوية مع كافة الأمم التي أخضعوها لاعتناق دينهم، ولكنهم أبوا إلا أن يبخلوا بالهوية على هذه الأمة بالذات من دون كل الأمم كأنها من بين هويات الأرض وحدها تتعارض مع الإسلام كدين؟
فالاعتراف باللغة، كمفتتح بالهوية، لا يعود هنا مجرد تسامح، ولكنه يتحول شرطا للتعايش. تعايش يغدو فيه تعدد الهويات غنيمة وجودية، مستعارة من أرومة مدججة بذخيرة لابد أن يفرزها تعدد الثقافات، وهو ما علينا أن نتباهى به، لا أن نخافه ونكون منه دوما في شك كما هو حالنا مع الأقليات اليوم.

لسان الجن

• «ثرثراتك في سن مبكرة»، بحسب تعبيرك، لفتت انتباه العائلة لتجاهر بأن «الجن أطعمك لسانا سخيا في رحلة اغترابك»، حسبما ورد في مذكراتك، فلماذا لم تنشغل بالترجمة عن ثقافاتها، بعبارة أخرى، لماذا توقف قلم الكونى عن الترجمة؟

عليك أن تعلم أن الابداع في حد ذاته ممارسة لترجمة. وهي الترجمة الأنبل على الإطلاق من كل ترجمة: الترجمة بالمدلول الحرفي الذي تريديني أن أنشغل به، (علما بأن الترجمة لم تكن يوما من صميم اهتماماتي بالمفهوم الشائع للترجمة)، لأن همي هو محاولة ترجمة ما سكن البعد الضائع في الوجود، لأستجليه لنفسي في المقام الأول قبل أن ينقلب بالسرد تعبيراً مطروحاً على العلن.
أي أن السرد ممارسة لتجربة غيبية، الروائي فيها رسول والميثولوجيا تلعب دور البطولة، مستعينةً بالشعر في التوق المحموم إلى الحقيقة. وهو وزر جسيم، علاوة على كونه مسؤولية أخلاقية، تنقشع في محرابه كل رغبة في نقل نصّ من هذا اللسان إلى ذاك اللسان، كأنه احتراف للقيل والقال، وإلا لما استصدر سدنة الحكمة في حقه حكما مهيناً هو الخيانة!

مقالات ذات علاقة

سراج الدين الورفلي: نحن في مرحلة حرجة لأننا خائفون، وطالما نحن نشعر بالخوف فالحرب لن تتوقف، علينا أن نمتلك الجرأة لكي لا نقول كلمتنا الأخيرة

رامز رمضان النويصري

هكذا كتب عمر رمضان على هامش التاريخ

المشرف العام

تجربة أبوميس: تلاقح قاري ووطن يختزله «كنغر»

المشرف العام

اترك تعليق